أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
هل تضحى ميركل بوزير ماليتها المخضرم «شويبله»؟
21 يوليو 2015
برلين- مازن حسان
المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ووزير الماليةفولفجانج شويبله خلال جلسة برلمانية

يبدو ان وزير المالية الألماني القوي فولفجانج شويبله قد يصبح كبش فداء من أجل إعادة السلام للعلاقات ليس فقط بين المانيا واليونان


 ولكن ايضا بين المانيا والولايات المتحدة التي تمارس ضغوطا للإطاحة بشويبله العنيد الذي لا يرى جدوى في بقاء اليونان في منطقة اليورو بل ويتهمه البعض بإستغلال الأزمة اليونانية لتنفيذ مخططه القديم بتقليص منطقة اليورو لتضم مستقبلا فقط مجموعة من الدول القوية المندمجة سياسيا وإقتصاديا بزعامة المانيا والتي تملك وحدها القدرة على البقاء والمنافسة مع الكيانات الإقتصادية الأخرى بما فيها الولايات المتحدة.


 



رغم الإتفاق الذي توصلت إليه مجموعة اليورومع اليونان وموافقة البرلمان الألماني على بدء مفاوضات مع اثينا لتقديم حزمة إنقاذ ثالثة بقيمة تصل لـ 86 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، فإن وزيرالمالية الألماني شويبله يصر على أن خروج اليونان ولولفترة مؤقتة من منطقة اليورو هوالحل الأمثل للجميع، ويرى ان شطب جزء كبير من الديون اليونانية اوحتى إعادة جدولتها لايتفق مع عضويتها في المنطقة ويعد خرقا للقوانين والمعاهدات الأوروبية. ويثيرشويبله بموقفه هذ ليس فقط غضب اليونانيين الذين يتهمونه منذ فترة اساسا بأنه يعمل بكل الطرق على إخراج بلاده ممن المجموعة بل يتحدى بذلك ايضا واشنطن وصندوق النقد الدولي الخاضع للسيطرة الامريكية والعديد من العواصم الأوروبية الأخرى وفي مقدمتها باريس وحتى رئيس البنك المركزي الأوروبي نفسه ماريو دراجي، وكلهم أعلنوا انه لاخلاف حول حاجة اليونان لتخفيف للديون للإبقاء على فرصة واقعية لخروجها من الأزمة ولو بعد حين. ويتعرض شويبلة ومن وراءه المستشارة انجيلا ميركل لإتهامات يونانية واوروبية وامريكية وايضا من داخل المعارضة اليسارية في المانيا بالسعي لإخضاع كل منطقة اليورو للإملاءات الألمانية وسياسة التقشف التي تقوم على إنضباط مالي صارم، بل ان بعض المحللين يرون في الموقف الألماني المتشدد من اليونان رسالة للشريك الأقرب والأقوى فرنسا المرشحة ايضا لأزمة مالية في اي وقت.



وليس سرا هنا في برلين أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما قد كثف منذ قمة السبع في إيلماو بجنوب المانيا في الشهر الماضي ضغوطه علنا وسرا على حكومة ميركل بعد ان بات واضحا ان وزير المالية الألماني شويبلة يعمل على وضع خطة لخروج اليونان بشكل مؤقت لمدة خمس سنوات من منطقة اليورو مع تقديم مساعدات إنسانية لليونانيين. ومارست واشنطن هذا الضغط تارة عبر إتصالات مباشرة بين اوباما وميركل وتارة عبر وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو الذي حذر مرارا من أن إفلاس اليونان سيؤدي لخسائر بمئات المليارات من الدولارات للإقتصاد العالمي قبل ان يحذر برلين صراحة بأن خروج اليونان من منطقة اليورو سيكون خطأ جيوسياسيا بالغا نظرا لأهمية اليونان كعضو في حلف الناتو.كما مارست واشنطن ضغوطها عبر صندوق النقد الدولي الذي وجهت رئيسته كريستين لاجارد في تحد صريح نداء لألمانيا لكي تنهي معارضتها لخطوة تخفيف الديون وان توافق على تمديد فترات السداد لأثينا ثلاثين عاما او تدعم الموازنة العامةاليونانية بمساعدات اوروبية او توافق على شطب جزء كبيرمن ديونها. وكلها مطالب ترفضها برلين وتتجاهلها.



وتسبب الوزير الألماني شويبلة في زيادة اجواء التوتر عندما افصح قبل ايام عن مضمون مكالمة له مع نظيره الأمريكي جاكوب ليو حيث صرح ساخرا لوسائل إعلام المانية بانه ضاق ذرعا بالإتصالات من المسؤلين الأمريكيين الذين يلحون عليه لقبول إعادة جدولة ديون اليونان ولذلك رد على هذا الإلحاح -والكلام لشويبلة بإقتراح بديل وهو ان تقبل الولايات المتحدة اليونان عضوا في منطقة الدولار مقابل موافقة المانيا على انضمام بورتوريكو عضوا في منطقة اليورو! دعابة شويبلة تسببت في هجوم شرس عليه واتهامه بالتعالي والحديث عن تبادل دول ذات سيادة وكأنها قطع شطرنج، ما يؤكد العجرفة الالمانية!



ولم تسفر الضغوط الأمريكية شيئا وتجاهلت برلين تقديرات صندوق النقد الدولي الذي يرى معضلة حقيقية في سداد اليونان لديونها واصلاح اقتصاده االمتدهور في ظل التدابيرالتقشفية القاسية ما سيلحق اضرارا بفرصها للنموالاقتصادي في حين انهاغير قادرة مطلقا على تحمل اعباء الديون. بل خرج شويبله بعد الإتفاق مع اليونان ليؤكد أن الإعفاء من الديون " غيرممكن" لدولة لازالت عضوة في منطقة اليورو وقال أنه ليس متيقن من قدرة اليونان على تحقيق التعافي المالي دون الخروج من اليورو!



تجاهل وتسويف ومراوغة شويبلة ودعم ميركل له اثار استياء واشنطن كما تشير التقارير الإعلامية الألمانية ودفعت وزير الخزانة الأمريكي لزيارة برلين قبل يوم واحد من تصويت البرلمان الألماني الذي فوض الحكومة بالتفاوض على خطة الإنقاذ الثالثة. ولم يتسرب ما دار خلال هذا اللقاء الى الخارج ولكن موقع السياسة الخارجية الالمانية نشر إستنادا إلى مصادرامريكية أن هناك إتفاقا بين الجمهوريين والديموقراطيين في واشنطن على ان إستقالة وزير المالية الألمانية ربما يكون ثمنا مناسبا لإعادة السلام إلى منطقة اليورو وبين برلين واشنطن.



الموقع اشار في تحليله إلى أن الإطاحة بشويبلة لا يعود فقط إلى إصراره على خروج اليونان من الوحدة النقدية الأوروبية وإنما إلى طموحات المانية يغذيها السياسي المخضرم المنتمي للحزب المسيحي الديموقراطي والذي يوصف بأنه مهندس الوحدة الألمانية عام 1990. شويبلة لديه حلم قديم بتحويل منطقة اليورو إلى ما يعرف "بجوهرة اوروبا الصناعية والإقتصادية والمالية" ومركزها المانيا، وتحيط بهذه المجموعة المركزية ذات السياسات الموحدة مستقبلا، مجموعة اخرى من الدول الأوروبية الأقل تطورا كاسواق ومناطق للتجميع والتصدير على ان تهيمن برلين على القطاع المصرفي لهذه الدول من خلال البنك المركزي الالماني وما يعرف ببنك التنمية الألماني .في نفس الإتجاه اشار تحليل لموقع أخبار الإقتصاد الألماني أن شويبلة يستغل أزمة اليونان لتقليص مجموعة اليورو لتضم فقط مجموعة محدودة من الدول القوية إقتصاديا وصناعيا وماليا والتخلص من دول الأزمات التي تمثل عبئا عليها في إطار المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة والقوى الإقتصادية الأخرى. كما اشار التحليل ان من اسباب رغبة واشنطن التخلص من شويبلة موقفه المنفتح تجاه روسيا ودعوته لتوطيد الشراكة الالمانية معها فضلا عن اتخاذ مواقف اوروبية موحدة داخل حلف شمال الأطلسي وعدم الإنصياع الكامل لواشنطن.



بعد يوم واحد من زيارة وزير الخزانة الأمريكي ليو لبرلين فاجأ شويبلة الجميع بالتلميح لأول مرة بإمكانية الإستقالة من منصبه إذا ما أجبر على انتهاج سياسة لا يقتنع بها ! واشارت الصحيفة الأشهر في المانيا "بيلد" إلى ان المستشارة انجيلا ميركل قد تدفع وزير المالية في النهاية للإستقالة !