أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
كشف المستور
13 يوليو 2015
محمد إبراهيم الدسوقي



الإرهاب يجد متنفسا ومساحة يمرح فيها، عندما تقل مناعة المجتمع وتضعف فى مراحل التحول بكل ما يكتنفها من عثرات ومطبات، فالتطرف يتوغل وينتشر، كلما تراجعت مقدرة المجتمع على مقاومة الجراثيم المحفزة على نموه وتغلغله، وهو ما يقود للعنف، والإرهاب، والمتاجرة بالدين، بغية الامساك بمقاليد السلطة الغاية الأسمى التى ينتهك لأجلها الإرهابيون كل المحرمات والمقدسات.



وليس عيبا ولا نقيصة المجاهرة بأن مناعة مجتمعنا حاليا ضعيفة، نتيجة ما مر به من منعطفات وتقلبات خلال الأعوام الأربعة المنقضية، وزاد من حدة مرض نقص المناعة تكاثر دسائس ومكائد جماعات الشر المستترة بعباءة الدين، وترفع السلاح فى وجه الدولة، وتتلقى دعما من قوى داخلية وخارجية، يحزنها ويقلقها تمتع مصرنا بالاستقرار والأمن. ومما يزيد كذلك من وطأته ذلك الفارق الواضح فى السرعة بين رأس الدولة ومفاصلها، فالطرفان لا يسيران جنبا إلى جنب، ولك أن تتصور مردود وتداعيات ذلك الفارق على البلاد.



وحتى يقوى جهاز المناعة المجتمعي، ويشتد ساعده ويقضى على فيروس الإرهاب الغاشم، وغيره من الفيروسات الخبيثة المهددة لمستقبل وطننا، يجب التأكد من تحقق الشروط الآتية: أولا: أن تكون الجبهة الوطنية متماسكة، ومترابطة، ومتفاهمة، وتعمل على قلب رجل واحد، فأزمتنا المزمنة أننا لا نستثمر لحظة الزخم بالطريقة المثلى بحيث لا تخبو وتظل حية نابضة فى النفوس والعقول، وما الثلاثون من يونيو عنا ببعيد، فروح الإصرار والعزيمة على تحدى وتخطى الصعاب التى كانت فى أوجها وعزها بدأت تفتر، لأن المواطن يعتبر أنه أدى واجبه وزيادة بمشاركته فى الثورة، ويترقب العائد السريع لها وتغيير الوجوه والسياسات، وحينما لا يحصد الثمار المرجوة والمتوقعة من جهته وفقا لجدول زمنى يحدده يتسرب الشك والاحباط إلى نفسه وينزوى فى ركن قصى لا يبالى بما يجرى من حوله، أو يتجه بنظره صوب الخارج بحثا عن سبيل يوفر له فرصة عمل خارج الحدود، فإن لم يعثر عليها بالطرق المشروعة غامر بإيجادها عبر الوسائل غير الشرعية، ويستحسن أن تلتفت حكومة المهندس إبراهيم محلب لموجة الهجرة غير الشرعية المتزايدة، وأعداد المصريين الذين حصلوا على جنسيات أخرى فى الأشهر الأخيرة، فهى مؤشرات غير مريحة ويلزمها دراسة فاحصة لمعرفة أسبابها، وعلاجها على وجه السرعة حفاظا على ثروتنا البشرية التى نصدرها لبلدان العالم على طبق من فضة.



فالأمة تحتاج للالتفاف حول هدف وطنى جامع يعمل له الكبير والصغير بإخلاص وتفان دون انتظار المقابل الآني، وأن تسود وتعلو روح التضحية على الانتهازية والمنفعة، وأن نتخلص من الارتباك والتخبط المسيطر على قطاعات مجتمعية عديدة. مثلا تأمل حال أحزابنا وقوانا السياسية المتعثرة منذ زمن وغير القادرة على الاتفاق على تشكيل جبهة موحدة تخوض بها الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن كانت لا تستطيع الاتفاق على أمر بسيط بالمقياس السياسى فكيف سيتأتى لها حكم مصر، إن حظيت بأغلبية تمكنها من تشكيل حكومات المستقبل ؟



وإن عدنا لتفاصيل تجارب أوروبا وآسيا التنموية فإن سر نجاحها كان فى وجود هدف وطنى أجمعوا على تحقيقه مهما بلغت التضحيات والجهد المبذول، فالكل قرر الانصهار فى بوتقته وتقديم أحسن ما لديه فى عمله، وفى سلوكه بالشارع، وتعاملاته مع جيرانه والمواطنين، واحترامه القواعد والنظم والقوانين على اكمل وأفضل وجه.



ثانيا: أن تستمد حصانة مؤسسات الدولة وقوتها من قدرتها على ترسيخ مفاهيم ومبادئ العمل المؤسسى بصرف النظر عن الشخص الجالس على قمتها، فبعد ثورتين ومياه كثيرة جرت فى المحروسة لا يزال المعيار الشخصى هو الحاكم والمحدد لبوصلة مؤسساتنا على اختلافها، فأجهزة الدولة أدمنت المركزية فى التفكير، والأداء، فكل مسئول فى موقعه، صغر أم كبر، لا يتحرك دون توجيهات وارشادات من المدير الأعلي، فماذا حصدنا؟ حصدنا مشكلات مستعصية على الحل، وتتوارثها الأجيال المتعاقبة، فلا مكان للمهارات والمبادرات والابداعات الفردية، واحتضان الكفاءات، وتشجيع الموظف على الاتصاف بالجرأة لدى اتخاذه القرار، فغياب الجرأة فى اقتحام المشكلات يتسبب فى استفحالها وتفاقمها.



ولكى يتسنى هذا يجب أن تصبح الاحترافية الشعار المرفوع فى كل القطاعات والمجالات، فالعقلية الاحترافية غائبة، والعشوائية متمكنة ومحببة لنفوسنا جميعا، وواجبنا المقدس التخلص منها وإلقاؤها فى جب عميق، وتابع معى كم الأخطاء اليومية التى تصل لحد الكوارث بسبب قيام أشخاص بمهام واعمال ليست من صميم تخصصهم، وقد لا يعرفون عنها شيئا، وربما أجبروا على امتهانها لعدم استطاعتهم العمل فى مجال تخصصهم، فخريج التجارة يعمل فى البريد، والمهندس فى مطعم وهكذا.



ثالثا: الديمقراطية، فثبوت اقدامها وانتعاشها سيضمن للمجتمع تمتعه برئة سليمة، لأنها لن تسمح بتهرب احد من الحساب والعقاب إن أخطأ، ومكافأة المجيد والمجتهد، وتسمح بتداول السلطة وتجديد دمائها باستمرار، وفتح الباب لتولى اجيال أكثر مهارة وثقافة وشجاعة المناصب العليا فى الحكومة، شريطة أن يكون لديها رؤية ثاقبة لحل الأزمات والهموم الملقاة على عاتق المواطن الباحث عمن يسمع شكواه ومطالبه العادلة فى الحياة الكريمة، وأن تعتنى به عند مرضه ولا تتركه فريسة لمستشفيات «البزينس» وليس الطب، أو للتأمين الصحي، والمستشفيات الحكومية المحتاجة لموازنات هائلة لسد العجز فى تمويل أنشطتها، مما يضطرها للاعتماد على التبرعات المقدم معظمها فى شهر رمضان الكريم. فإن كنا نود حقا وصدقا تبديل الحال فعلى المجتمع كشف المستور ومصارحة النفس بالعيوب، ومواضع الخلل والزلل، حينئذ ستتضاعف مناعته وسنتصدى بسهولة شديدة للإرهابيين، ومن يحركهم ويخطط لهم، ويمولهم، ويفتى لهم بجواز محاربة القوات المسلحة، درع مصر الواقية، والشرطة المدنية.