أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
فتافيت السكر
10 يوليو 2015
أميمة عز الدين

كنت أراقب هذا الرجل الذى يضغط على أواخر الحروف وهو يحكى لحبيبته عن محنته التى حالت دون رؤيتها ..لم يهمه تلصص الآخرين من وراء الستائر المسدلة فى خبث ولا خصاص النوافذ الذى يسرب الفضول والحسد أيضا..كانت الحمى قد تمكنت منه ، وأخذ يرتجف لأنه لم يحضر فى موعده وهى تتأمل سحنته الصفراء كراهب بوذى عتيق.


.تكز على أسنانها وشفتيها حتى لا تنهمر دموعها فيتفرق خبرها بين الجيران. قدم على اول الدّرج والأخرى مترددة وهى تخشى حومة الشائعات ولغط القول.






(تتأمل المشهد فى فيلم عربى قديم، تكز هى على أسنانها ونواجذها حتى لا تفضحها دموعها)





تقول لنفسها وهى على الكرسى الهزاز ، بصوت تقريرى ، وكأنها تقرأ نشرة الأخبار :





ولأنك امرأة عاملة ، مجتهدة وصبورة ، تقفزين فى الصباح مثل الكانجارو من سريرك ، تلتحفين ملابسك فى طبقات وبيدك سلاح سرى ، ذى سن مدببة للطوارىء (رغم أنكِ لست جميلة وتجاوزك سن الصبا) لكن هذا لا يضر أن تشعري أنكِ مثل أى أنثى اذ ربما يميل عليها ذكر باهت الملامح ..تزرعين نفسك فى المترو ، تحوقلين وتستعيذين بالله من شياطين الجن والإنس ، وتذاكرى مواعيد العمل والانصراف والعودة للبيت والطبخ والكنس والأولاد ، لكن نفسك الأمارة تهفو لفيلم عربى قديم أو أجنبى ، يسير البطل بجوار البطلة ، يذكّرها بالوعود والحب اللى كان ..يتصايحون بالغرف بضحك عيالك ،فتفزعين لأحدهم وتتذكرين فجأة «سيلفيا بلاث» وتنظرين الى المطبخ الضيق الذى نسى زوجك اصلاح أنابيب الغاز.





السقف بالنسبة لها هو عالم آخر مغر بالتامل والتآمر على العالم..كلما كان ضيقا ومكتنزا فهذا يعنى أن وكرها آمن جدا ... تضع الخطط للقضاء على أعدائها دفعة واحدة .. ما يهمها هو القتل النظيف فهى لا تحب الدماء .. وتتشاجر مع زوجها دائما عندما يعود من عمله ..وملابسه مبقعة ويطفو الدم مع رغاوى الصابون.. لا تريد لسقفها ان يبقع بالدم .. تريده نظيفا..





أخذت تهيئ نفسها للحدث العظيم ..اعدت متكأ مريحا لذراعها التى تدلت من فرط التعب ..تشحذ همتها والدم يفور لنافوخها وهى تغرق فى عرقها رغم برد طوبة الذى يفتت عظم العجوز .. اللحظة واتتها عندما فتحت درج المكتب فى غضب تبحث عن شىء ما..فوجدته مثل جثة طافية على سطح النيل .. ليس بالضبط ..لكن ملامحه كانت مستكينة بالصورة التى يرجع تاريخها لأكثر من عشرين عاما..بعثرتها بغضب وألقتها أرضا مثل جثة أوشكت على الغرق بالنيل .. العين «تبص» اليها .. بدون حاجب..لكنها عين كاملة .. مزقتها الى فتافيت صغيرة جدا .. لكنها لا تشبه فتافيت السكر.