كانت مفاجأة بحق تلك التى أعلنتها محكمة النقض فى حيثيات حكمها بقبول الطعن المقدم من المتهم عادل حبارة و15 متهمًا آخرين على احكام الإعدام والسجن المؤبد والمشدد بحقهم ،
لاتهامهم بقتل الجنود المصريين فى مذبحة رفح الثانية والتخابر مع تنظيم القاعدة بالعراق، اذ تم الغاء الحكم لسبب واحد فقط، وهو ان عضوى اليمين واليسار اللذين استمعا إلى المرافعات وتابعا القضية منذ بدايتها، غير العضوين اللذين اشتركا فى إصدار الحكم وحضرا جلسة النطق به، ووقعا عليه، ومن ثم أصبح الحكم باطلا ويتعين نقضه لجميع المتهمين!
مثل هذا الخبر اثار حنق الكثيرين واعتبروا الغاء حكم الاعدام لمتهم اعترف بجريمته لسبب شكلى كهذا، لا يليق بحادث جلل تسبب فى مقتل 25 من جنودنا، وآجج حالة عدم الرضا التى أصابت المصريين بسبب غياب العدالة الناجزة وطول امد المحاكمات واحكام البراءة غير المتوقعة، وتأجيل تنفيذ احكام الاعدام فيمن يعتبرونهم اهلا لها.. بالطبع ليس مطلوبا من القاضى ان يرضى الرأى العام ويعمل وفقا لهواه.. لكن فى المقابل يجب على الاقل ازالة اسباب سوء الفهم ..
اذن فالاخوان ساهموا بدور كبير فى اثارة الرأى العام ضد احكام القضاء بالتشكيك فيها والطعن فى نزاهتها. الامر الثانى هو قيام بعض التيارات السياسية وتحديدا بعض فصائل اليسار، بمساعدة الاخوان فى اثارة الرأى العام ضد القضاء، اذ تؤمن تلك التيارات بضروة هدم الدولة كى يتم اعادة بنائها من جديد، وهم بذلك يعطون فرصة للاخوان المسلمين لتحقيق مشروعهم السياسي، واى باحث بسيط او صحفى يستطيع ان يرصد ويتتبع تصريحات رموز تلك الفصائل اليسارية عقب صدور احكام قضائية، ليتأكد من الدور الذى لعبوه فى اثارة الرأى العام ضد مؤسسة القضاء.
الامر الثالث كما يراه عبد الحافظ- هو الاستعانة بالمنظمات الاجنبية الدولية المشبوهة للتنديد بأحكام القضاء المصري- وتحديدا منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، من خلال حلفاء الاخوان وبعض فصائل اليسار فى البرلمان الاوروبي. لكن على جانب اخر يقر عبد الحافظ بأن بعض نصوص التشريع المصرى لم تعد تواكب او تجارى التطور النوعى الحادث فى الجرائم، فالنصوص الحالية لا تفرض أمدا زمنيا معينا فى نظر القضية، وبالتالى قد يقضى المتهمون سنوات طويلة أمام المحاكم الى ان تتمكن المحكمة من تكوين عقيدتها والنطق بالحكم، ولذلك نطالب بان يتم وضع سقف محدد لزمن المحاكمة واستدعاء الشهود، فعلى سبيل المثال- والكلام لسعيد عبد الحافظ- قد تتنظر المحكمة شهود الاثبات شهورا وربما سنوات دون ان يأتوا، وفى الغالب يكون ظابط الشرطة او المباحث، وعقوبة امتناعه عن الحضور خمسون جنيها ! وتظل القضية عالقة فى المحاكم لهذا السبب..
وطالب سعيد عبد الحافظ بحملة توعية للشارع المصرى بل والمثقفين هدفها اعادة الاعتبار لمؤسسة القضاء، فالامر لا يخص القضايا السياسية الكبرى فقط، بل اذا استمر الوضع كما هو الان، سنصل الى المرحلة التى يخرج فيها اى طرفين متخاصمين من المحكمة بعد الحصول على الحكم، وكأن شيئا لم يكن، والذى عليه الحق لا يعتد بالحكم الذى صدر ضده لصالح الطرف الاخر، وهى مسألة لا ندرك حجم خطورتها اذا ما تفاقمت.
المستشار عمرو عبد الرازق- رئيس محكمة امن الدولة سابقا- يرى المسألة من زاويتين، الاولى هى عدم المام رجل الشارع بالاجراءات القضائية وتسلسلها ، اما الزاوية الثانية فهى ان القوانين المعمول بها فى مصر عفى عليها الزمن، والاجراءات الجنائية يستغلها المحامون فى اطالة أمد التقاضي، ولذلك نطالب بتعديل تشريعى لمواجهة جرائم الارهاب والتخابر وحماية أمن الدولة من الداخل، أسوة بما تم من قبل، اذ تم اقتطاع اجزاء من قانون العقوبات لقضايا الاحداث وتم عمل محكمة ونيابة متخصصة لهم، كما اقتطعنا جزءا من القانون لقضايا السلاح وخصصنا محكمة لها، وكذلك بالنسبة للدعارة والاشتباه وغيرهما، ولذلك نريد الان اقتطاع المواد من 66 الى 98 من الباب الثانى بالكتاب الثاني، والخاص بالجنايات والجنح المضرة بامن الدولة من الداخل، ونقوم بادخال تعديلات عليها تحقق السرعة فى الاجراءات وبالتالى سرعة الفصل، فيتحقق فى النهاية الردع الخاص- لمرتكب الجريمة- والردع العام لمن قد يرتكب نفس الفعل .
وردا على ما اثير حول عمل تعديلات جديدة فى القوانين القائمة، يؤكد المستشار عبد الرازق ان لجنة الاصلاح التشريعى عاكفة بالفعل منذ فترة على اجراء تعديلات على قانون الاجراءات القانونية، و ليس -كما يتصور البعض يتم استحداث تشريعات جديدة من العدم، فنحن لا نسعى الى عمل قوانين استثنائية لتطبيقها على الاخوان المسلمين كما يسعى البعض ان يصور للعالم الخارجي.
لا لوم للقضاة.. هكذا اكد المستشار عبد الله فتحي-القائم بأعمال رئيس نادى القضاة- وتابع: قضاة مصر طالبوا مرارا -وخاصة مع تكرار حوادث الارهاب ، بإجراء تعديلات تشريعية لمواجهة تلك العمليات التى اصبحت تتسم بقدر كبير من البشاعة والخسة والغدر، لكن لم تكن هناك اى استجابة، وبالفعل تمت احالة المتهمين بارتكاب العمليات الارهابية الى القضاء العادى . ولان القضاء المصرى يطبق قانون الاجراءات الجنائية واساسه الحفاظ على حقوق المتهمين الرئيسية، فترتب على ذلك بطء اصدار الاحكام وطول امد سماع الشهود قضلا عن استغلال الدفاع لبعض الحيل القانونية مثل رد المحكمة. وبالطبع ليس للقاضى ان يقفز على تلك الاجراءات او ان يتجاوزها، وفى النهاية ينتقد الرأى العام القضاة، ويلقى عليهم باللوم فى استشراء عمليات الارهاب، دون ان يعلم ان القضاة يصدرون احكامهم وفقا لنصوص قانونية عقيمة رغم انهم ينظرون قضايا استثنائية وغير مسبوقة، وعلى الرأى العام ان يدرك ان القاضى ملزم بتطبيق القانون أى كانت عيوبه. وأضاف انهم جاهزون لتقديم الرأى بشأن التعديلات المطلوبة اذا ما طلب ذلك منهم، وبسؤاله عما اذا كانت تلك التعديلات ستدخل حيز التنفيذ فور اقرارها لتطبق على القضايا المنظورة حاليا امام المحاكم فأكد ذلك فعلا ، على عكس التعديلات التى تتم على نوعية العقوبة، اذ تسرى على القضايا المحالة فى المستقبل.
حملة تشكيك
سعيد عبد الحافظ- المحامى والناشط الحقوقي- حذر من الوصول الى ما نشهده حاليا من فجوة بين احكام القضاء والرأى العام، واعتبرها ظاهرة جديدة على الشعب المصرى لم يعرفها من قبل،ويسوءه ان يتعرض لها واحد من اقدم النظم القضائية فى المنطقة العربية أرسيت قواعده فى عام 1830.
الفجوة كما يراها عبد الحافظ بدأت بوادرها تحديدا منذ عامين، على يد جماعة الاخوان المسلمين التى دأبت على الترويج لفكرة عدم استقلال القضاء وانحيازه لتوجهات سياسية معادية للاخوان، كما كانوا يعقدون محاكمات شعبية للقضاة فى الشوارع بسبب بعض احكامهم، وبالطبع لن ننسى حصار المحكمة الدستورية واهانة قضاتها.