أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
بالغش نحيا.. وبه قد نموت!
17 يونيو 2015
سمير الشحات

رمضان غدا.. كل عام وأنتم بخير.. فما رأيكم- دام فضلكم- لو أننا سعينا، بمناسبة الشهر الفضيل، إلى خفض جرعات الغش فى حياتنا.. ولو


قليلا؟ ماذا يا نور العين؟ نخفض الغش؟ هيء هيء هيييييء.. كيف يا أذكى اخوتك ونحن نحيا منه وبه وله؟ يا عم روح!إذن..إياكم أن تلوموا الغشاشين على غشهم، وقبل أن تدينوهم فتجرموهم سلوا أنفسكم هذا السؤال: لو أن كل ما حولك بالغش يغري، ثم استجبت للإغراء.. فهل أنت ملوم؟.. نتحدث هنا سيادتك عن الثانوية العامة.لقد ظللنا نسمع ونقرأ لعشرات السنين، فى مثل هذا الوقت من كل عام، عن تفانين وابتكارات واختراعات، يبتكرها الطلاب الممتحنون لممارسة الغش داخل اللجان.. تجعل الولدان شيبا.. فمنهم من يزرع الموبايلات فى أكثر أجزاء جسده حميمية، فلا يكتشفها البيه المراقب مهما أوتى من براعة الحاسة السادسة.. ومنهم من يدفس السماعات المتناهية الدقة فى تلافيف أذنيه وحول الفخذين- وبينهما- إن أمكن.. ومنهم( أو منهن!) من تكتب- لا مؤاخذة- البرشام على صفحة الصدر.. وما خفى كان أعظم!






لماذا يا ترى يغشون؟ لا يا سيدي.. إن السؤال بهذا الشكل مسئول غلط.. بل قل: ولماذا لايغشون وكل من حولهم يغشون فيتلذذون بغشهم؟ طيب.. هب أنك طالب بالثانوية العامة، وقرأت- وأنت فى طريقك للجنة- عن أولئك الذين ذبحوا الحمير فباعوها لنا على أنها بقر.. فماذا سوف توسوس به لك نفسك الأمّارة بالسوء؟





.. ثم هب أنك- وأنت لدى الباب- وقعت عيناك بالصدفة البحتة على مانشيت نارى أحمر اللون ملعلط يقول: 90% من قطع غيار السيارات بالسوق مضروبة، وأكلتها الرطوبة.. أو مانشيت آخر يصرخ: نصف أدوية علاج الناس مصنوع تحت السلم.. أو مانشيت عن اكتشاف عشرات الأطنان من الأغذية النتنة المتحللة المنتهية الصلاحية، معبأة فى أكياس، مخبأة فى مخزن، تمهيدا لبيعها للصائمين فى رمضان!





أو.. هب أنك- ليلة الامتحان- قد أصابك الملل، فضغطت مفتاح التليفزيون، وشاهدت تقريرا مصورا عن زيارة لأكبر مسئول بالحكومة لأحد المستشفيات رأى فيها المرضى مرميين فى الردهات، وتحت الدكك، بلا علاج ولا اهتمام ولا رحمة، فكاد أن يبكي.. فماذا أنت قائل لنفسك؟ هل تريد المزيد من «هب أنك»؟ إذن فانظر حولك وأنت ستري.. فكيف تطالب بتوع الثانوية العامة بألا يغشون؟





يعنى إيه؟ هل نحن غشاشون بالفطرة؟ لأ طبعا.. وإنما نحن نمارس الغش لأنه الطريق الأسهل لأكل العيش.. ثم مع الأيام استطعمناه، واستمرأناه، فأدمنّاه.. حتى أصبح الغش لذتنا الكبري، وخيبتنا الثقيلة. إن لسان الحال عندنا يقول: إن من لا يغش.. هو أحمق بالحرص ينتحر( على رأى إيليا أبو ماضي!)





اسمع.. وهات من الآخر.. إنك لو أنفقت ما فى الأرض جميعا لإيقاف طوفان الغش المعربد فى حياتنا اليومية.. فلن توقفه.. حتى لو جلبت قوانين الدنيا كلها عندك. ولماذا يا عم هذا التشاؤم؟ ببساطة لأن الضمير المعيوب لاحل له!





المسألة مسألة ضمير يا سيدى البيه.. وإلا فما قولك- طال عمرك- فى ولى أمر، أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، بل وحج البيت.. ثم تراه واقفا خارج لجنة الامتحان يصرخ بالصوت الحيانى فى الميكروفون مغششا ابنه داخل اللجنة؟ الموضوع هنا لا علاقة له بالدين- أى دين- إنما الموضوع موضوع ضمير!





البعض منا كان أكثر حصافة، ومصارحة للنفس بالحقائق، فحسب الحسباية صح: «أنا أغش.. إذن أنا موجود.. ومن ثم لم يتجشموا عناء تبكيت الروح، وتحميل النفس بما لا تطيق، وأعلنوها صريحة مدوية «مشّى حالك.. وربّى عيالك.. ودع الخلق للخالق.





غير أن المأزق هنا هو أنك لن تربى العيال كما تعتقد، بل ستفسدهم، وتدمرهم تدميرا. إن مصيبة المجتمعات القائمة على الغش هى أن كل من فيه خاسرون حتى لو طال الأمد.. لماذا؟ لأنك إن تمكنت من الفوتان بجريمتك الصغيرة اليوم فسوف يوقعك فاسد آخر- أعتى منك- فى الخيّة غدا.. وابقى قابلنى لو نجوت!





يعنى لا يوجد حل؟ صدق أو لا تصدق.. هناك حل.. هو العودة لبناء ضمائر الناس من أول وجديد؛ فى المدرسة.. والمسجد والكنيسة.. وفى الإعلام.. وفى دواوين الحكومة والقطاع العام.. وكلما أسرعنا فى تلك المهمة كان ذلك أفضل، وأقل كلفة.. هيا نبدأ.. ولنتحين فرصة رمضان.. وكل عام وأنتم بخير.