أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الحضانات الخاصة ..أزمة مزمنة
13 يونيو 2015
تحقيق : كريمة عبدالغنى

حضانات الأطفال أزمة مزمنة لها جذور من سنوات طويلة وللأسف لم تهتم الحكومات المتعاقبة بحلها مع أنها تلمس مستقبل كثير من الأسر ، خاصة أن 10% من الأطفال حديثى الولادة يحتاجون دخول حضانات فور ولادتهم.



فكم من وزير صحة خرج علينا بالتأكيد على أن الوزارة تقوم بعمل برنامج لحل مشكلة الحضانات والأطفال  المبتسرين ، ولكن الباحث عن حضانة لطفله الوليد لا يجدها ، وإن وجدها بالمستشفيات الخاصة يكتشف أن بعضها تعانى من الإهمال وعدم الدراية بكيفية التعامل مع الأطفال ، وتفتقد للرقابة والمتابعة من قبل الجهات المسئولة .



فى البداية تذكر أسماء محمد عوض ربة منزل وهى أم لأول مرة وضعت طفلها بصورة طبيعية  فى عيادة طبيب فحص الطفل فوجد لديه مشكلة فى التنفس وطالب الأسرة بضرورة نقله لحضانة تتوفر فيها هذه الإمكانية ، وهنا بدأت رحلة الشقاء للبحث عنها ولم ينقذنا النداء الآلى "137" والرد الذى تلقيناه هو : لا يوجد ، غير متوفر ، ولم نجد بدا من البحث عن حضانة بجهاز تنفس فى مكان خاص على أن تكون نفقاته فى حدود الإمكانيات وهذا أمر  مستحيل ، فالمركز الذى توافرت فيه  تلك الحضانة رغم بساطته الشديدة إلا انه طلب منا 350 جنيها نظير اليوم الواحد ، وهو الأمر الذى يفوق إمكانياتنا ومع ذلك جازفنا وقبلنا نقل الطفل لهذا المركز لعدم توفر بديل ، ولم تنجح محاولتنا مع النداء الآلى أو المرور على المستشفيات ، وامتد البحث إلى الجمعيات الشرعية والذين ابلغونا فى أول الأمر بعدم توفر مكان أيضا ولم ينقذنا من هذا العناء إلا تدخل أحد أهل الخير لدى الجمعية الشرعية وحجز لنا مكان بها وبعد مرور ثلاثة أيام نقلنا الطفل للحضانة  ونحن نتعجب من هول المهزلة التى مررنا بها.



أما سمية زين فهى أم مكلومة على  طفلتها التى وضعتها فى الشهر السابع من الحمل  بعملية قيصرية واستدعت حالتها وضعها فى حضانة على الفور بعد ولادتها وبالبحث السريع ووصولا لأقرب مستشفى وتم وضع الطفلة بحضانة مشتركة مع طفل آخر فى محاولة لإنقاذها ولكن هذا الوضع لم يكن الحل المناسب بل المتاح لدينا ولم يساعدنا فى إنقاذ الطفلة والتى توفيت بعد يومين فى الحضانة.



ويروى سيد عبد القوى محمد منصور كهربائى سيارات بأسى  وحزن شديد المأساة التى عايشها ، ويقول : الإهمال ونقص الضمير والطمع تسبب فى قتل فلذة كبدى وقرة عينى الذى أنعم الله علي  بإنجابه بعد معاناة وانتظار دام سنوات طويلة حرمنا  فيها من الإنجاب ، و فور مولده  بقصر العينى نصحنى الطبيب المشرف على عملية الولادة بضرورة إيداعه فى الحضانة  لفترة لاحتياجه بعض الرعاية بها ، وهو الأمر الذى اعتقدته يسيرا وسنجد له مكانا  بحضانات المستشفى التى ولد فيها ولكنى فوجئت بأن جميعها مشغولة وبدأت رحلة معاناة جديدة لم أتوقعها للبحث عن حضانة فى جميع المستشفيات لتضم وليدى الصغير وتداويه .



ويضيف : بالفعل تمكننا عبر النداء الآلى "137" من إيجاد حضانة بإحدى المستشفيات الحكومية وتم استدعاء سيارة الإسعاف لنقل الطفل إليها وبعد تحرك سائق الإسعاف وجدته ينصحنى بألا أتوجه للمستشفى الحكومية  وأن أستبدلها بمستشفى  معروف أنها توفر سبل الرعاية الأفضل فى مجال الحضانات كى لا أعرض طفلى لأى مشاكل جراء إهمال محتمل والذى يتفشى فى المستشفيات الحكومية "حسب قول السائق" والذى شدد على أن   نصيحته هذه تنبع  من خالص حرصه على حياة الطفل ليس إلا ، وهنا بدأت الوساوس تزاحمني  والمخاوف اجتاحتنى ، ووجدت نفسى أطلب من سائق سيارة الإسعاف أن يتوجه بنا إلى المستشفى الذى ذكره بالجيزة ، على الرغم من أنه مستشفى خاص  كبدتنى مبالغ اقترضتها من الجيران أملا في  معالجة وليدى وخروجه بصحة جيدة.  



ويستطرد : وفور وصولنا المستشفى الخاص قاموا بعمل أشعة وتحاليل وأكدوا لنا أن نتائجها كلها سليمة ، وليس هناك مشكلة صحية بالطفل، ولكنى  في  اليوم  التالى فوجئت بتدهور حالته ..و شعرت أن هذا المستشفى أهمل بشيء ما تجاه ابنى ، وعلى الفور أسرعت بنقله لمستشفى بالهرم بسيارة إسعاف مجهزة ، و هناك كانت المفاجأة التى اخبرنى بها الأطباء بعد إجراء الفحوص والإشعات والتحاليل  الطبية أن إحدى رئتى ابنى تلفت نتيجة إعطائه جرعة زائدة من الأكسجين وتلوث الحضانة بالمستشفى التى وضع بها من البداية ، ثم اكتشفت أن أحد القائمين على متابعة حالة الطفل  بالحضانات  ليس معه أى مؤهل تمريض ، بل دبلوم تجارة ولا يمت لمهنة التمريض بصلة، ولم يمض سوى  يوم واحد و توفى ابنى ، واستلمت شهادة وفاته مع شهادة مولده ، وأنا فى حالة ذهول وحيرة واشتعال داخلى ، ورضيت بقضاء الله وقدره ، ولكن الله بعزته وجلاله لا يرضى بهذا الإهمال والاستهتار بحياة ومستقبل المرضى المصريين  ، ومضيت أسأل نفسى : أين  دور الدولة فى الرقابة  والمتابعة والإشراف والفحص على الحضانات بالمستشفيات المماثلة رحمة بأبنائنا حتى لا يقتل أطفال آخرون كما حدث لابنى .



دور الوزارة



وللوقوف على أسباب  المشكلة توجهت تحقيقات "الأهرام" الى الدكتور صابر غنيم وكيل وزارة الصحة للمستشفيات غير الحكومية والتراخيص الذى أوضح أن المشكلة تتمثل فى نقص أعداد الحضانات بالمستشفيات الخاصة نظرا لتكلفتها العالية وأنها تحتاج تجهيزات وكوادر مدربة من أطباء وفريق تمريض ، وليس من سلطة الوزارة فرض عدد محدد من الحضانات داخل المستشفى الخاص ، وكل دورنا يقتصر على فرض وجود حضانة أو اثنتين داخل كل مستشفى نساء وتوليد  وهذا عدد نعلم أنه قليل ولا يؤدى الغرض بالكامل.



أما عن افتقاد  الحضانات بالمستشفيات الخاصة للرقابة فقد أكد غنيم أن الرقابة موجودة ولكن يجب أن نذكر أن عدد المنشآت الطبية الخاصة يتعدى الـ 82 ألف منشأة وتحتاج لجيش من المتابعين ونحن لا نملك العدد الكافى لنغطى كل هذا العدد ، ولكننا فور وجود شكوى والتى نتلقى منها عددا كبيرا  يصل إلى 400 شكوى  شهريا لا يخص الحضانات سوى واحدة أو اثنتين ، ويتم التعامل مع الشكاوى بكل موضوعية ونزاهة عالية ونتخذ الإجراءات القانونية ضد أى منشأة مخالفة بعدم الترخيص أو نقص التجهيزات أو الكوادر الطبية أو مكافحة العدوى ، وتصل لغلق المنشأة فى حالة نقص سياسات مكافحة العدوى ونرسل لجنة تفتيش  للوقوف على الأوضاع  وفحصها ولا يعاد فتح المنشأة إلا بعد حصولها على تقرير من المعامل المركزية بوزارة الصحة . 



لا مشكلة



وعلى جانب آخر يؤكد الدكتور أحمد سعفان رئيس الإدارة المركزية للطب العلاجى بوزارة الصحة أن لا توجد لديهم مشكلة فى عدد الحضانات  فلدينا فى القطاع العلاجي  بمفرده 2200 حضانة بكامل تجهيزها ، وهذا بعيدا عن التأمين الصحى ومستشفيات الأمانة ، و"الفعال" من  الحضانات بكل تلك  القطاعات لا يتعدى الـ 60% منها  ، فالمشكلة تكمن فى التمريض والحضانات بالمستشفيات مجهزة بالكامل  والإمكانيات متاحة ، وللأسف  نصفها متوقف بسبب نقص كوادر الأطباء والممرضين الأكفاء ، لأن المتابعة الطبية وتمريض الحضانات يتلقى تدريبا على أعلى مستوى .



ويضيف سعفان أن أزمة التمريض تنتج من تطبيق معظم الممرضات لنص رعاية الطفل سواء بقانون 47 القديم أو  القانون الجديد رقم 18 " الخدمة المدنية" والذى جعل للممرضة التى تبلغ 22عاما حقا فى أجازة وجوبية كرعاية طفل وللأسف الشديد الكثير منهن يحصلن على الإجازة الوجوبيه ويتفرغن للعمل بالمستشفيات الخاصة ليحصلن على رواتب وحوافز أعلى من التى يحصلن عليها بوزارة الصحة .



ويوضح سعفان أنه لحل أزمة الحضانات نحاول زيادة حوافز ورواتب الأطباء والتمريض لتحفيزهم على الاستمرار فى العمل بالوزارة ، ويتقاضى طبيب الحضانات حافزا يزيد عن زملائه الآخرين 300% لكن ذلك لا يجدى لارتفاع الرواتب بالخاص ولذا  نحتاج لتعديل أمر منح الأجازة وجوبيا لرعاية الطفل لضمان وجود كوادر تمريضية مدربة تتعامل مع الحضانات ، بالإضافة لذلك تسعى الوزارة لزيادة معاهد التمريض لزيادة أعداد الممرضين لتغطية احتياجات المستشفيات.