أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
ديمقراطية الشكل لا المضمون
6 يونيو 2015
د . هالة مصطفى



نكتب جميعا عن الديمقراطية, نعيد ونردد شعاراتها وشروطها ومتطلباتها. نتحدث عن الدستور, سيادة القانون, الشفافية, التعددية الحزبية, الحياة البرلمانية, الحريات العامة والخاصة, التنوير, التحديث, الدولة المدنية, المواطنة, المساواة, التسامح, التعايش بين الجميع, حق الاختلاف.وكلها مفردات براقة نكررها باعتبارها بديهيات أوأبجديات الديمقراطية حتى اعتقدنا أنها موجودة بالفعل, وأن اختلافنا هو فقط حول التفاصيل! فيُثار مثلا جدل حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية وغضب من تأجيلها وكأنه بمجرد إجرائها ستكتمل الديمقراطية ويتغير المشهد السياسى وتتحسن الأحوال المعيشية للمواطنين ويتم القضاء على الفساد والبيروقراطية وأنه سيكون للنواب «المنتخبين» صولات وجولات فى التشريع والرقابة والمحاسبة السياسية بافتراض أن لهم رؤية سياسية واضحة وبرنامجا معروفا يسعون لتطبيقه. هذه النظرة تفترض أيضا وجود أحزاب قوية ستخوض بدورها معارك فكرية وسياسية على مستوى الداخل والخارج وأنها بذلك ستحدث فرقا فى المسار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى.



 



ونفس الافتراضات تنسحب على مؤسسات المجتمع المدنى ومجالس حقوق الانسان, التى تُصدر البيانات وتشكل اللجان وتخرج للإعلام مُفترضة أن غالبية الناس تشعر بوجودها وأن دورها لا غنى عنه لاستكمال الشكل الديمقراطى. كذلك تفعل النخبة المثقفة وهى أكثر من يتحدث عن الديمقراطية والتنوير والعقلانية, وأحيانا تُزيد من الحماس بعقد المقارنات مع الديمقراطيات المتقدمة فى أوروبا وأمريكا, وكأن الحال هناك هو نفسه الحال هنا, فترفع سقف التوقعات ثم تنتهى الأمور الى لا شىء تقريبا.



دائما ما يكون الحديث سهلا ولكن الواقع يظل بعيدا عنه. ولنرصد بعض مظاهر هذا الواقع, فالديمقراطية تستلزم سياقا حرا تُمارس فيه وهذا السياق يجب أن يوفر للفرد حرية كاملة فى التعبيرعن آرائه ومعتقداته ووجهات نظره التى تختلف بالضرورة من شخص لآخر وصولا الى الاختيار الحر. ولكننا مازلنا نلاحق الأفراد على آرائهم ولا نقبل بالاختلاف بل وتُمارس ضدهم أنواع من الترهيب الفكرى ويتعرضون للتجريح الشخصى، وربما يُعد الاختلاف فى ذاته جزءا من مؤامرة خارجية وفى حالات أشد خطورة يُتهم البعض بالخروج عن ثوابت الدين, إنها الدائرة المغلقة للتخوين أوالتكفير! ويكون ذلك إيذانا باعادة انتاج ثقافة «الصوت الواحد».



تستلزم الديمقراطية أيضا وبشكل أساسى تنظيم العلاقة بين المجالين الدينى والسياسى فى الحياة العامة, وهذه المقولة تتكرر لسنوات, ولكن ما إن تبدأ خطوات جادة فى مسألة اصلاح الخطاب الدينى وتجديد التراث حتى تُثار عاصفة من الرفض والتخويف تُزيد من تعقيداتها فيُغلق الملف أويؤجل, رغم التصريحات المؤيدة للإصلاح من الأزهر ودعوة رئيس الجمهورية لإحداث ثورة فكرية لمواجهة التطرف, وبالتالى لا تُحسم القضية أو تمضى الى الأمام بخلاف تشكيل اللجان المتخصصة والاكثارمن اللقاءات التى تجمع بعض المثقفين برجال الأزهر دون نتائج ملموسة, فتظل «الوسطية» حديثا جذابا لمواجهة هذا التطرف, العدو الأول للديمقراطية, ولكنها تائهة وسط سجالات لا تنتهى.



كذلك تتطلب الديمقراطية أحزابا قوية تتمتع بقاعدة اجتماعية وجماهيرية تبرر وجودها فضلا عن رؤية وتوجه سياسي واضح لكل منها. لكن ما نشهده هو كثرة فى عدد تلك الأحزاب لا تتوافر فى أغلبها تلك الشروط, بل هى أقرب الى تجمعات صغيرة تلتف حول بعض الشخصيات تُغلف نفسها بإطار حزبى, وفى الآونة الأخيرة لم يعد يُسمع عنها الا من خلال لقاءاتها بالرئاسة مرة للتحاور حول التحديات التى يواجهها الوطن وأخرى لمحاولة رأب الصدع وتجاوز خلافاتها الداخلية التى تحتكم فيها للرئيس. ومع هذه الكثرة والصخب فإن النسبة التى قد تحصل عليها هذه الأحزاب مجتمعة حال إجراء الانتخابات البرلمانية ربما لن تزيد علي الـ25% من المقاعد أى أقل من الثلث وفق العديد من التقديرات.



الإعلام الحر, هو أيضا شرط ضروري للممارسة الديمقراطية, ومن هنا ظهر الاعلام الخاص ولكنه بدوره أضحى أسيرا لشبكات المصالح وأصحاب الشركات الاعلانية الكبرى التى توجهه وفق أجندة ملاكها وعلاقاتهم المتغيرة مع السلطة إما قربا أو بعدا, وفى الحالة الأخيرة يتحول هذا النمط من الاعلام الى مايشبه «جماعات الضغط», بل وفى غيبة السياسة والسياسيين والأحزاب أصبح الإعلام يقوم بهذه الأدوار من خلال ما يعرف ببرامج «التوك شو» وهى ترجمة لمصطلح البرامج الحوارية, والتى لم تعد حوارية, فأغلب مقدمى هذه البرامج باتوا يقومون بهذه المهمة منفردين وكثيرا ما يتخذون موقع «الخصم والحكم» فى القضايا المطروحة وإزاء الشخصيات العامة والأفراد حتى أن المشكلة لم تبق فى الاعلام الرسمى المملوك للدولة وإنما انسحبت كذلك على الاعلام الخاص المعبرعن طبقة بعينها من رجال الأعمال. وهذه الطبقة بدورها هى المرشحة للتأثير بصورة متزايدة على مسار العملية السياسية والانتخابية فى الفترة المقبلة للتحكم فى البرلمان القادم سواء من خلال الانتخابات التى ستُجرى وفقا للنظام الفردى أو القوائم وربما بالتعاون مع بعض القوى البيروقراطية.



من هنا فإن البرلمان حال تشكيله سيكون أقرب الى هذه التركيبة التى توجهها جماعات المصالح او أصحاب المال والنفوذ بأكثر ما ستكون له هوية سياسية محددة كأول برلمان يعطى له الدستور اختصاصات وصلاحيات واسعة ليُقاسم رئيس الدولة - رأس السلطة التنفيذية - اختيار وتشكيل الحكومة وفقا للمادة المُستحدثة فيه. ويعزز من هذا السيناريو أن النسب المتبقية ستكون موزعة بين أحزاب لا يملك أي منها - كل على حده - تحقيق أغلبية يُعتد بها, وبين تيارات الاسلام السياسى والسلفيين الذين سيثيرون مرة أخرى معضلة تسييس الدين أوالخلط بين الدين والسياسة.



إن هذا الهجين المُوزع بين جماعات مصالح وأحزاب ضعيفة التأثير وإسلاميين، لن ينتج برلمانا قويا قادرا على أن يشكل نقلة نوعية فى المسار الحالى وفى الحياة السياسية عموما. لذلك فلنعتبر أن ما يجرى الآن هو جزء من المراحل الانتقالية أو من التجارب التى يجب أن نمر بها, لأن أغلب الظواهر تشير الى أننا نتحدث عن «شكل» الديمقراطية بأكثر من «جوهرها» أومضمونها وقيمها وثقافتها. مازال المسار فى حاجة إلى التصحيح والطريق إلى الديمقراطية مازال طويلا .