أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
حتى لا تكون حبرا على ورق .. ماذا بعد وثيقة تجديد الخطاب الدينى ؟
27 مايو 2015
تحقيق ــ رجب عبد العزيز وإبراهيم عمران وهند مصطفى:

جاءت «وثيقة الأوقاف الوطنية لتجديد الخطاب الديني» والتى صدرت فى ختام أعمال المؤتمر الذى نظمته الوزارة، أمس الأول، بمشاركة عدد من الوزراء ورجال الدين والفكر والثقافة لتكشف أن جهود المؤسسات الدينية وحدها لا تكفى لمواجهة الفكر التكفيرى والعنف والإرهاب وصياغة خطاب دينى مستنير نحن فى أمس الحاجة اليه.



وأكدت الوثيقة أن إصلاح مناهج التعليم والخطاب الثقافى والفكرى والتنويرى والعلمى فى المدارس والجامعات والمنتديات الثقافية والتجمعات الشبابية لا يقل أهمية عن ذلك الخطاب الذى يلقيه الأئمة على منابر المساجد. وحتى لا تتحول بنود الوثيقة على أهميتها إلى حبر على ورق أو أن تبقى حبيسة الأدراج ولا ترى النور نتساءل : كيف يمكن تنفيذ ما جاء فى تلك الوثيقة وما آليات تطبيقها على أرض الواقع؟ الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، قرر تشكيل لجنة علمية تضم عددا من رجال الدين والفكر والثقافة للتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية لتنفيذ بنود وثيقة الوطنية لتجديد الخطاب الدينى» . وقال إن اللجنة ستعمل بالتنسيق مع لجان صياغة مناهج التعليم بمجلس الوزراء لبناء مناهجِ التربية الدينية على معاييرَ ومؤشراتٍ تعززُ الفهمَ الصحيح للدين، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وترسخ الاتجاهاتِ الإيجابية, وتحول الطلاب والتلاميذ من نطاق التبعية والحفظ والتقليد والتلقين إلى مستويات جادة من الوعى والتفكير والإبداع، وتوظيف بعض الأعمال الفنية والإبداعية لنشر القيم النبيلة, وإنتاج أعمال تدعم القيم الأخلاقية والإنسانية الراقية, وبخاصة فى مجال ثقافة الطفل. وأكد أن الوزارة ستعمل خلال الأشهر القادمة على تحسين الأوضاع المادية للأئمة والخطباء بما يمكنهم من التفرغ لأداء رسالتهم النبيلة، وكذا تنظيم دورات علمية لرفع مستوى الأئمة والخطباء وتكوينهم علميا ورُوحيا وسلوكيا. كما تتولى اللجنة التنسيق بين المؤسسات الدينية, والعلمية, والتعليمية, والثقافية, والفنية, والإعلامية, لإنتاج خطاب عقلي, وعلمي, وثقافي, وديني, وتربوي, ووطني, يتناسب مع ظروف العصر وحجم التحديات, ويحافظ على الثوابت الشرعية والأخلاقية للمجتمع, وإعادة النظر فى مكونات المناهج الدينية فى جميع مراحل التعليم بما يتناسب مع معطيات العصر ومتطلباته، وتبنى خطاب ثقافى وفكرى يدعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الحديثة، ويُرسخ مفاهيم الولاء الوطنى فى مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية الدولية التى لا تؤمن بوطن ولا دولة وطنية. وقال إن الأوقاف بدأت بالتنسيق مع الثقافة والشباب واتحاد الإذاعة والتليفزيون لتنظيم دوراتٍ وندواتٍ ومحاضراتٍ دينية وثقافية دورية فى المساجد، والمدارس, وقصور الثقافة, ومراكز الشباب, والتجمعات العمالية, والقرى والنجوع, والعشوائيات والمناطق الأكثر فقرًا، حتى لا تتخطف أبناءَها يدُ التشدد والإرهاب, وسد الطريق أمام المتاجرين بالدين ومن يوظفونه لأغراضهم السياسية والانتخابية.



تعاون جميع المؤسسات



من جانبهم شدد علماء الدين على أن تجديد الخطاب الدينى فى العالم الإسلامى وحده غير كاف لإصلاح وتطوير العقل فالمسلمون يحتاجون لفهم صحيح يغير حياتهم وأفكارهم نحو الأفضل وهذا لا يحدث إلا من خلال الدعوة الى التفكير والتقدم والعلم حتى نتمكن من الفهم الصحيح للإسلام وتطوير أنفسنا فنحن بحاجة إلى خطاب تربوى وتعليمى وثقافى وفكرى وسياسى لأننا نعيش أزمة حقيقية وسط أوضاع متردية دينيا وفكريا وعلى كل المستويات ويقول الدكتور أحمد فؤاد باشا، عضو مجمع اللغة العربية، إن الضوء يسلط فى عصرنا على تجديد الخطاب الدينى فقط دون سائر أنواع الخطابات التى تحتاج هى الأخرى إلى إصلاح وتطوير وتقنية، بعد أن أصابها الخلل والضعف والتلوث، فنحن بحاجة ماسة، وبنفس الدرجة، إلى تطوير الخطاب التربوى والتعليمي، وإلى ترشيد الخطاب الثقافى والفكري، وإلى مراجعة الخطاب العلمى والسياسي، وإلى تنقية الخطاب الفنى والإعلامي، فنحن بحاجة ماسة لأن يشهد واقع الأمة المتردى تجديداً واعياً ومدروساً للخطاب الحضارى بكل أنواعه، وربطه بمواجهة تحديات العصر، واستشراف المستقبل. وأوضح أن غياب الخطاب العلمي، أو ضعفه، تأصيلاً ومعاصرةً، ظاهر سلبية فى ثقافتنا العربية الإسلامية التقليدية، التى تختلط فيها التصورات الشعبية بالأفكار الدينية والحقائق العلمية، ولقد تجاوزها الفكر العلمى المعاصر كضرورة حتمية من ضرورات التجديد الحضارى وبناء مجتمع المعرفة والمهارة، انطلاقاً من أهمية العلم ذاته كعنصر أساسى فى حياتنا المعاصرة، بحيث لم يعد هناك أى نشاط إنسانى إلا ويعتمد على العلوم وتقنياتها فى تطويره والإسراع بايقاع حركته. وأكد أنه على الخطاب الدينى والخطاب العلمى التنويري، مجتمعين ومتآزرين، أن يوضحا الوظيفة الاجتماعية للعلم النافع، أولاً: فى بحثه عن الحقيقة وتأملها فى أطار رؤية كونية حضارية إيمانية، وثانياً: فى تسخير ما يكتشفه من حقائق للتطبيق فى أعمال نافعة للبشر؛ إذ إن رسالة العلم النافع لا تكتمل إلا بإعمار الحياة على الأرض، وضمان إشاعة الخير والأمن والسلام بين الناس.



ظاهرة إعلامية



على جانب آخر يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن بعض هذه المؤتمرات والندوات أهم ما يراد منها هو المظهر الإعلامي, والمسلمون فى مرحلة حرجة فى ظل ما يراد لبلادهم من انهيار وخراب وتشرد, وهدم لكل المعتقدات والقيم التى ترسخت فى وجدانهم من عصور مضت, وجلهم يؤمل فى مخرج من الهوة التى يراد أن تهوى فيها بلادهم, ولعل فيما ينعقد لتصحيح الفكر, وترسيخ قيم الإسلام الحنيف, بارقة أمل فى تحقيق ما يؤملون منها, ولكن أثر هذا النوع من المؤتمرات لا يأتى بين عشية وضحاها, ولا يظهر بصورة مادية, وإنما أثره يلمسه الناس بأفئدتهم, كأثر لتصحيح الفكر, وبيان منهج الإسلام فى خضم هذا التشويه من حولنا لجوهره ومنهجه.



إهدار للمال العام



وأوضح أن القول بأن فى عقد المؤتمرات والندوات إهدارا للمال العام, إنما يكون بعد دراسة الجدوى من عقدها, وكما ذكرت فإن هذه الجدوى قد لا تظهر آثارها فى صورة مادية, حتى يمكن قياسها والحكم عليها, وبعضها لا يظهر أثره إلا بعد مضى وقت, حتى تنتج آثارها. وأضاف: إن قضية تجديد الخطاب الدينى قضية شائكة, لا يمكن إحداثها بين يوم وليلة, كما أنها ليست مهمة مؤسسة بعينها دون غيرها من مؤسسات الدولة, فإن تجديد الخطاب يفتقر إلى منظومة, حيث لا يتصور أن تبنى جهة معينة فكرا إسلاميا وفق المنهج القويم للإسلام, وتجهد علماءها فى هذا الجانب, ثم تنبرى جهة أخرى لهدم ما بنته الأولي, وتشكك الناس فيما قيل قبلا, ولعل هذا نشاهده الآن ويلمسه كل وأحد, ويحتاج إلى تكاتف جهود مؤسسات عدة, تخصص لجانا تنقطع لهذا العمل حتى تنجزه.



وتؤكد الدكتورة إلهام شاهين, مدرسة العقيدة بجامعة الأزهر, أن هناك سلبيات تشوب المؤتمرات الدينية ولكن ليس معنى هذا أن يتم إلغاء هذه المؤتمرات أو تشويه القائمين عليها, وهناك سلبيات تغلب على توصيات المؤتمرات الدينية منها الطابع الإنشائى الخطابي، كبديل عن الطابع الواقعى الإلزامى بتحديد الجهات موضوع الخطاب والمنوط بها تنفيذ التوصيات وما يخص كل جهة أو هيئة أو مؤسسة من تلك التوصيات وذلك للخروج بتوصيات محددة وقابلة للتنفيذ حسب الأولويات. كما أن هناك شكوى من عدم الأخذ بتلك التوصيات, وأنها لا تعدو أن تكون حبرا على ورق, وهذا صحيح إلى حد كبير، لأن تلك المؤتمرات لا تهتم بتشكيل لجان لمتابعة تنفيذ توصياتها ولا تحدد جهات بعينها منوطا بها تنفيذ تلك التوصيات أو حتى بعضها، كما أن اللجان التى يتم تشكيلها لا تحمل أى صفة تمكنها من المتابعة والتنفيذ.



ويقول الدكتور يحيى أبوالمعاطى العباسي, الباحث فى التاريخ الإسلامي: ان الأصل فى المؤتمرات التراكم العلمى والبحثى ومعرفة أحدث مستجدات العلوم والمعارف واللقاءات بين أهل التخصصات لتبادل الخبرات والمعارف وغير ذلك كثير وضروري, لكن الواقع يقول إن المؤتمرات قد انحرفت تماما عن أهدافها وأصبح ما يصرف فيها على مستوى دولة واحدة يفوق مئات الملايين سنويا بحيث لو استغل ذلك فى مشروعات بحثية واقعية لتغير وجه العلوم والمعارف عندنا, وإدارة المؤتمرات والإفادة منها يحتاجان إلى نظرة؛ وليس هذا معناه إلغاء هذه الأنشطة ولكن الدعوة إلى ترشيدها والنظر فى جدواها وسياستها كل ذلك مطلوب لأننا نتابع كثيرا من الفاعليات والمؤتمرات فنأسف على إضاعة الوقت فيها. أما التوصيات والنتائج فهى عمل روتينى عام فى ألفاظ خطابية إنشائية بعيدة تماما عن العلمية, أما النتائج فلا تكاد تذكر إلا قليلا.