أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
اليمين القومى فى بريطانيا.. رسالة تحذير إلى لندن
7 مايو 2015
منال لطفى

>> ‎"بريطانيا لم تعد للإنجليز"..."المهاجرون يجب أن يتعلموا الانجليزية أولا قبل أن يدخلوا بلادنا" ... "نحن ننفق على الاتحاد الأوروبى من أموالنا بلا مقابل"... "لا نريد مهاجرين مصابين بالإيدز يثقلون كاهل مستشفياتنا"...



"النساء يحصلن على أجور أقل لانهن غير طموحات ويفضلن الأمومة"… "هذا هو وجه القومية الاسكتلندية القبيح"... "أين الانجليز فى لندن؟". ما يقوله أو يفكر فيه نايجل فاراج زعيم حزب "استقلال بريطانيا" (يوكيب) اليمينى المعادى للهجرة وأوروبا فى العلن، لا يجرؤ قادة باقى الأحزاب السياسية على قوله حتى فى السر. وهذا أحد أسباب شعبيته لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية فى بريطانيا اليوم. فاراج ليس عنصريا، أو على الاقل هو يقول إنه ليس عنصريا، ويقول إن هذه الافكار والشعارات "المحرجة" تعبر حقيقة عما يشعر به الكثير من البريطانيين اليوم، أو بالأحرى ما يشعر به الكثير من "الانجليز" اليوم.



 



تتفق أو تختلف معه، سيكون لفاراج، وزعيمة الحزب القومى الاسكتلندى نيكولا ستورجيون، تأثير هائل على نتائج انتخابات البرلمان البريطانى اليوم، وعلى الكيفية التى ستتشكل بها الحكومة المقبلة.



فـ"يوكيب" يعتبر أهم تحول فى المشهد السياسى البريطانى خلال الخمس والعشرين سنة الماضية.



ولكى تفهم أسباب شعبية "يوكيب" عليك أن تخرج خارج لندن، فهى مدينة كوزموبوليتنية متنوعة ومتعددة الأعراق واللغات. واستخدام الشعارات المعادية ضد الهجرة لن تنفعك فى هذه المدينة حيث ٣٧٪ من سكانها مولود أساسا خارج بريطانيا، والانجليز البيض فيها باتوا أقلية إذ يشكلون ٤٥٪ من مجموع سكانها، بينما كانوا ٥٨٪ عام ٢٠٠١، وفى الانتخابات الاوروبية الاخيرة كانت لندن المدينة الوحيدة التى لم يأت فيها "يوكيب" فى المركز الأول أو الثانى.



ويقول المعلق السياسى البريطانى ديفيد جودهارت فى هذا الصدد: "هناك حالة هجرة للإنجليز البيض خارج لندن. فهم يتوجهون إلى المدن الداخلية بسبب تصاعد البطالة وارتفاع الأسعار وضعف الأجور...لندن مدينة تتغير بسرعة كبيرة. والكثير من سكانها لم يعد قادرا على مواكبة هذه التغييرات، خاصة الانجليز. فالتغييرات ليست اقتصادية فقط. بل ديمجرافية وثقافية واجتماعية ايضا".



الداخل البريطانى إذن، سواء فى الوسط أو الشمال أو المناطق الساحلية المهمشة، يقدم صورة أوضح حول اسباب شعبية فاراج وحزبه. ففى هذه المناطق ستجد الناخب الحقيقى لـ"يوكيب" وهو ليس كما يتم تصويره كاريكاتوريا جنرال انجليزى متقاعد يلعب الجولف ويبدى تذمره طوال الوقت من المهاجرين الذين يعيشون على الضمان الاجتماعى ويسرقون العمل من الانجليز، ويكره الاسكتلنديين الذين يشكلون ٨٪ من السكان ويريدون حكم بريطانيا كلها، ويرى الاتحاد الأوروبى خطرا لانه "لعبة فى يد الفرنسيين والالمان الذين يدبرون المؤامرات ضد بريطانيا".



ناخب "يوكيب" مختلف كثيرا عن هذه الصورة، وبات اليوم متنوع. صحيح أن الغالبية بيضاء، انجليزية، متوسطة التعليم. لكن التحولات التى مرت بها بريطانيا خلال العقد الماضى جعلت ناخب "يوكيب" التقليدى يتنوع أيضا من حيث متوسط الأعمار، والميول والانتماءات الايديولوجية، ومناطق التمركز الجغرافى. فاليوم شرائح كبيرة من شباب مدن الوسط والشمال العاطلين عن العمل والذين يعيشون على الحد الأدنى للإجور ودون عقود عمل ثابتة ولم يستكملوا تعليمهم الجامعى يؤيدون "يوكيب"، مثلهم مثل كبار السن والمتقاعدين الذين يعانون من نقص الخدمات الصحية فى مدنهم المهمشة التى تعانى اهمالا ونقصا فى الانفاق على الخدمات العامة. كما ان القاعدة التصويتية لـ"يوكيب" ليست من اليمين المحافظ فقط. فالكثير من أنصاره تسرب من قلب معاقل "العمال" و"المحافظون" اللذين يفقدان تدريجيا قدرتهما على مخاطبة الطبقة العمالية فى بريطانيا.



فزعيم حزب العمال ورئيس الوزراء الأسبق تونى بلير، انتقل بحزب "العمال" من أرضية الطبقة العاملة وأصحاب الياقات الزرقاء وسياسات اليسار، إلى الوسط لجذب الشرائح العليا من الطبقة الوسطى الطموح اقتصاديا، ولعدم إخافة أصحاب الأعمال الحرة وكبار المستثمرين الذين كانوا تاريخيا يخشون العمال بسبب ميولهم الاقتصادية الاشتراكية.



أما زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، فنقل الحزب من أرضية الافكار المحافظة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، إلى ارضية أكثر ليبرالية لجذب الناخبين الليبراليين. بمعنى آخر لم يعد حزب المحافظين محافظا حقيقة، فخطابه اليوم اشبه بالعمال من حيث شبكة الضمان الاجتماعى وقضايا البيئة وزواج المثليين. وهذا ترك فراغا يملؤه "يوكيب" الذى أصبح أكبر حزب للطبقة العاملة فى بريطانيا. وفى آخر انتخابات محلية فى عام ٢٠١٣ حصل "يوكيب" على ٢٥٪ من الأصوات الشعبية، أى أن واحد من كل ٤ بريطانيين صوت لـ"يوكيب". وفازوا بـ ١٤٧ مقعدا فى المجالس المحلية. وفى الانتخابات الاوروبية عام ٢٠٠٤ جاء "يوكيب" فى المركز الثالث. وفى ٢٠٠٩ ازاحوا حزب العمال للثالث واحتلوا المركز الثانى.



وتقول انيتا دوجلاس وهى ناشطة داعمة لـ"يوكيب" فى لندن لـ"الأهرام" إن السبب الأساسى وراء صعود الحزب فى السنوات الأخيرة هو أنه "يشعر بما يشعر به البريطانى العادى. فما تتعرض له الطبقات العاملة والأسر البريطانية من متاعب اقتصادية خانقة يتم تشخيصه بشكل خطأ وعلاجه بشكل خطأ، وهذا يزيد تفاقم المشكلة. لدينا اليوم نحو ٢٠٠ ألف مهاجر سنويا. ولدينا ايضا ٢٠٪ وسط الشباب يعانون البطالة، بينما نعطى الاتحاد الأوروبى ٥٠ مليون جنيه استرلينى يوميا كجزء من ميزانياتنا فى الاتحاد، بينما المستشفيات والمدارس تعانى عجزا فى الميزانية. المشكلة فى رأينا هى الهجرة وعلاقاتنا مع الاتحاد الأوروبى التى تجبرنا على فتح الباب للمهاجرين من أوروبا، بينما الكثير من البريطانيين لا يستطيعون الحصول على عمل".



لقد أنشئ "يوكيب" عام ١٩٩٣ كجماعة ضغط ضد الاتحاد الاوروبى، وتدريجيا بدأ يحتل مكانه كثالث أو رابع أكبر حزب فى البلاد. ولعب فاراج دورا أساسيا فى ذلك الصعود التدريجى بتوسيع اهتمامات الحزب من أوروبا إلى الوضع الداخلى والهجرة. حتى باتت الجملة المفصلية فى كل خطابات فاراج الانتخابية هى:"الهجرة الأوروبية وما توفره من عمالة رخيصة تدمر الطبقة العمالية فى بريطانيا". وليس من قبيل المصادفة أن يعتقد البعض فى "يوكيب" أن أهم مؤثر على السياسة البريطانية فى السنوات العشر الأخيرة لم يكن حرب العراق، بل دخول بولندا إلى الاتحاد الأوروبى وبدء هجرة البولنديين للعمل فى بريطانيا.



فى مدينة "ساوث تانيت" فى مقاطعة كنت حيث يخوض فاراج معركة للفوز بمقعد المدينة فى البرلمان البريطانى المقبل، يوجد أعلى مستوى بطالة فى المنطقة، أما مطار المدينة فهو مغلق منذ فترة بسبب سوء الوضع الاقتصادى وضعف الرحلات إلى المدينة، ويقول الناخبون هناك إنهم "سيصوتون لمن يعبر عما يشعرون به".



فهذه انتخابات ليست حول الأيديولوجيات، فليس هناك خلافات أيديولوجية كبيرة بين الأحزاب المختلفة. إنها انتخابات حول "هويات" متصارعة. فصعود الحزب القومى الاسكتلندى خلال الأشهر السبعة الماضية هز الساحة السياسة والرأى العام البريطانى بعنف. والكثيرون باتوا يتساءلون:"إذا كان للإسكتلنديين حزب قومى يعبر عنهم كقومية. ولويلز حزب قومى ويلزى يعبر عنهم كقومية. وللايرالنديين حزب قومى يعبر عنهم أيضا كقومية. فما هو الحزب الذى يعبر عن القومية الانجليزية؟". هذه اسئلة تطرحها الشرائح المحرومة والمهمشة التى ترى أن "المشروع البريطانى" (الاتحاد بين انجلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية) لم يذب الهويات فى اسكتلندا وويلز وايرلندا، وجاء على حساب الهوية الانجليزية.



هؤلاء يحملون النخبة السياسية فى لندن مسئولية ضياع "هوية الانجليزى الأبيض" وسط موجات الهجرة المتلاحقة والعلاقات غير المستقرة مع باقى أطراف الاتحاد البريطانى، ويرون أن مشكلة الحزبين الكبيرين العمال والمحافظين أنهما يران لندن وحدها مقياسا لمكانة بريطانيا كمركز مالى وسياسى عالمى. ويقول المعلق السياسى البريطانى رود ليدلى:"ليست الهجرة وحدها ما يكرهها ناخب يوكيب... إنها لندن ايضا"، بسيطرتها على كل الاهتمام المالى والسياسى، وبتكوينها العرقى والدينى واللغوى الفريد الذى أصبح غريبا على الكثير من البريطانيين.



‎"صوت بقلبك" كانت آخر النصائح الانتخابية التى وجهها فاراج إلى الناخبين أمس...إذا حدث هذا فقد نستيقظ غدا على واقع سياسى جديد فى بريطانيا.