أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
«بحـر البقـر».. ثعبان يسمم الحياة فى 6 محافظات
8 أبريل 2015
نعمة الله عبدالرحمن

>> سنوات عدة وخبراء البيئة يدقون ناقوس الخطر محذرين من مصرف بحر البقر الذى يخترق ست محافظات، ويزحف بينها كثعبان ضخم، محملا بأنواع السموم والأمراض لينشرها بين قطاعات كبيرة من المواطنين، فى غياب أى إجراء فعال لمواجهة مصادر التلوث به، وأهمها الصرف الصناعى السام، والصرف الصحي، والقمامة.





بنظرة تاريخية لهذه المشكلة المزمنة -التى تعود الى عقد السبعينيات من القرن الماضي- يتبين أن قضية التخلص من مياه الصرف فى البر أو البحر أثيرت، وانتصرت وجهة النظر التى تؤيد التخلص من مياه الصرف فى البحر من القاهرة والدلتا، حتى لا تتلوث المياه الجوفية إذا تم الصرف فى البر. واختيرت بعض الترع والمصارف الزراعية على مستوى الدلتا ليتم الصرف فيها، وكان من أهمها مصرف بحر البقر ليستقبل مياه الصرف الصحى والصناعى الناتج من محافظات القاهرة والقليوبية والشرقية والدقهلية والإسماعيلية وبورسعيد، باعتباره يقطع الأراضى الزراعية فى معظمه ابتداء من القليوبية حتى يصل إلى بحيرة المنزلة.



بلبيس تعاني



ومن بين المدن التى تقع فى مجرى المصرف مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية حيث يحاصر التلوث المدينة.



ولإلقاء الضوء على أبعاد المعاناة التى يعيشها الأهالى من جراء المصرف، يقول الدكتور مجدى المالكى من سكان بلبيس إن المدينة تقع فى الجزء الأكبر للجهة الشرقية للمصرف حيث تنبعث منه الروائح الكريهة نتيجة انبعاثات غازات الميثان والايثان وكبريتيد الهيدروجين الذى يعطى رائحة البيض الفاسد الذى بدوره يتأكسد الى غاز أول أوكسيد الكبريت، وبفعل الأوزون الموجود فى الجو وضوء الشمس وبخار الماء يتحول الى حمض الكبريتيك (ماء النار)، إذ يكون موجودا فى الهواء، ويكون ذا تأثيرات خطيرة على الأجهزة المنزلية، ويسبب أعطالها باستمرار.



ومع سقوط الأمطار فى فصل الشتاء تتحول الى أمطار حمضية تسبب تآكل المبانى وتلوث المزروعات، كما نجد أن اتجاه الرياح معظم العام فى مصر هى رياح شمالية وشمالية غربية تهب فى اتجاه الجنوب أو الجنوب الشرقى مما يجعل المنازل فى مسارات انبعاثات المصرف مما يؤثر على صحة السكان، وخاصة الأطفال، إذ تكثر بينهم الأمراض الصدرية، وأمراض العيون والحميات، بسبب تزايد الناموس لذلك لابد من تحويل هذا الصرف المكشوف إلى صرف مغطى فى الجزء من المصرف الذى يقطع مدينة بلبيس، ويمكن الاستفادة من هذه المساحة المغطاة فى إنشاء حديقة عامة خاصة أن المدينة تفتقر إلى الحدائق العامة.



ويشير الدكتور عبدالله الشنوانى عميد كلية الصيدلة بجامعة الزقازيق السابق (المقيم فى بلبيس) إلى أن مشكلة هذا المصرف هى أنه يدمر الصحة والأجهزة الموجودة لدى السكان لما يصدر عنه من غازات سامة مثل كبريتيد الهيدروجين وغازات أخرى تدمر صحة الإنسان لما تسببه من التهابات رئوية فى الصدر بجانب الفيروسات الكبدية لأن المزارعين يسقون أراضيهم منه، بجانب الإتلافات التى تحدث لأجهزة الكمبيوتر والتكييفات وأطباق الدش.



وفى المقابل لم يأخذ المجلس المحلى بالمدينة خطوات حتى الآن تجاه حل هذه المشكلة فنحن بحاجة الى تغطية المصرف، فى مساحة 3 كيلومترات.



ويقول فؤاد عبدالعال -مدير بالمعاش، ومن سكان بلبيس- إن المصرف تخرج منه غازات وانبعاثات سامة تؤثر أيضا على الدهانات والأخشاب والحوائط فى سائر المبانى بالمدينة، كما تتزايد المشكلة مع ارتفاع درجات الحرارة فى فصل الصيف نتيجة تكاثر أعداد الناموس مما يسهم فى انتشار أمراض الحميات.



ويقول شوقى عبدالعزيز -فنى تكييف وتبريد- إن المصرف تخرج منه غازات تؤثر على كفاءة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية بسبب الصدأ الذى يتكون على أسلاك الأجهزة، علما بأننى أعانى من حساسية الصدر منذ 30 عاما، وطلب منى الطبيب المعالج الابتعاد عن المدينة.



أما عبدالله هاشم فيقول إن ما يزيد الأمر سوءا هو أن الأهالى تلقى بالقمامة والفضلات والحيوانات النافقة فى المصرف مما جعله مصدر تلوث خطير بجانب الغازات المنبعثة منه، التى تؤثر على صحة الناس.



وقف الصرف الصحى



فى السياق نفسه، يحذر الدكتور ياسر حسن رئيس قسم تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث من خطورة الوضع، مشيرا إلى أن هذه المشكلة موجودة منذ التسعينيات، إذ كان سنترال المدينة تصيبه الأعطال كل فترة، وقمنا بدراسة الأسباب فتوصلنا إلى أن نقط التوصيل الفرنسية الصنع من مادة النحاس تتأكسد بسبب الغازات المنبعثة من المصرف، وبالتالى كان السنترال يفصل، ويتعطل.



ويضيف: «مصرف بحر البقر ما هو إلا محطة مجارى مفتوحة تؤثر على الزراعة والإنسان والحيوان، إذ تخرج كميات كبيرة من غاز كبريتيد الهيدروجين وأكاسيد الكبريت مثل ثانى أوكسيد الكبريت ومشتقاته فتؤكسد أى معدن، وتصيبه بالصدأ، بجانب أن روائح غاز الكبريتيد تؤثر على الكبد، وتصيبه بالخمول، كما تؤثر الغازات الحمضية على تآكل الأغشية المخاطية، وتسبب نزيف الأنف، وضيق التنفس بجانب تآكل أسلاك الضغط العالى التى تسبب الحرائق، لذلك الحل هو إيقاف الصرف الصحى والصناعى على المصرف الذى أنشيء أصلا للصرف الزراعى فقط .



ومن جهته، يؤكد الدكتور أحمد رخا وكيل وزارة البيئة بالشرقية خطورة الوضع البيئى فى بلبيس قائلا: إن المصرف أساسا مصرف زراعى لكنه تحول الى مصرف صحى للقرى التى ليس بها صرف، والتى تلقى صرفها فيه دون معالجة، وكذلك بعض محطات المعالجة ونصف المعالجة التى تلقى بمياهها فيه، بجانب الأنشطة الصناعية كالمجازر، التى تلقى بنوعية متدنية من الصرف مما يحول «بحر البقر» لبؤرة تلوث.



ويضيف أن الحل الجذرى لهذه المشكلة هو إدخال الصرف الصحى للقرى والمنشآت الصناعية مع معالجة تلك المياه قبل إلقائها فى المصرف، مشيرا إلى أنه تجرى الآن دراسة تنفيذ وحدات معالجة بيولوجية على المصرف بإشراف جهاز شئون البيئة بواسطة إنشاء أحواض على مسافات متباعدة على جانبى المصرف، بحيث تتم معالجة المياه على مراحل، أو زراعة نباتات لتطهير المجارى المائية مثل الغاب والبوص.



وتابع أنه تجرى دراسة أخرى لبحث المقارنة بين تغطية المجارى المائية التى تخترق الكتل السكنية، وإعادة تأهيلها لاستغلال المجرى المائى بحيث تتم دراسة كل المؤثرات على المجري، إذا تمت تغطيته لتحديد التكلفة وتكلفة التأهيل الذى يحتاج لزراعة المجري، ومعالجته مع تحديد الأثر البيئى المترتب على كل منها والمردود البيئي.