أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
سلع «تحرق دم» المصريين:
الاسـتيراد الاسـتفزازى!
6 أبريل 2015
تحقيق: سيد صالح

ربما لا يصدق أحد، أن مصر، بظروفها الاقتصادية الصعبة، تسمح باستيراد سلع «استفزازية»، وصلت قيمتها الى مايزيد على 6 مليارات دولار( أكثر من خمس قيمة الصادرات المصرية عام 2014


ونحو عشر قيمة الواردات)، منها طعام للقطط والكلاب بقيمة 153 مليون دولار، ولعب أطفال بقيمة 55 مليون دولار، وجمبرى جامبو وكافيار بقيمة 78 مليون دولار، وياميش رمضان بنحو 104 ملايين دولار، ولحوم طاووس وغزلان ونعام وما فى حكمها بنحو 95 مليون دولار، وشيكولاتة بقيمة 57 مليون دولار، وسيارات للسباق، وسيارات لملاعب الجولف، والباجى بيتش ، وما فى حكمها بنحو 600 مليون دولار، اضافة لاستيراد ألعاب نارية كالشماريخ ، والبمب، والمفرقعات بقيمة 600 مليون دولار.


وبشكل عام، فإن البيانات الرسمية حول القيم الحقيقية لواردات السلع الاستفزازية- كما يقول الدكتور عبدالنبى عبد المطلب الخبير الاقتصادي- تستفز المواطن المصري، الذى يجاهد ليل نهار لتأمين القوت الضرورى له ولأسرته، ومن المؤكد ان هذه البيانات قد سببت قلقا لجميع المتعاملين والقائمين على الاقتصاد المصري، فوصول قيمة الواردات المصرية من مثل هذه السلع الى مايزيد عن 6 مليارات دولار (أكثر من خمس قيمة الصادرات المصرية عام 2014، ونحو عشر قيمة الواردات خلال نفس الفترة) هو امر مقلق بلا شك، خاصة فى ظل ما يعانيه الاقتصاد المصرى من مشكلات.



احصاءات



تكشف احصاءات الواردات السلعية لعام 2014 ، - والكلام مازال للدكتور عبد النبى عبد المطلب- أن مصر استوردت طعاما للقطط والكلاب بقيمة 153 مليون دولار، و لعب أطفال بقيمة 55 مليون دولار، وجمبرى جامبو كافيار بقيمة 78 مليون دولار، وياميش رمضان بنحو 104 ملايين دولار، ولحوم طاووس وغزلان ونعام وما فى حكمها بنحو 95 مليون دولار، وشيكولاتة بقيمة 57 مليون دولار، وسيارات للسباق، وسيارات لملاعب الجولف، والباجى بيتش، وما فى حكمها بنحو 600 مليون دولار، اضافة لاستيراد ألعاب نارية ومفرقعات (شماريخ وما فى حكمها) بنحو 600 مليون دولار.



القائمة كبيرة وممتدة، منها السجائر الشهيرة، والخمور باهظة الثمن، والسيجار الفاخر، كما تشمل القائمة الكثير من السلع المستوردة، على الرغم من انتاجها محليا، فعلى سبيل المثال، بلغت واردات أجهزة تكييف بقيمة 130 مليون دولار، بالرغم من تصنيعها فى مصر، كما تم استيراد جلود خام، على الرغم من ان الجلود المصرية تعد من افضل أنواع الجلود على مستوى العالم.



** والسؤال الذى يطرح نفسه: هل نقيد استيراد هذه السلع ام نمنعه نهائيا؟






منتجات فاسدة



وكيل وزارة التجارة والصناعة: أنا ضد استيراد اى سلعة لا تؤدى وظيفة حقيقية للاقتصاد المصري، فالسلع الرديئة، ومنها لعب الاطفال الرخيصة- مثلا- ، والتى يشتريها المواطن اليوم ليلقى بها فى القمامة فى اليوم التالي، هى سلع استفزازية، والملابس التى يتم تصنيعها من تدوير المخلفات فى المصانع الصينية، ويتم استيرادها وبيعها بكميات كبيرة نظرا لرخص ثمنها هى ايضا سلع استفزازية.. ومن هنا ، فإننى ارى ضرورة فرض رسوم جمركية كبيرة على واردات سلع الرفاهية، مثل الاطعمة، والخمور، والسجائر الأجنبية الشهيرة، وجميع منتجات التبغ الفاخر، كذلك يجب رفع التعريفة الجمركية على سيارات ملاعب الجولف، وليس من المعقول، ان تكون التعريفة الجمركية عليها مساوية للتعريفة على سيارات النقل الجماعي.



واذا كان البعض يتحدث عن ان واردات السلع الغذائية الاستفزازية  من اجل دعم السياحة، حيث يذهب اكثر من 80% من واردات هذه السلع الى المنتجعات الفخمة، والفنادق الكبري، فانه من الافضل ان يتم التسويق للأطعمة المصرية التقليدية، فالسائح القادم الى منطقة ما، غالبا سيفضل الاستمتاع بكل التفاصيل، كالمناخ ، والاطعمة ، والثقافة وغيرها، كما يجب منع استيراد السلع الاستفزازية للطبقات الفقيرة نهائيا، لأنها تسبب اضرارا ومشكلات صحية، نستطيع تلافيها اذا منعنا استيراد هذه السلع، واصدرنا تشريعات تغلظ العقوبات على التعامل فيها.






تجارة الكلاب



وتبقى أطعمة القطط والكلاب التى ارتفعت بشكل كبير جدا خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة، والمسألة تحتاج الى دراسة متأنية وشاملة، فهذه الواردات لا تذهب بالكامل لهواة تربية القطط والكلاب، كما كان يحدث فى الماضي، بل اصبحت تذهب الى مزارع متخصصة لتربية الكلاب، التى اصبحت منتشرة بشكل كبير ولافت للنظر فى مصر، فقد اصبحنا نربى الكلاب بدلا من الماعز والماشية، لأنها أكثر ربحية، دون النظر الى متطلبات الامن القومي، حيث يتراوح سعر الجرو الصغير بين 5 الى 7 آلاف جنيه مصري.



وقد انتشرت ثقافة اقتناء الكلاب بين المصريين، ليس فقط للحراسة، ولكن للبلطجة والمنظرة ايضا، وايضا لتحقيق ارباح، ومن ثم فانه يجب مضاعفة الرسوم الجمركية على مثل هذه الواردات، اضافة الى وضع ضوابط مهمة لهذه المشروعات التى انتشرت بشكل كبير خلال الاعوام الثلاثة الماضية.






تجريم الألعاب النارية



أما الألعاب النارية البمب والشماريخ، فهى تحتاج فعلا الى تشريع لتجريم استيرادها او استخدامها- كما يقول الدكتور عبد النبى عبد المطلب- ، حيث بلغت قيمة الواردات منها خلال عام 2014 نحو 600 مليون دولار، أى ما يقرب من ستة اضعاف واردات ياميش رمضان، ولست فى حاجة الى الحديث عن أضرار استيراد مثل هذه السلعة، سواء على المستوى الأمنى أو الاقتصادي، فالجميع يعرف مخاطرها الأمنية، وكونها تلتهم نحو 600 مليون دولار سنويا، هو بلا شك ضرر كبير للاقتصاد المصري، وضغط كبير على الجنيه المصرى يعانى من صعوبات ومشكلات كبيرة.



أزمة الدولار



وليس من المعقول ، ولا من المقبول،- كما يقول حمدى النجار رئيس شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية- أن يتم استيراد تلك السلع الكمالية، مثل طعام القطط والكلاب، والشيكولاته، ولعب الأطفال، وفوانيس رمضان، وغيرها من السلع غير الساسية، فى وقت يواجه فيه المستوردون أزمة فى تدبير الدولار، حيث إنه من الضرورى ربط الحزام كما يقال- حتى تتحسن أوضاع الاقتصاد المصري، وحتى لا يتم اهدار العملة الصعبة فى استيراد سلع لا طائل منها، ولا يحتاجها السواد الأعظم من المصريين، فالتوقيت الحالى غير مناسب لاستيراد مثل هذه السلع.



صحيح أن عملة الدولار متوافرة لدى البنوك، حيث يجرى فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية، وتلبى البنوك احتاجات المستوردين فى هذا الاطار، لكن هناك مشكلات، منها أن حصيلة الدولار ليست كافية، وأن هناك سوقا موازية للدولار، وهناك سماسرة يتلاعبون فى السوق السوداء لعملة الدولار، وهؤلاء يجب مطاردتهم، والقضاء عليهم، مؤكدا أن قرار البنك المركزي، بايداع ما لايزيد على 10 آلاف دولار يوميا، و50 ألف دولار شهريا، سوف يسهم فى ضبط ايقاع الدولار، لكن كان يجب العمل بهذا القرار من تاريخ نشره، لكنه تم تطبيقه بأثر رجعي، مما أدى الى الحاق الخسائر بالمستوردين، فحدثت حالة من الارتباك، ومن ثم ينبغى التوقف عن استيراد السلع الكمالية، التى تستنزف الدولار، بينما لا يجده مستوردون هم فى أشد الحاجة الى تلك العملة الصعبة، ما قد يضطر البعض منهم للتعامل مع السوق السوداء للعملة، لتلبية احتياجاتهم من الدولار.



الرسوم الجمركية هى الحل



ومن حيث المبدأ، يرفض الدكتور سمير رياض مكارى أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، فرض اية قيود على الواردات، أيا كان نوعها، حتى لا تنشأ سوق سوداء، ويلجأ البعض لفتح أبواب لتهريب هذه السلع بشكل غير مشروع ، مؤكدا أن سعر الصرف لأى عملة داخل أى مكان فى العالم متماثل سواء كان ذلك فى البنوك أو شركات الصرافة، أما فى مصر ، فسعر العملة مختلف بين البنوك والصرافة، الأمر الذى أدى الى ظهور السوق السوداء لتجارة العملة، مما أدى الى تفاقم مشكلة الدولار، حيث أدى تقييد سعر صرف الدولار، الى ظهور السوق السوداء.



الحل الواقعي، لمواجهة تلك السلع الكمالية، أو الاستفزازية كما يسميها البعض ـ كما يراه الدكتور سمير رياض مكاري- يكمن فى ضرورة فرض جمارك مرتفعة على المنتجات المستوردة منها، ويمكن الاستفادة من الرسوم الجمركية المتحصلة عن استيراد مثل هذه السلع فى دعم الطبقات الفقيرة، أو تحقيق تنمية مجتمعية شاملة للمناطق العشوائية ، وقد يجد المستورد نفسه، مضطرا للتوقف عن استيرادها، اذا تمت زيادة الرسوم الجمركية عليها، وقد يضطر المستهلك لمقاطعتها، بسبب ارتفاع أسعارها، من هنا يمكن الحد كثيرا من استيراد تلك السلع، مطالبًا فى الوقت نفسه، بضرورة تنظيم سعر صرف العملة، خاصة أن المستورد يلجأ الى شركات الصرافة لتدبير الدولار اللازم لصفقاته الاستيرادية، عندما ترفض البنوك فتح اعتمادات مستندية لمستوردى هذه السلع الكمالية أو الاستفزازية، ومن ثم يجب اغلاق شركات الصرافة، حرصا على استقرار سعر الصرف، وحتى نقضى على السوق الموازية للدولار.. وعلى الرغم من أن البنك المركزى يبذل جهودا جادة ، لتنظيم سوق الصرف، فإن وجود شركات الصرافة، والاقتصاد الموازي، يدفع المستورد للحصول على الدولار ، بطرق غير سليمة، ومن ثم يغرقون الأسواق، بمثل هذه السلع الاستفزازية، التى تثير استياء السواد الأعظم من الشعب المصري.





«سفه» استيرادي.



يتفق معه الدكتور حمدى عبد العظيم الخبير الاقتصادي، مطالبا بضرورة وضع ضوابط ، ومنع فتح اعتمادات مستندية بشكل مطلق للمستوردين، الذين يقومون باستيراد مثل هذه السلع الكمالية أو الاستفزازية، خاصة أن مصر تواجه أزمة حاليا فى النقد الأجنبي، ومن ثم يجب فرض قيود مؤقتة، لحين تحقيق قيود وفرة فى الدولار، كما ينبغى التوقف تماما عن فتح اعتمادات مستندية لاستيراد مثل هذه النوعية من السلع، وأن تتم معاقبة البنوك غير الملتزمة بتنفيذ ذلك، فالأولوية حاليا للسلع الأساسية والاستراتيجية ، كالمواد الغذائية،



أما طعام القطط والكلاب، فيجب وقف استيراده نهائيا، ويستثنى من ذلك الكلاب البوليسية ، التابعة لوزارة الداخلية، حيث يجرى استخدامها فى مهام شرطية ، لمواجهة الجريمة، كما يجب فى الوقت نفسه، وقف استيراد الكلاب لمحال الحيوانات، حيث يجرى بيعها، ويتم استخدامها، فى معظم الاحيان فى ترويع المواطنين الآمنين، كما يستخدمها البلطجية فى أعمالهم الاجرامية، بينما يستخدمها العديد من الشباب «للمنظرة»، ومن ثم يجب حظر استيرادها، لأنها تستنزف العملة الصعبة، سواء عبر صفقات استيراد الكلاب ذاتها، أو توفير الغذاء المستورد لاطعامها،



كما يجب وقف استيراد القطط، حيث يجرى استيرادها بالدولار، كما أن طعامها يتم استيراده من الخارج بالعملة الصعبة، ومصر لا تحتاج مطلقا، لهذا «السفه» الاستيرادي، فى ظل التحديات التى يواجهها الاقتصاد المصري، الذى يستلزم توفير العملة الصعبة، لاستخدامها فى تدبير السلع الأساسية، التى يحتاجها السواد الأعظم من الشعب المصرى.