أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
لمواجهة بطء التقاضى .. وتحقيق الردع السريع
المحاكم الالكترونية
3 أبريل 2015
رانيا حفني

لا شك أن القضاء فى مصر قد قام بدور كبير ولا يزال فى تأكيد سيادة القانون وحماية الحقوق وسيظل كذلك. غير أن هناك أزمة يفرضها الواقع العملى وهى أزمة بطء إجراءات التقاضى التى قد تستغرق سنوات نتيجة لكثرة وطول مدد التأجيل, وهى أزمة لا يتحمل مسئوليتها القضاة وحدهم,



فالقاضى يتعامل للأسف مع نصوص جامدة لا يستطيع ان يتجاوزها نتيجة لقوانين وإجراءات صدرت منذ عهود, و لم تعد كافية لمجاراة التقدم التقنى والعصرى الذى فرض نفسه على كافة مناحى الحياة مما يستلزم معه ضرورة تطوير تلك القوانين لتواكب التطور التشريعى والتقنى والتكنولوجى الذى اخذ به العديد من محاكم التشريعات القضائية بالدول المحيطة. لذا كان هذا الملف الذى نضعه اليوم تحت بصر وبصيرة لجنة الإصلاح التشريعى المنوطة بإيجاد حل جذرى لتلك المشكلة التى توْرقنا جميعا.



فى البداية أوضح سامح محمد عبد الحكم, المستشار بمحكمة استئناف القاهرة, أن أزمة بطء إجراءات التقاضى لا يتحمل مسئوليتها القضاة من قريب أوبعيد وإنما هى راجعة فى الأساس إلى قوانين وإجراءات عقيمة صدرت منذ عهود ولم ينلها أى تعديل. وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الدراسة المشتركة التى تمت فى عام 2012 بين محكمة النقض المصرية والمعهد الفرنسى لبحوث التنمية والتى تمخض عنها العديد من التوصيات والتى من بينها استبعاد الدعاوى الوقتية والدعاوى الخاصة بقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة والطعن فى قرارات هدم المنشآت الآيلة للسقوط والمنازعات الضريبية من نطاق اختصاص محكمة النقض ، واشتراط قبول الطعن بالنقض لنظر طلب وقف التنفيذ ، كما جاء من ضمن التوصيات أيضاً رفع قيمة الكفالة بما يتناسب مع قيمة الدعوى وفرض غرامة مالية على من يخسر فى المواد المدنية على ألا تتراوح قيمتها بين حدٍ أدنى وحدٍ أقصى وأيضاً إخضاع الدولة والمؤسسات الحكومية لدفع رسوم التقاضى وتحديد نظر قضايا الجنايات على درجتين للحد من الطعن أمام محكمة النقض ،كما تضمنت التوصيات أيضاً تعديل المادة 263 من قانون المرافعات بحيث يسمح للدوائر المدنية المُنعقدة فى غرفة المشورة فى حالة قبول الطعن أن تفصل فى الطعن على الفور بدلاً من إحالته لجلسة لاحقة إلا إذا قدرت المحكمة ضرورة سماع الخصوم، وما يبقى الآن هوتفعيل تلك التوصيات، من خلال عرضها على لجنة الإصلاح التشريعى كما أن القوانين الحالية صدرت منذ فترات طويلة وينبغى تعديلها بما يتناسب والتطور العصرى الذى نعيشه، فالقوانين ليست قرآناً، بل هى من صُنع البشر، وقابلة للتغيير وللتطوير من عصرٍ لأخر. كذلك الإجراءات واللوائح الإدارية الجامدة والتى لم تتغير منذ عهود أيضاً ، مثل (مبدأ التوطن) الذى يحظر على القضاة العمل بمحافظاتهم والذى يؤثر على سير العمل بشكلٍ أو بأخر، وما يترتب على ذلك من نفقات ضرورية لإنشاء وإقامة وتجهيزإستراحات للقضاة للإقامة والسكن خلال فترة عملهم بأماكن غير أماكن إقامتهم وكذا نفقات توفير تذاكر سفر سواء بالطيران أو بالقطار، أضف إلى ذلك سوء حالة الطرق وعدم وجود وسائل مواصلات خاصة للقضاة تتبع وزارة العدل واعتماد القضاة على سياراتهم الخاصة فى التنقلات بين محال إقامتهم ومقار عملهم وهو ما أدى فى الأعوام الأخيرة لاستهداف القضاة وسياراتهم ولوفاة العديد من أعضاء النيابة والقضاة فى حوادث الطرق بسبب تأدية عملهم سواء فى طريق ذهابهم أو طريق عودتهم من عملهم، فضلاً عن ذلك كله فالقضاة يعانون مثل سائر البشر ويعملون فى ظروف صعبة ولا أحد يعلم الظروف المحيطة بعمل القاضى وظروفه الحيَاتية لأن القضاة دائماً يلتزمون الصمت ويترفعون عن الشكوى ويبذلون جهدهم دائماً لوجه الله تعالى وللوطن .



ضرورة الإصلاح



يحدثنا المستشار محمد عصيدة, رئيس محكمة جنايات أسيوط, بشكل تفصيلى فيقول بالنسبة لشهود اثبات وهم من تقدمهم النيابة كدليل على صحة اتهام للمتهم. حيث أرى أنة ليس بملزم التمسك بمناقشتهم أمام المحكمة كما هو الحال حاليا وهى وسيلة من وسائل المماطلة والتأجيل من المحامين. ثانيا بالنسبة لصياغة احكام ذاتها ليس بضرورى تلخيص الواقعة والدفاع والدفوع فهذا يستغرق جهدا ووقتا دون جدوي, إنما يجب التعديل ليصبح الحكم كما فى كثير من دول العالم بأسباب البراءة أو ادانة فقط وهى فى الواقع محل الطعن. ثالثا بالنسبة للطعن على احكام داعى مطلقا حين ينقض الحكم تعاد الدعوى مرة أخرى لمحكمة أول درجه بل جل سرعة التقاضى وانجاز تحكم محكمة النقض فى الطعن المعروض عليها مباشرة دون اعادة وتنتهى الدعوى عند هذا الحد هناك الكثير والكثير من العيوب الاجرائية والقانونية. وأضاف محمد عصيدة, أما بالنسبة لقضايا الإرهاب فقد خصصت لها دوائر بمحاكم الجنايات، وبعضها يأخذ فترة طويلة لأن محامى المتهمين يستغلون ثغرات القانون، مما يطيل أمد التقاضي، والقضية بعد سماع الدفاع والشهود حتى إصدار الحكم فيها بدلا من إنجازها فى 3 شهور يتم انجازها فى 3 سنين، مشيرا إلى أن القضاة فطنوا إلى ذلك ويبذلون أكبر جهد ممكن للإسراع فى إنهاء هذه المحاكمات إلا أنهم مكبلون بالقوانين.



مشكلة التوطن وتنفيذ الأحكام



أزمة التوطن مشكلة أيضا يعانى منها القضاة فى مختلف محافظات الجمهورية، نتيجة توزيع القضاة فى محاكم بمحافظات بعيدة. وقد أعرب القضاة من قبل عن غضبهم جراء تجاهل المسئولين والدولة لمطالبهم التى ينادون بها منذ سنوات لحل مشكلة التوطن المطبقة فى معظم دول العالم باستثناء مصر. مما يوضح ضرورة وضع آليات وخطط شاملة لإصلاح منظومة العدالة وتطويرها. وأعرب المستشار أحمد الزند, رئيس نادى القضاة عن غضبه لما وصفه بتجاهل الدولة الاهتمام بإصلاح منظومة العدالة وإرهاق القضاة المصريين، مشددا على أن الوضع يحتاج لثورة كبيرة لإصلاح وتطوير المنظومة، فأكثر من ثلث الأحكام لا ينفذ، مما يؤدى إلى إهدار قيمة القانون، ويؤثر بالسلب على التنمية بسبب إحجام كثير من المستثمرين عن المخاطرة برءوس أموالهم لعجزهم عن تنفيذ الأحكام الصادرة لصالحهم. وبالتالى من الضرورى إنشاء جهاز الشرطة القضائية التابعة لمجلس القضاء الأعلى والتى يكون عملها الأساسى تنفيذ الأحكام .



المحاكم الالكترونية..تحولٌ نوعى لقضاءٍ عصري



من جانبه أوضح القاضى طاهر أبو العيد, الحاصل على ماجستير القانون الجنائى الدولى من معهد الأمم المتحدة للجريمة والعدالة الدولية بجامعة تورينو بإيطاليا, ان التكنولوجيا بصفة عامة، وتكنولوجيا الانترنت ، بصفة خاصة ، بإمكانها تحسين الممارسة والمعاملات داخل كافة المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، ولا يمكن الحديث عن أى تقدم أو تطور فى أى بيئة عمل الآن دون الحديث عن استخدام التكنولوجيا فيما بات يعرف بالإدارة التكنولوجية للمؤسسات. ومن بين أساليب الإدارة التكنولوجية الحديثة التى ستغير عالم القضاء ما يمكن تسميته بالمحاكم الإلكترونية » Les Cyber-Tribunaux «أو »e-courts»



فقد بات مألوفا اليوم أن يقوم المحامى الالكترونى بإعطاء استشاراته عبر شبكة الانترنت وبالتالى تعفى المحامى والمتقاضى من التنقل للمحاكم ، وتعفى هذه الأخيرة من الاكتظاظ والامتلاء بالجمهور.



وأضاف طاهر أبو العيد, المقصود بالتقاضى الإلكترونى هو عملية نقل مستندات التقاضى إلكترونياً إلى المحكمة عبر البريد الإلكترونى حيث يتم فحص هذه المستندات بواسطة الموظف المختص وإصدار قرار بشأنها بالقبول أو الرفض وإرسال إشعار إلى المتقاضى يفيده علماً بما تم بشأن هذه المستندات. ووفقاً لهذا التعريف فإن المتقاضى أو المحامى عند رغبته فى إقامة الدعوى بطريقة إلكترونية سوف يقوم باختيار صحيفة الدعوى التى يرغب فى إقامة دعوته من خلالها من خلال عدة نماذج معدة سلفا موجودة على البوابة الالكترونية لكل محكمة وسيقوم فقط بملأ بيانات الصحيفة وإمداد الموقع بكافة البيانات اللازمة لإقامة الدعوى سؤاء أسماء أطراف الدعوى أو عناوينهم أو أرقام هواتفهم أو البريد الإلكترونى الخاص بهم ، وهذا الموقع متاح أربعة وعشرين ساعة يومياً لمدة سبعة أيام فى الأسبوع، حيث تستلم هذه المستندات بمعرفة الشركة القائمة على إدارة هذا الموقع ثم تقوم بإرسالة إلى المحكمة المختصة ، حيث يتسلمه الموظف المختص بقلم كتاب المحكمة والذى يتم تدريبة على استخدام التكنولوجيا والتعامل مع الموقع فيقوم بفحص المستندات ثم يقرر قبول هذه المستندات أو عدم قبولها ويرسل للمتقاضى رسالة إلكترونية يعُلمه فيها باستلام مستنداته والقرار الصادر بشأنها. ومن أمثلة التجارب الناجحة فى استخدام و تطبيق فكرة المحاكم الإلكترونية هو ذلك النموذج الموجود فى الولايات المتحدة الأمريكية. 



 وأكد أبو العيد ان نظام رفع الدعوى إلكترونياً له العديد من المميزات مثل التقليل من تكلفة رسوم التقاضى المبالغ فيها ، والتخلص من الكميات الهائلة من الأوراق والمستندات المرتبطة بالقضية والتى تمتلئ بها قاعات وغرف المحكمة ، ويسمح للمحاكم بأداء وظيفتها بطريقة أكثر فاعلية ، كما يوفر هذا النظام إمكانية استلام المستندات فى أى وقت يومياً حتى فى أيام الاجازات والعطلات الرسمية طوال 24 ساعة ومن أى مكان عبر شبكة الإنترنت.



الخلاصة هى ان طول وبطء إجراءات التقاضى تجعل الجزاء يفقد قيمته وتأثيره فى منظومة العدالة والمنظومة الاجتماعية بالمجتمع. وإذا كان القاضى والدولة هما المسئولان عن تحقيق العدالة الناجزة، فإن القاضى هو حجر الأساس الذى يقوم على بنيان العدالة ولكى يحققها فيجب أن تتوفر له الأدوات والنظم اللازمة إلى جانب ذلك هناك شق مهم وهو مسألة تنفيذ الأحكام والتى تحتاج لتفعيلها إنشاء شرطة قضائية متخصصة تتولى مهمة تنفيذ الأحكام، وحماية دور القضاء، والقضاة أنفسهم.