أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الروائى المغربى " حسن أوريد " لـ الاهرام:بطل «سيرة حمار» يحمل وعيا تاريخيا ..ومأساته أنه لم يعد يستطيع النطق
1 مارس 2015
حاوره فى الرباط : كارم يحيى

اكتسب "حسن أوريد " شهرته فى كتابة الرواية بالمغرب بعدما كان أول متحدث رسمى للقصر الملكى (1999 ـ 2005)، وقبلها مؤرخا للملكية.





 استقال وانخرط فى صناعة عالمه الروائى الذى يعكس معرفة واسعة بالتراث الشعبى و الثقافات فى منطقة جنوب البحرالمتوسط, تتقدمها "الأمازيغية" ، فضلا عن خبرة حياتية واسعة. ولقد أثار عمله الروائى " سيرة حمار" اهتماما لافتا فى بلاده . واعتبره نقاد مغاربة حدثا ثقافيا من أحداث العام الماضي. وفى سابقة نادرة جرى طبع العمل فى الرباط خلال بضعة شهور . وفى هذا الحوار يتحدث " أوريد " عن "سيرة حمار" وعالمه الروائى . وأيضا عن عشقه الثقافة والأدب فى مصر .



هل ثمة من أسطورة او أقصوصة شعبية استلهمت منها فكرة هذه الرواية ؟



ـ استلهمت عملى من الكاتب الأمازيغى "أفولاي" فى كتابه "الحمار الذهبي" الذى كتبه باللاتينية واشتهر الكاتب فى تاربخ الأدب الرومانى باسم "لوشيوس أبوليوس". وهو أمر واضح فى تصدير كتابى، و فى متن الكتاب من خلال الحوار بين الحكيم والحمار. وكتاب "أفولاي" هو الذى أوحى لكافكا بقصة "المسخ"، ولتوفيق الحكيم بـ"حمار الحكيم."






الكتابة بلسان الراوى الحيوان عودة لاستلهام تراث شرقى فى "كليلة ودمنة".. لماذا وقع اختيارك على هذه التقنية الآن؟ .. وهل لها اى صلة باعمال أدبية سابقة لك ؟



ـ ليس بالضرورة شرقيا، بدليل أن إيزوب Esope فى الحضارة الإغريقية كتب قصصا على لسان الحيوانات. وهو أمر موجود فى كل الحضارات والثقافات. ولا يزال التراث الشعبى عندنا سواء باللسان الأمازيغى أو العربى يزخر بقصص تجرى على لسان الحيوانات. وتحمل فى الغالب حِكما.وعملى هذا ليس قصة عن الحيوانات أو بلسان الحيوانات. بل قصة إنسان فقد إنسانيته لأنه غوى، ويعيش فى مرحلة تماس بين الإنسانية والحيوانية، على غرار "سامسا" بطل رواية المسخ لكافكا. و كل إنسان، فى تصوري، يعيش هذا الوضع، هذا التمزق بين طبيعة حيوانية تتحكم فيها الغرائز، ونزوع يسعى أن يتجاوز ما قد يهوى به إلى الحيوانية. والتفكير و البذل و الحب، هى الأمور التى من خلالها ينعتق الإنسان من إسار الحيوانية.



و سبق لى قبل عشرين سنة أن كتبت رواية على منوال "كليلة و دمنة"، وهى على لسان الحيوانات، بعنوان "الأجمة". وتستوحى أسلوب "ابن المقفع"، والأساليب القديمة فى الكتابة، وتتأثر بسابقة "جورج أورويل" فى "مزرعة الحيوانات"، و هى تعالج مسألة السلطة فى العالم العربي. وقد نشرتها قبل شهور ،و بعد "سيرة حمار".



 



هل لهذه الرواية صلة ما بخبرة عملك السابقة فى القصر الملكى كأول متحدث رسمى له من 1999 الى 2005؟



ـ ذهب بعض النقاد إلى ذلك. ولكنى لا أريد أن أفصح عن العلاقة بين عملى ومسارى الإبداعى. كتابى لم يعد ملكا لي. هو ملك للقراء. ومن الطبيعى أن يحمل أثر تجربتي. ولكنى لا أريد أن أفصح عن أوجه العلاقة بين عملى وبينه.



 



هذا النص الروائى المكتوب أساسا بالعربية يظل مفتوحا على مستوى اللغة والأمكنة والأزمنة على ثقافات الأمازيغ واللاتين والإغريق وغيرهم. وهو يدفع بنا إلى تأمل هذا الثراء الثقافى لجنوب حوض البحر الأبيض المتوسط . هل تتضمن الرواية على هذا النحو رسالة ثقافية ما بشأن تعايش الثقافات وتزاوجها ؟ وبخاصة بالنسبة لإعادة اكتشاف الثقافة الأمازيغية ؟



ـ من المؤكد أن هناك رسالة عن هذا الثراء وهذا التلاقح. الأفلاطونية الجديدة التى ظهرت فى الإسكندرية وجدت صدى لها تاريخيا فى كل من قرطاجة ونوميديا. بدليل أن القديس أوجسطين وهو من مواليد ما كان يعرف سابقا "بتاغاست"، ويعرف اليوم بسوق أحراس بالجزائر (شرق الجزائر) تأثر بها، وهو الذى أحدث ثورة فى الكيان الكنسى وعلم اللاهوت المسيحي. أردت أن أقول إننا كنا منذ زمن طويل فى خضم عولمة ثقافية، وفى حراك فكرى عميق، كان يحمل أثر الرافد الإغريقى واصطبغ بشخصيتنا العميقة ولسوف يؤثر فيما بعد على المسيحية. وهذه محطات مهمة طمستها القراءات الإيديولوجية للتاريخ. وأنا أريد أن أغور إلى هاته الجذور العميقة، أن أزيح عنها الغبار. وهو ما حملته لبطل روايتى "أذربال" عليه وهو يُحدّث بنى جلدته . لقد كان يحمل وعيا تاريخيا، ولكن مأساته أنه تحول إلى حمار، لا يستطيع النطق، وإن نطق نهق فلا يُفهم عنه، ويُنظر إليه بازدراء، على شاكلة الحمير، ولو أنه يحمل وعيا، لأنه لم يفقد القدرة على التفكير.



 



"حاتبوت" لعلها الشخصية الأكثر محورية, أكثر من سيدتها "ثيوزيس" فى النص. هذا ما نكتشفه فى نهاية الرواية فى حوارها مع "أذربال". وقد افصحت فى هذه النهاية عن اصل قبطى ومعتقد قبطى يقول بأنه "لكى يتخلص الإنسان من أصله الحيوانى عليه أن يقوم بسفر داخلى ".. لكننى سألت متخصصين فى الثقافة القبطية فى مصر فأنكروا علمهم بمثل هذا المعتقد .. أين عثرت عليه وما حجتك على صحته تاريخيا؟ .. أم انه محض خيال روائى أيضا؟



حاتبوت شخصية محورية فعلا، وهى لا يظهر دورها إلا فى النهاية. هى تبدو كخادمة وفية للإغريقية (ثيوزيس) . وثيوزيس فى روايتى تحيل إلى الحضارة الإغريقية. أو إن شئت هى نوع من الإسقاط على الحضارة الغربية. نتبين فى النهاية أن حاتبوت، القبطية، أو المصرية بتعبير اليوم، هى العقل المدبر، وهى أعمق من ثيوزيس، وهى لا تخضع للغواية، ولكنها ترتبط بالحب. هى نفسها ابتليت بنفس ما ابتلى به أذربال، فقدت ذاتها، ولم تعد قادرة على الكلام. "حاتبوت" هى مصر فى روايتي، وهى التى تنضح بالأمل فى آخر سطر من الرواية، وقد استرجعت قدرتها على الإبانة، أو بتعبير توفيق الحكيم شهدت مرحلة "عودة الوعي."و أثر الحضارة المصرية على عقيدة التوحيد معروف، ولا حاجة للتذكير بذلك. أحيلك على كتاب فرويد، "موسى والتوحيد". لقد تم قطع جسد أوزيريس، وألقى به فى النيل، ولكن حب إيزيس ووفاءها، هو الذى سوف يتيح لجسد زوجها ومحبوبها أن يستعيد كل عناصره. هذا الذى أردت من قصة السفر الداخلي. وأنت تعرف أن رواية "السيميائي" لباولو كويلهو، التى لاقت ذيوعا كبيرا, استلهمت تراثا مصريا عريقا، وظفه الكاتب البرازيلى وكان سبب شهرة عمله الذى يحيل إلى السفر الداخلي.



 



بماذا تفسر رواج روايتك فى المغرب إلى حد طبعها مرتين خلال فترة زمنية موجزة؟ وهل هى أكثر كتبك حظوظا فى التوزيع ولدى القراء؟



ـ فى الواقع أعتبر نفسى محظوظا بشكل عام. فرواياتى أغلبها لاقت إقبالا، ومنها روايتى "الموريسكي" التى كتبتها بالفرنسية، وتمت ترجمتها إلى العربية. لكن رواية "سيرة حمار" لاقت نجاحا غير مسبوق. ربما يرتبط الأمر، بالموضوع الذى يثير حب اطلاع القارئ.و ربما هناك الجانب الممتع فى القصة، وكذا للجرأة التى طبعت العمل، سياسيا وفكريا وأخلاقيا. ومن المؤكد أنه العمل الذى ليوسف زيدان النقاد، ومنهم باحثة أمريكية، مختصة فى الأدب العربى تعتزم ترجمته إلى الإنجليزية.



 



إلى أى حد أنت ككاتب وروائى مغربى مطلع على الرواية فى المشرق العربى وفى مصر؟.. ومن هم أكثر الروائيين والأدباء المشارقة والمصريين على نحو خاص تأثيرا فى ثقافتك وعملك الروائي؟ .. أم أن التأثير الأكبر يظل للأدب المكتوب باللغة الفرنسية سواء جاء من المنطقة المغاربية أو فرنسا ذاتها؟



ـ أعتبر نفسى تلميذا لمصر. كنت شغوفا أثناء دراستى بقراءة كتابات طه حسين. أعجبت بجرأته، وبطريقة عرضه لأفكاره وبأسلوبه. وبلغ إعجابى به أن زرت بيته الذى تحول إلى متحف سنة 2004. قرأت كذلك توفيق الحكيم، وأعجبت بروايته "يوميات نائب فى الأرياف" ثم "عصفور من الشرق"، هذا فضلا عن مسرحياته. وقرأت كأبناء جيلى نجيب ومحفوظ. ويظل أحب أعماله إليّ الحرافيش، فضلا عن الثلاثية.وفى آخر زيارة لمصر ديسمبر 2005 وكنت فى عطلة ومصمما على زيارة واحة سيوة الأمازيغية اكتشفت رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسوانى وأعجبت بها. وقرأت "عزازيل" ليوسف زيدان، وأعجبت بها إعجابا كبيرا. قرأت له كذلك"النبطي" . وطرْحه لا يختلف عن طرحى فى "سيرة حمار" .وأحببت بالأخص رواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر، وأعتقد أنها لم تنل حقها من العناية والاهتمام. وربما قد يكون هناك جانب ذاتى فى تقييمى لرواية بهاء طاهر, بحكم أن أحداث الرواية طرأت فى سيوة. ولسيوة فى نفوس الأمازيغ مكانة خاصة. وآخر ما قرأته من الأدب المصري، هو "ثلاثية غرناطة" للمرحومة رضوى عاشور. وكنت كتبت رواية عن مأساة "المورسيكيين"، فأحببت أن أطلع على نظرة من هو من مصر على هذه المأساة الإنسانية.



 



هل ترى آفاقا مختلفة للرواية المكتوبة بالعربية فى المغرب العربى عن تلك فى المشرق ؟



ـ مصطلح مغرب عربي، له حمولة، وأنتم فى الشرق تستعملونه من دون استحضار هذه الحمولة. العروبة مكون من مكونات هذا الذى تسمونه بالمغرب العربي، ولكن هناك مكونات أخرى، وسابقة عن العروبة، وأكثر تأثيرا فى رسم شخصية المنطقة.و يبدو فى جميع الحالات أن ما يُكتب فى الشرق يجد صداه فى المغرب، والعكس ليس بصحيح.والأدب ليس حكيا فقط، ولا يمكن أن يتم اختزاله فى الإمتاع وحده. لا بد أن يحمل رؤية، وتصورا للمجتمع، وهو ما نحتاجه فى هذه الظرفية الحاسمة فى تاريخ المنطقة.



 



من الواضح فى "سيرة حمار " تمكنك من كتابة الحوار.. هنا عذوبة وإيجاز وجمال وديناميكية تفاعل.. لماذا لا تكتب المسرح؟



ـ لم أفكر فى الأمر، ولكن بعضا من المسرحيين راقهم عملى فأردوا أن يستوحوه من أجل إخراجه فى قالب مسرحي.وفى عطلتى الصيفية الأخيرة، كتبت عابثا مسرحية باللغة الفرنسية،و لا أدرى إن كان سيكتب لها أن ترى النور.و لا تسألنى عن موضوعها.