أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
النقــــــد
علم قراءة الجمهور العام
12 يوليو 2014
بقلم : د. حســام عطــا

إن الناقد الأدبى الفنى المعلوم لدى الجمهور العام المقدر وزنه لدى المتخصصين قد أصبحت عملية إنتاجه نادرة، فما بين الكتابة الصحفية غير الاختصاصية والتخصص الأكاديمى الدقيق تقع المشكلة ويأتى اختيار الناقد د. جابر عصفور وزيرا للثقافة تقديرا إضافيا لمهنة النقد، وقد استطاع عبر مشواره المعنى الجمع بين المثقف الاختصاصى والمثقف العام.



وبعيدا عن شجون الثقافة المصرية أتذكر مهنة النقد، وأتذكر المناهج النقدية الحديثة، حيث يلمع اسم جابر عصفور، لأجدنى أتذكر أيضا علم الدلالة وهو منهج نقدى يقرأ الجمهور والعمل الفنى معا وما أحوجنا فى مصر الآن إلى قراءة سلوك الجمهور العام للإجابة على أسئلة كثيرة غامضة فى الفن والثقافة ومنها لماذا خرج النقد من دائرة الاهتمام العام.



هل اختفت الكتابات النقدية المستندة لأسس معرفية تتصل بمناهج النقد الحديث والمعاصر من الأدبيات الصحفية المتواصلة مع الجمهور العام، وهل قدر الناقد المتخصص أن يظل سجينا فى قاعات الدرس؟



حقيقة الأمر أن تلك الاسئلة المطروحة على العقل المصرى والنقد العربى منذ أوائل التسعينيات وحتى الآن، قد طرحها العقل الغربى على نفسه وأجاب عنها إجابات مترددة، وهكذا جاء علم العلامة «السيمولوجى» ليمثل هذا الاتجاه فى التقريب بين منجزات نقدية سابقة لا ينفيها ولكن يستفيد منها ويعيد انتاجها فى تفكير علمي معاصر، وإعادة طرح هذا التفكير المتسائل ليس جديدا، وإن بدا كذلك فى ظل طغيان السياسى والإعلامى الجماهيرى على المعرفى الثقافى الفنى فى مصر منذ ثورة 25 يناير، واستعادة طرح الاسئلة المعرفية الآن مرة أخرى ضرورة ملحة، وحقيقة الأمر أن سؤال المناهج النقدية الحديثة والمعاصرة الآن وغيرها المنتظم منذ التسعينيات يأتى من سببين جوهريين:



السبب الأول مادى ألا وهو: غيابها عن صفحات النقد الأدبي والفنى، واختفاء معظم المجلات المتخصصة فى هذا الشأن النقدى العميق.



والسبب الثانى معرفى: يمكن طرحه عبر السؤال المتردد: هل تريد هذه المحاولات النقدية بالسعى المتقطع أو المنتظم أو اللاهث أو العشوائى أحيانا أن تحقق معرفة علمية بالمنتج الابداعى المصرى والعربى؟ أم أنها مجرد مواكبة لحركة تطور النقد الغربى لمجرد المواكبة وحرصا على الدرس الاكاديمى فقط؟



وبتحليل الظاهرة يتضح أن تلك المناهج الغربية ابنة لغاتها وبيئتها وأسسها الفكرية ومحاولة تطبيقها فى اللسان العربى يحتم مسألة تملك الأسس الفكرية لتلك المناهج مع الوعى بالفوارق الناتجة عن خصوصية النص والنقد العربى عن نظيره الغربى، ولذلك يأتى على العلامة قريبا من العقل المصرى، وهو يصلح لأن يكون اختيارا تقنيا معرفيا يقارب بين النقد التطبيقى والدرس الاكاديمى لأن السيمولوجى يقوم على مبدءين حاكمين: الأول: هو حرية الشك السيمولوجى المعرفى الذى يجعله منفتحا على كافة المناهج النقدية التى سبقته.



والثانى: لأنه يقدم العديد من النماذج والأدوات المنضبطة رياضيا فى شكل معادلات تحاول الاقتراب من المعادلات العلمية البحتة.



وفى هذا الصدد يجب البدء من رومان إنجاردن كبداية تأسيسية لنظرية القراءة الحديثة وصولا إلى بارت وبافيز وياووس، وقد حالت جنسية إنجاردن البولندية دون ذيوع صيته، رغم أنه يعد أنقى من عبر عن هذه الأفكار وأسبق على الرعيل الذى جاء بعده.



وفى هذا الصدد يود الكاتب تأكيد أهمية إنجاردن الغائب عن الدرس الأكاديمى والترجمة المستفيضة فى اللسان العربى، فى مبحث نظرية التلقى على وجه الخصوص، فهو يرى أن العمل الفنى عامة يتكون من طبقات أربع، هى طبقة التجلى المحسوس أو الصياغات الصوتية والبصرية، وطبقة المعنى، وطبقة الموضوعات الوصفية الجمالية، وطبقة المنظورات الخاصة التى يصور منها الفنان عمله، وهذه الطبقات توجد مكتملة فى العمل الفنى الأدبى، بينما تختزل فى بعض الأجناس الفنية الأخرى مثل التصوير والموسيقى على سبيل المثال، ولكنها موجودة بالضرورة فى الأعمال التى تقع على حدود الأدب مثل السيناريو السينمائى والنص المسرحى. وقد طور النقاد تصور إنجاردن فيما بعد لسحبه على الفنون السبعة الجميلة دون الاشارة الواجبة إليه، حيث أصبح المسموع المرئى الذى يخلو من الكلمات أحيانا لغة فنية ونصا بلغات متعددة أخرى شأنه شأن النص الأدبى. لكن قيمة عمل انجاردن التأسيسية تأتى من رؤيته التى تتمثل فى أن الخبرات أو الحالات النفسية للمتلقى هى التى تحدد مسألة تذوق العمل الفنى.



فخبرة المتلقى تعنى أن كل قراءة جديدة سوف تنتج عملا فنيا جديدا. وحقيقة الأمر أن نظرية استجابة القارئ ليست معاصرة تماما فقد بدأت فى دوائر المجتمع الاكاديمى الغربى منذ الستينيات ولقيت مقاومة كبيرة، ولكنها أفلتت من الجمود الاكاديمى عندما تبناها علم العلامة، لتخرج للتطبيقات النقدية العامة نظرا لحيويتها الشديدة وقدرتها على قراءة مشاهد الحياة اليومية والصور السياسية وأحدث خطوط الملابس وطرق بناء المدن، ولإيمانها فى الشأن التخصصى بمبدأ تعدد الحقيقة. وقد حصدت استجابة القارئ اهتماما مصريا وعربيا خاصا جعلها تؤكد دور الجمهور بين منظرى الدراما، مما خلق علاقات نقدية وثيقة فى المجال النقدى بين الأدب والفنون المسموعة المرئية، وهى رؤى نقدية ترتبط بفلسفة الوعى الذاتى بالعالم، وبالتالى ففعل التلقى والنقد معا بهذا المعنى معادل فى حريته لفعل الابداع ذاته.



وهكذا يظهر مفهوم الجماعات التأويلية التى تعطى لنص ما أو لظاهرة إبداعية معينة قيمتها ومعنا ومدى قبولها ثقافيا واجتماعيا، وتتغير قيمة الإبداع وفقا لتغير الجماعات التأويلية التي يحكم بعضها مصالح خاصة أو رؤي فكرية حاكمة مما يجعل عملية التأويل والتقييم النقدي مفتوحة في متواليات زمنية لا نهائية بمرور الزمن أو بتغيير الجماعات التأويلية المختلفة في مرجعيتها الثقافية في مكان وزمان واحد.



وهذا النظر عن تعدد معني الجمال والحقيقة معا، إذ لا وجود للحقيقة المطلقة ولا الجمال المطلق خارج نطاق الأبنية المتعددة للعقل الإنساني المدرك.



حيث أصبح النقد السمولوجي يسعي للجمع بين تحليل القيم الجمالية والمضمون معا، مع الاحتفاظ بجوهر الفن ألا وهو شاعريته الإنسانية، التي تتحرك عبر الوعي بالإطار المرجعي للجمهور وأفق توقعه وترقيه كشرط جامع للإبداع والنقد معا في عالم لم يعد يؤمن في الفن بالحقيقة الواحدة.



أما مسألة المقاربة بين المناهج النقدية الحديثة والواقع الأدبي الفني في مصر، فهو ضرورة كي يخرج النقد المعرفي الحديث من قاعات الدرس الأكاديمي حتي لا يموت في عزلتها، وهو أمر مرهون بوجود الإرادة المعرفية لدي القائمين علي النشر العام حتي لا يترك النقد للتبسيط المخل بدعوي التواصل مع الجمهور العام، وأيضا حتي لا يترك أمر النقد في مصر للمحرر الفني أو الأدبي صاحب النقد الانطباعي في معظم الأحيان، ثم نعود لنسأل أين ثقاة النقاد؟ ولماذا لا يكترث المبدعون بالكتابة النقدية كثيراً؟



لامفر إذن من أن نحاول نقل النظري للتطبيقي، لاستعادة مسار النقد المصري العريق الذي لم ينقطع لكنه اختفي قليلا بلا شك.



فهل تستعيد وزارة الثقافة مبدئيا مجلاتها الدورية المتخصصة والتي كانت صاحبة تأثير حيوي علي الصعيد المصري والعربي معا؟