أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
منمنمات ثقافية
في متاهة نحن والآخر‏...‏
4 فبراير 2014
بقلم‏:‏ سناء صليحة

في ظل الحالة الثورية التي طالت بلدان المنطقة العربية‏,‏ وتغيير نظم حكم استقرت في المنطقة لعقود طويلة‏,‏ واحتفاء الساسة ووسائل الإعلام الغربي بالواقع الجديد في عالمنا العربي‏,‏ غابت‏(‏ أو ربما غيبت‏!!)‏ إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب التي مثلت هاجسا ملحا بين الجانبين منذ وطئت جيوش الحملة الفرنسية أرض مصر عام‏1798.‏


واليوم وبعد أن اتضح تعنت بعض دول الغرب ضد إرادة الشعب المصري وحقه في تحديد مصيره, والتلاعب بمصطلحات يتم توظيفها طبقا للأحوال والمصالح السياسية و العقائدية وتأزم الموقف بين الطرفين, تعود القضية لتتصدر المشهد منذرة باحتمالية عداء مستحكم بين عالمين تتسيدهما صور نمطية لا علاقة لها بالواقع أو متغيراته.

ولأن القطيعة أو إقصاء أحد العالمين للآخر أمر لا محل له من الإعراب في عالم اليوم, تصبح مراجعة أدبيات هذه العلاقة فرض عين....

ورغم أن الأدبيات الغربية و العربية احتفت بالأنا و الآخر,, سواء من خلال الدراسات الاستشراقية أو كتابات الرحالة أو الأعمال الأدبية( كرباعيات داريل أو أشعار كفافيس وغيرهما من الكتاب), أو بظهور تيار الاستشراق الجديد ومحاولة الغرب تقديم قراءة للآخر من منظور صعود تيارات الإسلام السياسي و أشكال الإبداع المواكبة لها, إضافة إلي الدراسات العربية التي ركزت علي صورة الغرب في عيون المبدعين العرب وانعكاساته علي الإبداع باختلاف الظروف و الحقب الزمنية( مثل تحليل إدوارد سعيد للاستشراق ودراسة إبراهيم أبو لغد وهشام شرابي عن المثقفين العرب والغرب وكتاب د. رشيد العناني تصورات العرب عن الغرب- مواجهات الشرق والغرب في الرواية), بالرغم من كل هذا التراث يبدو أن رؤية كلي العالمين للآخر ما تزال تدور في فلك تهويمات ذهنية تفرضها اللحظة التاريخية و المصالح السياسية..

ففي عالمنا ما نزال نبحر في فضاء الانبهار المقترن بالخشية والتوجس.. حالة مثلتها سطور الجبرتي إبان الحملة الفرنسية واستمرت في مرحلة الانبهار بالغرب والرغبة في التلقي عنه لتظهر في أعمال أحمد فارس الشدياق ورفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وبيرم التونسي وغيرهم, ثم في اقتران الانبهار بالحضارة الغربية بظهور حالة نقدية وابراز التضاد, من قبيل روحانيات الشرق مقابل مادية وجمود الغرب, تعكسها بعض أعمال جورجي زيدان وتوفيق الحكيم ويحيي حقي وأحمد أمين وغيرهم.

فإذا قفزنا للنصف الثاني من القرن العشرين وتحديدا في مرحلة الاستقلال تطالعنا سطور من عالمنا تعكس إحساسا بالثقة بالذات واستهانة بإمبراطوريات غابت شمسها.. ومع انهيار المشروع القومي بوقوع نكسة67 نلحظ تراجعا في هذه الثقة, ليحل مكانها رغبة في جلد للذات وأسئلة فلسفية حول ماهية الآخر, منها علي سبيل المثال لا الحصر أعمال لفتحي غانم ونزار قباني وحنا مينا والطيب صالح وسليمان فياض وغيرهم..

وبحلول الألفية الثالثة وظهور تيار الاستشراق الجديد وتركيز الغرب علي الممارسات المرتبطة بالحجاب كرمز, ليس فقط للتمييز بين سلطة ذكورية ظالمة وخضوع أنثوي بل أيضا للفاشية ولاغتصاب حق الفئات الأضعف أو المهمشة, يتحول الغرب في عيون عدد من كتابنا إلي ملجأ من استبداد الشرق ووسيلة للهروب من شظف العيش. و الغريب أنه برغم معدلات القراءة الضئيلة في عالمنا, إلا أن هذه الرؤية التي تجلت في أعمال عدد من الكتاب المصريين والعرب ترعرعت في الشارع العربي وتحولت لعقيدة حتي بين البسطاء الحالمين بهجرة ولو غير شرعية!!

واليوم في ظل الموقف المتأزم بين عالمين, من المستحيل أن يقصي أحدهما الآخر, أظن أن علينا إعادة صياغة المشهد بعيدا عن الأوهام و التهويمات.. أن نقدم للعالم ثقافة تتجاوز رؤي نمطية وقراءات سطحية تؤطر وعي المتلقي شرقا وغربا.. أدب وفن لا يتعمد أي منهما خلط الأوراق لتسويق فكرة بعينها أو اللعب علي أوتار ما بأمل الوصول للعالمية..فربما يكون في إعادة اكتشافنا لذاتنا, اكتشاف لمفردات تحسم ما يمكن حسمه وتتعايش مع الاختلاف, ولسبل الخروج من المتاهة..