أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الموضة..أصبحت "رأي سيــاسي‏"
10 يناير 2014
محمد أبوالعينين

تعد الملابس بطاقة التعريف الأولي لكل منا‏..‏ فهي الجلد الثاني للإنسان ووسيلة التعبير الأولي التي تفصح عن شخصيته‏,‏ وتكشف عن جانب من مضمون أفكاره بصرف النظر عن مستواه الاجتماعي والاقتصادي‏..‏ لذلك كانت الملابس دائما عبر العصور محل أنظار علماء الاجتماع والإنثربولوجي‏,‏


وتشتمل الملابس ـ وخاصة الشبابية ـ علي قدر كبير من الرموز والإشارات والعلامات.. بعضها حكم العالم لمدة طويلة ثم سقط والبعض الآخر باق كرمز دفاعا عن فكرة أو قضية مثل القضية الفلسطينية ومن أشهر الرموز والعلامات التي تم ترويجها عبر الملابس وإكسسواراتها مثل حافظات النقود وقبعات الرأس وغيرها.. ويوجد أيضا الصليب المعقوف.. رمز النازية والمنجل والمطرقة رمز الشيوعية ونجمة داود اليهودية وعلامات الماسونية وصورة المناضل الثوري جيفارا.. وإشارة رابعة المستحدثة في الثقافة الشيعية وغيرها.



فإذا اضفنا لما تقدم علامات الجماعات والائتلافات التي انبثقت عن الربيع العربي سنفاجأ بكم هائل من الرموز التي أصبح الشباب يرتديها دون أن يعرف مغزاها ومعناها لكنها تتسلل بنعومة وتنتشر لترسخ لقبول مالم يكن يسمح بقبوله فالشعار لغة عالمية لا تحتاج لشرح.

يوضح د.عمرو حسونة أستاذ تصميم الأزياء بكلية الفنون التطبيقية أن صناعة الملابس تتحكم في اقتصادات بعض الدول بحيث يوجد مجلس صناعي للدول المتحكمة في الموضة وهي فرنسا وإيطاليا وأمريكا واليابان وبريطانيا والصين وألمانيا, وتقوم هذه الدول بتحديث الآلات الصناعية والوسائل التكنولوجية وما يتعلق بها من طرق طباعة وأشكال ورسومات ويتم تسويق هذه الآلات عالميا وعلي أساسها يتم الإنتاج العالمي ومن خلال هذه الدول تظهر اتجاهات الموضة العالمية بألوانها وقصاتها واتجاهات الموضة تحكمها أربعة أشياء ظلال أي شكل الإنسان كظل من خلال التصميمات السوداء المصمتة والألوان ثم الملمس وأخيرا التفاصيل إضافة إلي أن طريقة ارتداء الملبس تعبر عن الحالة النفسية للشباب.. فارتداء القميص مثلا خارج البنطلون يعبر عن شعور بالضغوط والتطلع لأن يصبح الإنسان علي حريته والعكس صحيح, والأمر كذلك في حالة ترك أساور القميص دون ربطها ومصمم الأزياء في أي بلد لابد أن يعبر عن هوية موطنه ويراعي الاعتبارات الاجتماعية والعادات والتقاليد.. لكن معظم مجتمعات المنطقة العربية تأثرت فكريا وثقافيا, وحدث بها خلل ثقافي جعل الشباب يتقبل بسهولة أي شيء يفرض كموضة في الخارج.. وحين سألت د.عمرو كيف تعبر الملابس عن هوية الإنسان بصورة عملية وواقعية ومثلما يحدث في أي مجال فمن يريد أن يصل للعالمية لابد أن يعبر المحلية ومعرفة دلالاتها.. دلل علي كلامه بالجلابية التي يرتديها الفلاح المصري عبر الزمان.. وعلي الرغم من تغيير بعض اللمسات الطفيفة في مظهرها إلا أنها مازالت تحتفظ بوصلة صغيرة توضع تحت الأبط اسمها سمكة وهي كلمة وتعبير متداول منذ عهد الفراعنة كان يشير للعامل وهو يعود في آخر يومه وهو يحمل طعامه ورزقه في قفة السمك التي يضعها في هذا المكان.. فكانت دلالة ورمز لكن تم توارثها حتي يومنا هذا.. والأمر كذلك بالنسبة للعمة التي تلف فوق الرأس.. فعبارة فلان شايل كفنه فوق رأسه, تحمل أيضا دلالة مصرية خاصة.. حيث كان ـ ولازال ـ يراعي أن يكون طول العمة يزيد قليلا علي طول الإنسان مرتين لأنها كان تستخدم ككفن إذا توفي وهو يسير متنقلا في الصحاري والوديان.. ويستطرد قائلا: للأسف الشباب الآن يرتدي تي شيرتات مكتوبا عليها كلاما لا يفهم معناه مثل عبارة كله شمال يا صاحبي وهي عبارة تحرض علي الخطأ والسير عكس الاتجاه في كل شئ شكلا ومضمونا.. وهذه المعاني تتسلل تدريجيا.

والكثير إن لم يكن معظم هذه الكلمات والعلامات يتم تصديرها لنا من الغرب مثل كلمة كابالاKabbalah التي تكتب علي الملابس فهي تمثل مذهبا لدي اليهود يقوم علي افتراض أن لكل كلمة وحرف في الكتاب المقدس معني خفيا وتعرف أيضا بعبادة الأعداد وهي واحدة من أعقد الفلسفات الدينية ويلقي أنصارها اضطهادا شديدا عند اليهود ويعتنق هذا المذهب الآن بعض المشاهير ويقومون بالترويج له عالميا مثل النجمة الأمريكية مادونا والزوجان ديفيد وفيكتو,ريا بيكهام وديمي مور ويرمز لهذا المذهب بخيط أحمر يلف حول المعصم.. ويسلك العديد من شبابنا نفس المسلك من قبيل التقليد دون أن يعلموا أن الأمر لا علاقة له بالموضة ولا بالأناقة.

اختراق البنية الاجتماعية

وخطورة هذا التقليد الأعمي والغزو الناعم بهذه الصغائر في مظهرها أنها تحدث خلخلةفي قيم الشباب وهم المستهدفون بالمقام الأول.. فيتم الترويج لملابس وألوان يصعب فيها الفصل بين الملابس الرجالي والحريمي وتتماهي الفروق حتي إننا نتندر علي سبيل الضحك قائلين: هو فيه منه رجالي هذا الخلط المتعمد في الألوان والخامات والقصات لا يتم اعتباطا فالتآكل في المجتمعات العربية يبدأ بالشباب, فيتم إلهاؤهم باللهو والعبث وتضييع الوقت.. وفي الوقت نفسه يتم جذب كل العناصر والعقليات العلمية المتغيرة للخارج.. وهم خيرة شبابنا في واقع الأمر, لذلك لابد أن يكون لدي شبابنا تأهيل ثقافي يدفعهم لمراجعة كل ما يتعرضون له وعدم الانسياق بصورة عمياء وراء الموضة وتقليدها وعن مدي هيمنة اليهود علي الكثير من الرموز والشارات وترويجها عالميا رد قائلا: في الأونة الأخيرة انتشرت علي الملابس كف مثل الخمسة وخميسة وتعرف عند الشيعة بكف فاطمة وهو في حقيقته كف معروف في اليهودية يسمي همسة وينتشر بين يهود المغرب العربي. وقد لا يعلم الكثيرون أن الديانة اليهودية من أكثر الديانات التزاما في العالم فيما يتعلق بتغطية جسم المرأة بكامله حيث كانت المرأة اليهودية ترتدي الحايك وهو شيء يشبه الملاية اللف كله يغطي جسمها ووجهها تماما.. فمجال الموضة يمثل صناعة بالمليارات يهيمن عليها يهود العالم الذين يسيطرون علي مقاليد الاقتصاد.. ونظرا لأن إسرائيل دولة زرعت في قلب الوطن العربي ـ بلا هوية ـ لذلك تسعي دائما دولة الشتات لطمس الهويات العربية.. ومن خلال سيطرتهم الكبري علي وسائل الإعلام يمكننا أن نستشعر مكامن الخطر إذا لم نرفع درجة الوعي لدي شبابنا لأننا نتعرض لحروب الجيل الرابع وهي حروب اقتصادية وثقافية.. حروب باردة.. فإسرائيل تتعمد منذ عقود ترويج صورة مسجد قبة الصخرة لا المسجد الأقصي حتي إذا هدمت المسجد الأقصي لا يشعر به أحد ولا يثير الضجيج والآنين بعد أن تفكك مجتمعنا وطالتنا الخلافات السياسية داخل الأسرة الواحدة وتفككنا حتي أصبح الرأي السياسي مثل الموضة.. يتغير ويتبدل بالتقليد فقط وربما تغير بعد شهرين وفي المواسم خاصة بعد ثورات الربيع العربي.. وتوضح د.هدي زكريا أستاذة علم الاجتماع السياسي أن شخصية أي مجتمع تظهر في ملابسه واختراق المجتمع يظهر في المدينة أكثر من الريف مثلما حدث في مصر بظهور البدلة التركية, ثم الغربية والمجتمعات تعادي بعضها أحيانا بالثياب والأضعف يرتدي ملابس الأقوي.. حدث ذلك في تاريخنا حين ارتدي الهكسوس ملابس المصريين وتكلموا لغتهم.. مؤكدة أن معظم هذه الاختراقات تكون وقتية وتطير كالريشة في الهواء, لذلك لابد من إيقاظ الذاكرة الوطنية, وتعزيز المقدسات كالسلام الجمهوري وتحية العلم لاسترداد ملامح الشخصية المصرية القادرة علي الدفاع عن نفسها وترسيخ مفاهيم تعليمية تملأ الوعي وتنعش الذاكرة بما يوحي بكل الأفكار البناءة, بينما يشخص د.سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية استخدام الرموز أو الإشارات بالأصابع بكونها حيلا يطلق عليها في علم النفس حيل هروبية فبدلا من مواجهة الواقع يتم اللجوء للرموز واستخدام قبضة اليد.. وهي تأويلات لا تعبر عن فكر سقيم.. لأن الفكر الواعي لا يلجأ إلي استخدام لغة الجسد, ولكن يلجأ للغة العقل.. فالشباب يجب أن يتعلم فن الانتقاء.