جاء تقديم المستشار أحمد مكى وزير العدل لإستقالته , ليستكمل سلسلة الجدل التى دارت حول مواقف الرجل , الذى بقى قبل ثورة يناير واحداً من أهم الرموز القضائية صاحبة المواقف المعارضة لنظام مبارك , ومحاولات هذا النظام للنيل من إستقلال القضاء ..
فبعد إختيارالرجل وزيراً للعدل بعد الثورة , تفاءل به الكثيرون , ومع مرور الوقت شعر هؤلاء بخيبة أمل فى أداءه , خاصة بين القضاه أنفسهم , الذين واجهوا على مدار شهور توليه المنصب حرباً واسعة من السلطة التنفيذية , ورموزها ومؤيديها فى الوقت الذى رأوا فيه , أن الرجل لم يتحرك إزاء مايجرى ضدهم
حتى جاءت ماأسماها الإخوان "جمعة تطهير القضاء" ليرفع الإخوان أنفسهم اللافتات التى تطالب بإقصائه ,, ووقتها فقط طلب مكى الإستقالة من منصبه !
فهل باع الإخوان الرجل الذى حسبته باقى القوى عليها , وهو الذى وصف الإنتماء للإخوان بأنه "شرف لايدعيه" .. مع رفضه لقانون السلطة القضائية , الذى أرادوا تمريره
.. لقد نسى الإخوان وأنصارهم أوتناسوا , أن عهد مكى وهو وزيراً للعدل , قد شهد حصارهم للمحكمة الدستورية .. ونسوا أيضاً موقفه من الدستور الذى إعتبره الكثيرون مشوهاً , وفى عهد رجل القضاء المحترم , كان الإعلان الدستورى الذى جاء ليعصف بالسلطة القضائية ومحاولة جعلها تحت رحمة السلطة التنفيذية , ورغم ذلك لم يقدم الرجل إستقالته من منصبه
وشهدت فترة مكى "خروقات" كانت واضحة فى الإنتخابات بالاستفتاء على الدستور ولم يتحرك ساكناً
.. وبعيدا عن مقولته الشهيرة " بأننا سوف ندافع عن الصناديق بالسلاح ", فقد جاءت عملية العصف بالنائب العام السابق , وفرض نائب عام جديد من قبل الرئاسة , بالمخالفة للقانون , وصمته على ذلك , وعدم تنفيذ الحُكم القضائى الخاص بعودة عبد المجيد لمنصبه , ثم موقفه من مسألة تقارير الطب الشرعى , فى واقعة قتل الشاب محمد الجندى , لتؤكد , أن الرجل قد ترك الكثير من قناعاته و ضمير القاضى , فى كل هذه الوقائع ليبدو وكأنه يعيش تحت ظلال السلطة , ومتوافقاً لرغباتها السياسية .. ووقتها كان " مكى " لدى الإخوان ومؤيديهم " وزيراً للعدل" بالفعل !
.. أما الآن , ومع رفض الرجل قبول هذه الرغبة المحمومة من الإخوان ومؤيديهم لتمرير قانون جديد على هواها للسلطة القضائية, فقد تحول " مكى" لديهم إلى " فاشل" فى إدارة الوزارة، واعتبروه "غير قادر على تحقيق أهداف الثورة المصرية" !
ربما يصف البعض من معارضى الإخوان و" مكى " , موقف الرجل بأنه جاء تسجيلاً لموقف ليس إلا , خاصة أن عملية تغييره فى أى وزارة قادمة كانت مطروحة بقوة , وأنه قد قرر القفز من مركب الإخوان قبل إحتمالية تمرير مثل هذا القانون
.. لكن التفسير الأقرب ,هو أن الرجل , قد عاش صراعاً نفسياً بين ضميره كقاض صاحب تاريخ , ورجل عدل , وبين إنتماءه الذى ظهر واضحاً انه للإخوان , وأنه حاول معهم فرض مشروعهم فى أقرب وقت , فى مرحلة ترتيب الأوضاع , لكن " الإلتفاف السياسى ", وتجاوز كل حدود القانون , والمنطق فى إدارة الأمر , لم يعد يفلح معها مزيداً من الصمت لديه
.. وفى الوقت نفسه فوجئ " مكى" برد فعل الإخوان , بعد كل "صمته" , وتحمله فوق طاقة ضمير رجل العدل من أجل ميوله السياسية ,
التى تقترب منهم , ليجد منهم "نُكراناً للجميل" وصلت إلى درجة "بيعه" , وتشويهه فى لحظة الفصل , هنا قرر "مكى" تقديم الإستقالة حتى يحافظ على الرمق قبل الأخير من عدل وضمير القاضى .. وقبل أن
يستمر فى غرقه ببحر السلطة الإخوانى , فهل سيثبت الشيخ القاضى على موقفه , ويعلن ندمه على كل ماجرى للعدل فى عهده ؟!
.. ربما , لكن الأكيد أن التاريخ لا ينسى "مكى" أوغيره !!