-
أعماله الـخالدة تظهر فى مدخل حديقة الحيوان وواجهة معهد الكونسرفتوار
-
أهمَّ أسباب شهرته تعود إلى أفكاره المميزة فى طريقة نقل معبد أبى سمبل لإنقاذه من الغرق
-
أنشأ فى «ليمان طرة» قسما للنحت على الأحجار درب فيه المساجين ليتكسبوا من الفن بشرف
يبقى فنانو الأجيال الثلاثة الأولى والمتعاقبة فى الحركة التشكيلية المصرية الحديثة روّادا تتلمذ كل جيل منهم على أيدى الأساتذة الذين ينتمون إلى الجيل أو الأجيال السابقة .. لتتوالى الأجيال التى تتخذ ممن سبقهم قدوة يستفيدون من خبراتهم التقنية، بالإضافة إلى الذكاء فى اختيار الموضوعات التى تؤكد إمكانياتهم وتزيد من تلك الخبرات المتراكمة التى تمنحهم الحنكة وتدفعهم إلى خوض التجارب التى تنسب إليهم لتميزها وفرادتها. وتميزت تلك الأجيال التى أسّست للفن المصرى الحديث بامتلاكها الرؤية والأدوات التى تؤهلهم للتعامل الصحيح والاحترافى مع كل التخصصات إذا احتاج الأمر ؛ حتى أنه إذا أوكل لأحدهم عمل ضخم يتطلب الإلمام بتخصص آخر؛ كان يستطيع خوض التجربة ليس لـ«التجربة» فقط؛ بل ليؤكد ذاته كفنان استطاع إيجاد الحلول لأى عقبات تعترض فكرة وطريقة تنفيذ مشروعه الإبداعي، وهذا ما يميز تلك الأجيال التى استحقت بحق أن تُسجّل أسماءها بحروف من نور، وأن يُطلق عليها لقب «الروّاد» الذين كوّنوا لبنات الحركة التشكيلية المصرية والعربية الحديثة.
...................................
ضم كتاب مترجم عن الألمانية تحت عنوان «إفريقيا العريقة الشابة» فقرات عن فناننا أحمد عثمان تقول:»يعتبر المثال أحمد عثمان من فنانى جمهورية مصر العربية العاملين بصدق وإيمان على رفعتها فى جميع المجالات وخاصة ميدان الفنون التشكيلية، فهو منذ بداية دراسته الفنية فى عام 1923 وهو يمارسها عمليا على الأسس والقواعد الهادفة إلى إيجاد فن محلى نابع من صميم البيئة والتراث المصرى العريق، ولقد عمل الفنان فى هذا الميدان، وحرص على هذا المبدأ السامي، وكانت من نتائجه مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية تتسم بطابع خاص مميز حاز الكثير من الإعجاب والتقدير فى جميع الأوساط الفنية فى الخارج والداخل، وها هى أهدافه تؤتى ثمارها فى تلاميذه المنتشرين فى ميادين الفن المختلفة يعملون فى صمت مؤمنين بمبادئه. ويعد المثال أحمد عثمان واحدا من الثلاثة الذين أرسوا حجر الأساس للفن المصرى المعاصر، فقد كان زميلاه الفنان محمود مختار والمصور محمود سعيد صاحبى مدرسة أصيلة يفخر بها الفن المصري. وقد تمكّن الفنان أحمد عثمان من تطوير فن النحت المصرى المعاصر، بل ويعتبر فنه مثالا حيا للفن القومى ليس فى مصر وحدها، بل فى القارة الإفريقية جمعاء». إنه المثّال أحمد عثمان، المولود بالإسكندرية فى الثامن من يوليو عام 1907، والذى جاءت شهرته لأسباب عديدة؛ أولها أنه واحد من أعلام كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية حيث تم اختياره كأول عميد لها بعد أن تخرّج على يديه العديد من المثّالين الذين تولوا مناصب فى القطاعات الفنية المتعددة، كما جعل من الكلية موقعا يمثّل حركة النحت التى اتسمت بالطابع القومى المصرى بعد أن كانت متأثرة بأسلوب عصر النهضة، إلا أن أهمَّ أسباب شهرته على الإطلاق والتى تنضم إلى أفكاره المستنيرة التى تم الاعتماد على واحدة منها، وتتمثّل فى طريقة وأسلوب نقل معبد أبى سمبل لإنقاذه من الغرق بسبب إنشاء السد العالى فى أسوان، وقد تم الحفاظ على هذا المعبد الفرعونى بسبب هذه الفكرة المتفرّدة!. ومن أهم أعماله الخاصة التمثال الشهير الذى يقتنيه متحف الفن المصرى الحديث «فتاة بنت البلد» بما يحمله من ملامح الفتاة المصرية الجنوبية.
وقد تفتّحت بصيرته بعد سفره مبتعثا للخارج حيث يقول: «عندما أوفدت فى بعثة لدراسة فن النحت فى إيطاليا؛ استيقظت روحى وتفتّحت بصيرتي، فازددت إيمانا بعظمة وطنى الذى أملى تعاليم حضارته على الشعوب القديمة والمعاصرة، ولا شكّ أن إيمانى بالفن المصرى القديم وليد إحساس كامل بما فى المنحوتات المصرية من جمال وعظمة، وبما يتضمّنه من قيم فنية أدركها فى العصور الحديثة معظم فنانى العالم».
لم يقتصر مجال تدريس الفنان أحمد عثمان لطلابه بين جدران كلية الفنون السكندرية لمدة تزيد عن 20 عاما - التى رأس فيها القسم خلفا للمثال الفرنسى «كلوزيل» - وتخرّج على يديه العديد من المثّالين الذين تقلّدوا العديد من المناصب والمسئوليات فى قطاعات عدّة ؛ لكن العجيب أن نشاطه امتد ليصل إلى «ليمان طرة» حيث أنشأ فيه قسما للنحت على الأحجار تحت رئاسته وقام بتدريبهم على امتهان النحت والارتزاق منه بشرف وفخر. وبعد عودته من بعثته الدراسية فى إيطاليا عام 1933 اكتشف تغلغل المؤثرات الأجنبية فى حركة الفن التشكيلى المصرى ليخرج من أساليب تعليم الفن الأوروبى إلى آفاق تاريخ الفن مع المصريين القدماء ساعيا نحو تشكيل الوجدان بجذور الفن المصرى ، يقول عنه الخزاف سعيد الصدر :».. وهنا كان اللقاء مع زملائه العائدين من بعثاتهم أيضا أمثال المرحومين حسين محمد يوسف وعزت مصطفى وإبراهيم جابر وعبد العزيز فهيم وسعيد الصدر، وقاموا بإنشاء جمعية فنية مصرية تحت اسم «رابطة الفنانين المصريين» وقامت هذه الجمعية بمهام واسعة النطاق بالنقد والكتابة فى الصحافة وإقامة المعارض، وفتح المراسم الخاصة ، وتعليم الفن للراغبين».
إن أعمال النحت والجداريات التى قام بها أحمد عثمان تمثلت فى العديد من المنشآت الحيوية وهى بالترتيب التاريخى : النحت البارز للمدخل الرئيسى لحديقة الحيوان بالجيزة عام 1936، النحت البارز على حوائط محطة سراى القبة عام 1937، النحت البارز على قاعدة تمثال إبراهيم باشا بميدان الأوبرا القديمة بالعتبة عام 1949، ترميم تمثال رمسيس الثانى عام 1958، النحت البارز بنادى ضباط الجيش بالزمالك وهليوبوليس ، تمثال أمير الشعراء أحمد شوقى عام 1960، واجهة معهد الكونسرفتوار عام 1967. بعد وفاة أحمد عثمان؛ كتب عنه المؤرخ محمد صبحى الجباخنجى فى جريدة «الجمهورية» الصادرة فى السابع من شهر ديسمبر عام 1988 يقول: «كانت شخصية الفنان الفقيد أحمد عثمان ببساطتها وشعبيتها ووفائها مثالًا نادرًا طوال الثلاثة والأربعين عاما التى أمضاها فى التعليم الفنى (1927 – 1970) وعلى يديه تخرّج المئات من الفنانين الذين تفخر بهم مصر فى العصر الحديث، ومثالا نادرا أيضا كعميد مسئول عن إدارة الكلية ، فأضفى بإخلاصه وتفانيه فى العمل روح المحبة والأخوة والزمالة بين جميع الأساتذة والموظفين والطلاب، وعندما بلغ سن الإحالة إلى المعاش؛ استعانت به وزارة التربية والتعليم مديرا منتدبا فى المعهد العالى ليوناردو دافنشى للفنون الجميلة، وانتدبته كليتا الفنون الجميلة بالقاهرة والإسكندرية وكلية الفنون التطبيقية لتدريس فن النحت فيها .. كما كرّمته الدولة بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية ، فاعتذر لوزير التعليم العالى عن عدم قبوله باعتباره حقا لكل من تعاونوا معه فى العمل لتدعيم وجود كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية ..
وهكذا ظل شهيدا لفنه طوال حياته، إلى أن استشهد حقيقة فى حادث قطار يوم الجمعة 13 نوفمبر عام 1970، ليلحق بابنه الضابط سعيد الذى استشهد فى غزة بعد أن أفرغ حمولة طائرته على تل أبيب فى الخامس من يونيو عام 1967.


عملية إنقاذ معبد «أبو سمبل» التى شارك فيها عثمان

تمثال بنت البلد أحد الأعمال المميزة له
رابط دائم: