رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القمة ومواجهة التحديات!

تجتمع القمة العربية الثانية والثلاثون فى السعودية فى 19 مايو، أى بعد ثلاثة أيام، وبالرغم من عدم ظهور اهتمام شعبى لأسباب عدة تستحق مقالا آخر، إلا أن هذه القمة تأتى غداة قرار مهم فى جلسة طارئة تقرر عودة الحكومة السورية إلى عضوية الجامعة بعد تعليقها لمدة أحد عشر عاما بسبب القتل والتدمير فى سوريا، الأمم المتحدة تقول إنه فى السنوات العشر مارس 2011 ـ مارس 2021 بلغ عدد القتلى 306887 نسمة، بينما معظم التقديرات تتكلم الآن عن نصف مليون قتيل على الأقل، كما أن عدد النازحين داخليا وخارجيا يتعدى نصف السكان، 6٫1 مليون فى الداخل و5٫6 مليون لاجئ خارجى، أى 11٫7 مليون نسمة من عدد السكان الكلى الذى يبلغ حاليا 21 مليون، وبالرغم من الاعتماد على احصائيات الهيئة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن هذه التقديرات فى الحقيقة محافظة، وقد يكون الواقع أكثر قسوة.

لم يكن القرار مفاجئا للكثيرين، لأن محاولة عودة سوريا للجامعة بدأت منذ مدة عن طريق زيارات متعددة بين دمشق والعديد من العواصم العربية، والتى غيرت من توجهاتها بقوة تجاه نظام بشار الأسد، فلا ننسى أنه فى اجتماع القمة العربية فى الدوحة فى سنة 2013 تمت دعوة قوى المعارضة لتمثيل سوريا فى المؤتمر، وهو ما أثار احتجاجا قويا من جانب الحكومة السورية، ولكن مواقف العديد من الدول ـ التى تختلف بالطبع عن الشعوب ـ تغيرت الآن، وقد يفسر الكثيرون قرار العودة بأنه انتصار لنظام بشار الأسد، حاول أمين عام الجامعة ـ السفير أحمد أبو الغيط ـ تخفيف حدة التغيير فى موقف الجامعة بأن أعلن أن قرار عودة عضوية الحكومة السورية «لا يعنى نهاية أزمة سوريا أو حلها ـ على العكس، ولكن يسمح بالتواصل بين الدول العربية والحكومة السورية»، وأوضح أن درجة التطبيع مع النظام السورى تعتمد على ظروف ورغبة كل دولة، وفى الحقيقة ليس هناك شفافية فى الكشف عن عملية صنع هذا القرار الخطير، بل إن المحلل يجد نفسه مضطرا للاعتماد على التخمين ـ المدروس والعلمى بقدر الإمكان ـ فى شرح القرار، فنحن نعرف مثلا أن بعض الدول العربية تتحفظ على عودة نظام بشار للجامعة، كما نعرف أيضا أن ميثاق الجامعة ينص على التوافق والإجماع فى اتخاذ القرار، وقد يشرح هذا حضور 13 عضوا فقط هذا الاجتماع من الـ 22 الدول الاعضاء حتى لا يتم إعاقة الموافقة على هذا القرار، ما هى إذن الأسباب ـ أو أهمها على الأقل ـ فى أتخاذ القرار المهم هذا؟ ولتقتصر على ثلاثة:

1ـ السياق الاستراتيجى وتطوراته الحالية: تستمر هذه الحرب السورية منذ 12 عاما، ولنا أن نتصور مستوى الدمار المادى والإنسانى، فى الحقيقة أصبحت سوريا مسرحا لحرب بالوكالة وتصفية حسابات بين عدة دول، مثل إيران وإسرائيل، أو تركيا والأكراد، بينما هناك جزء من التنسيق غير المعلن بين بعض الدول مثل روسيا وإسرائيل، ولا ننسى بالطبع مؤثرات استراتيجية أخرى مثل دور حزب الله أو حرب اليمن، جاء الزلزال المدمر فى السادس من فبراير ليزيد من معاناة الشعب السورى، خاصة أن معظم المساعدات الدولية اتجهت إلى تركيا وتجاهلت سوريا، حاولت بالطبع بعض الدول العربية تخفيف معاناة الشعب السورى، وتعاملت ـ طواعية أو قسرا ـ مع نظام بشار القائم.

2ـ بسبب عدم قدرة السلطة السياسية فى دمشق فى السيطرة على كل أجزاء البلاد، أصبح جيران سوريا، وحتى بعض أجزاء أوروبا يعانون أضرارا يجب وقفها، مثل انتشار تصدير المخدرات التعامل مع النظام الحاكم فى سوريا أصبح مطلوبا أكثر وأكثر.

3ـ ولكن الآثار الدولية الأكثر انتشارا وخارج السيطرة لمثل هذه الحرب المسماة داخلية هى تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين السوريين، خاصة فى الدول المجاورة، وهم فعلا أعداد كبيرة ترهق أكثر وأكثر الدول المضيفة، وخاصة فى الدول المجاورة صغيرة السكان نسبيا، وللتوضيح هناك مثلا نحو 3٫6 مليون لاجئ سورى فى تركيا، بينما هناك نحو 815 ألفا فى لبنان، ولكن بما أن سكان تركيا هم 84٫9 مليون بينما سكان لبنان 5٫6 مليون فقط، فإن نسبة اللاجئين السوريين لا تزيد على 1/21 فى تركيا، بينما هى فى لبنان 1/6، أى سدس السكان، وفى الحقيقة يجعل هذا الحضور الضخم للاجئين السوريين من لبنان أكبر دولة مضيفة، ليس فقط إقليميا بل عالميا، ومع تدهور الاقتصاد اللبنانى حاليا، يزداد الوضع سوءا بالنسبة لهذا البلد المضيف، وكذلك بالنسبة للاجئين أنفسهم، بما فيها من توجهات عدائية، وحتى عنصرية بأن هؤلاء اللاجئين يسرقون وظائفهم، أو يمثلون ضغطا على الخدمات الأساسية فى مجال الصحة والتعليم، والتى يعانى نقص كفايتها سكان البلد المضيف أنفسهم.

لسوء الحظ ليس التحدى السورى ومحاولة مواجهته هو الوحيد فى المنطقة العربية، مثل هذه التحديات تبدو فعلا عرضا مستمرا، نحن الآن على وشك مواجهة التحدى السودانى، وأيضا امتداد أزماته إلى الخارج عن طريق اللاجئين الذين يتصاعد عددهم كل يوم تقريبا، وقد يستحق هذا الموضوع أن يدرج على أجندة هذه القمة العربية حتى يتم تفادى المفاجآت السيئة، أو اتخاذ قرار مهم، ثم العودة عنه، ومع استمرار هذه الأزمات، قد يكون من المفيد أن تطبيق الجامعة العربية منهجية المحاكاة simulation المعروفة علميا والمستخدمة منذ زمن فى القوات المسلحة والعديد من الهيئات والوزارات فى الدول المختلفة، وذلك من أجل استطلاع تطور الأزمات، خاصة سبل مواجهتها.


لمزيد من مقالات د. بهجت قرنى

رابط دائم: