-
فريقنا البحثى ابتكر تقنيات أفضل من««كرسبر كاس9»» للتعديل الجينى
-
استفدت من صحبتى للفائزة بجائزة نوبل عام 2020 فى طرح الأسئلة البحثية المهمة للمجتمع وميزة العمل الجماعى
-
التعديل الجينى يتيح فرصًا هائلة فى المستقبل للتعافى من الأمراض الوراثية والمزمنة
«هذا هو العام الخامس لى بمعمل د. جنيفر داودنا كباحث دكتوراه والتى حصلت عليها أخيرا» بتلك الكلمات عرف نفسه د. باسم الشايب الباحث بجامعة «يو سى بيركلى» بالولايات المتحدة.. كثيرة هى الأسئلة حين تتيح الصدف فرصة مقابلة عالم مصرى أمضى السنوات الماضية مع واحدة من أهم علماء العالم فى مجال الهندسة الوراثية البروفيسور جنيفر داودنا الحاصلة على جائزة نوبل فى الكيمياء عام 2020 بالاشتراك مع العالمة الفرنسية إيمانويل شاربنتيه وذلك عن أبحاثهما لابتكار تقنية تساعد على تعديل الشريط الوراثى بالحذف والإضافة والمعروفة باسم «كرسبر كاس9». قضى د. باسم سنوات طفولته بمصر وهو ما أسهم فى إجادته اللغة العربية ورغم ذلك كان يجد صعوبة فى تبسيط المصطلحات العلمية مما دفعنا لإجراء الحوار بالإنجليزية للتعرف عن قرب على تجربته مع العالمة الكبيرة والأبحاث التى يقومون بها حاليا. وإلى نص الحوار:
..............
فى البداية عرفنا بنفسك؟
أنا اسمى باسم الشايب عشت حتى عمر 15 عاما بمصر، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراستى، وكان شغفى دائما فى تعلم البيولوجيا والهندسة والابتكار لذلك حصلت على البكالوريوس فى الميكروبيولوجى وعلم الوراثة إضافة إلى دراسة الفلسفة بجامعة مينيسوتا، ثم وجدت ضالتى باستكمال الدراسات العليا فى مجال الهندسة الوراثية بجامعة بيركلى وتحت إشراف د. جنيفر داودنا والحاصلة على جائزة نوبل عن ابتكارها تقنية «كرسبر كاس9» للتعديل الجينى هذا التخصص أعمل به كباحث منذ 8 سنوات تقريبا بهدف تطوير الخدمات الطبية وتحسين حياة الناس ونظرا للأبحاث التى نشرتها اختارتنى مجلة فوربس ضمن أفضل 30 علما شابا أقل من 30 عاما. إضافة لذلك، فأنا أعمل فى مجال المعلوماتية الحيوية على اكتشاف فيروسات جديدة وأدوات جديدة فى مجال التكنولوجيا الحيوية قابلة للتطبيق المعملى. وعلى سبيل المثال فإننا نعمل على ابتكار أدوات جديدة للتعديل الجينى بخلاف تقنية «كرسبر كاس9» اعتمادا على ما نكتشفه من الشريط الوراثى للفيروسات أملا فى الوصول لتقنيات أعلى كفاءة فى التعديل الوراثى لتطبيقها فى الزراعة والحد من انتقال الأمراض الوراثية للأجيال الجديدة وغيرها من التطبيقات.
ما هى تقنية «كرسبر كاس9»؟
هى أداة ثورية لحذف أو إضافة الجينات بالشريط الوراثى وهى من أوائل الأدوات التى تم ابتكارها منذ أكثر من 10 سنوات وهناك عدد كبير من الباحثين من مختلف دول العالم يستعينون بتلك التقنية فى مشروعاتهم العلمية. وببساطة هى عبارة عن مركبين يتوليان عملية التعديل الجينى فى المكان المراد وبالدقة المطلوبة المركب الأول عبارة عن تسلسل لحمض نووى RNA لتحديد المكان المراد قصه من الشريط الوراثى أما المركب الثانى فهو CAS9 وهو عبارة عن إنزيم يقوم بمهمة المقص بقطع الجزء المراد بالشريط الوراثى لتلى ذلك عملية حذف أو إضافة الجين المراد. ولقد تم اكتشاف تلك الأداة فى بادئ الأمر فى بعض البكتيريا والتى تستعتن بها للدفاع عن نفسها من اختراق الفيروسات لخلية البكتيريا ثم تم تطويرها معمليا على يد العالمتين داودنا وشاربنتيه وتوظيفها لقص وإضافة الجينات بصورة سريعة وعملية وغير مكلفة.
وهل لازالت أفضل تقنية لبحوث وتطبيقات الهندسة الوراثية؟
حاليا هناك أدوات أكثر تطورا وأقل خطرا وأعلى كفاءة من تقنية «كرسبر كاس9» وهذا الأمر جزء من المشروعات البحثية التى أشارك فيها بمعمل د. داودنا. فحاليا هناك أدوات للتعديل الوراثى أصغر حجما فمثلا فى عام 2020 تمكنا من ابتكار أدوات جديدة يجرى تجربتها معمليا وتحدثت عنها د. جنيفر داودنا خلال حصولها على جائزة نوبل فى الكيمياء. تلك الأدوات مازالت قيد التطوير كى يمكن تطبيقها بصورة سهلة وبأقل مخاطر مما تسببه كريسبر كاس9 والتى فى بعض الأحيان تحيد عن المستهدف منها «off target effect» فمن الوارد أن يحدث خطأ فى التعديل الوراثى بنسبة أعلى من 1 % وقد تصل إلى 40 % إذا كان موقع آخر فى الجينوم يحتوى على تركيبة مماثلة للحمض النووى المستهدف، وهو أمر يسعى العلماء لتجنبه من خلال الدراسات على مدار السنوات الماضية كما يتم تطوير أدوات أكثر فاعلية مما هو متعارف عليه. وحاليا كل هذه التقنيات مازالت قيد البحث لرصد كفاءتها والآثار الجانبية المحتملة منها.
كيف انضممت لفريق د. داودنا؟
حين تقدمت لدراسة الدكتوراه فى جامعة «يو سى بيركلى» «U C Berkeley» أتيح لى التعرف على مختلف الفرق البحثية فى مجال التكنولوجيا الحيوية حيث يسمحون لشباب الباحثين بعمل زيارات دورية لمختلف المعامل إضافة إلى التحاور مع رؤساء الفرق البحثية. وبعد تلك الفترة، تطلب الانضمام للمعمل المناسب لميولك واهتماماتك العلمية وهو ما حدث بالفعل حيث وجدت أن الأبحاث التى تجريها د. داودنا وفريقها المساعد أقرب لاهتماماتى البحثية. وفى حقيقة الأمر، فلقد رحبت د.جنيفر أن أشارك ضمن مجموعتها البحثية لمدة 10 أسابيع، وبعد تلك التجربة قررت أن أستكمل رسالة الدكتوراه تحت إشرافها وعرضت عليها الأمر وكان من حظى أنها وافقت على انضمامى خاصة أنها فى تلك الفترة كانت تنتقى باحثين طلبة جددًا للانضمام لمعملها.
أوصف لى الأجواء فى معمل د. جنيفر داودنا؟
هناك قدر كبير من الاستقلالية فى العمل البحثى بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يتولى كل باحث مهامه وفقا للخطة البحثية فيما تشرف د. جنيفر وتتابع خطة العمل ونتائج المشروعات البحثية. وبشكل عام نحن معنيون بالبحوث الأساسية فى الهندسة الوراثية وابتكار أدوات جديدة للتعديل الجينى بما يسهم فى علاج بعض الأمراض الوراثية فى الأنسجة البشرية. أما عن التخصصات بمعمل داودنا فهى متنوعة ما بين التكنولوجيا الحيوية والطب، ونحن حاليا فى المعمل 25 باحثا نمثل عدة بلاد هى الولايات المتحدة والصين وألمانيا وأنا الوحيد ممثلا عن مصر والشرق الأوسط والقارة الإفريقية.

د. باسم مع البروفيسور
جينفر داودنا
كيف استقبلتم د. جنيفر داودنا بعد فوزها بجائزة نوبل؟
كما تعلم فلقد أعلن عن فوزها بالجائزة يوم السابع من أكتوبر 2020. أذكر جيدا أنه فى تلك الفترة كانت الإجراءات الاحترازية من وباء كوفيد-19 مطبقة بالجامعة وكافة المؤسسات العامة، ونظرا لاختلاف التوقيت بين الولايات المتحدة والسويد فلقد أعلن أسماء الفائزين فى وقت متأخر من الليل بتوقيت كاليفورنيا. فى تلك الليلة كنت فى المعمل لوقت متأخر للاستكمال إحدى الدراسات وأتابع المؤتمر الصحفى للأكاديمية السويدية. وما إن أعلنوا عن اسم د. داودنا سارعت بكتابة رسالة تهنئة لها. وقالت لى فى صباح ذلك اليوم إننى كنت أول المهنئين. وحين جاءت للمعمل شكرت د. جنيفر داودنا جميع الباحثين فى معملها لدورهم المساند فى نشر أكثر من 20 بحثا عن تقنية «كرسبر كاس9».
هل تغيرت الأمور بعد فوزها بالجائزة؟
كلا.. نمط العمل ظل كما هو دون أى تغيير. فقبل الجائزة كانت د. جنيفر داودنا تدعى باستمرار لإلقاء المحاضرات فى مختلف دول العالم نظرا لشهرة أبحاثها. العكس هو الذى تحقق فبعد فوزها بالجائزة ونظرا لانتشار وباء كورونا وكثرة الإجراءات الاحترازية، فلقد مكثت معنا فى المعمل وقتًا أطول من السابق كما كانت تجرى أغلب محاضراتها الدولية عن بعد. إلى جانب ذلك، فلقد زارنا فى الفترة التالية للجائزة بصورة دورية وعلى مدار عام ونصف العام الكاتب الصحفى الشهير والتر أيزاكسون حيث كان يعد كتابا عن السيرة الذاتية للدكتور جنيفر ومزج ما بين المشهد الراهن ودور البحوث التى نقوم بها فى التغلب على الوباء وبدايات داودنا منذ الطفولة وحتى الفوز بجائزة نوبل. أذكر جيدا أنه كان يحضر معنا مناقشاتنا فى المعمل مع د. داودنا وكل المحاضرات والمؤتمرات التى شاركت بها، وكان يراقب باستمرار المشهد ويدون ملاحظاته.
وفى رأيى فإن السيرة الذاتية التى نشرها عن د. داودنا بعنوان the Code Breaker «كاسرة الكود» تميزت بتبسيط جهودها العلمية وشرح أفكارها بصورة بسيطة للجمهور غير المتخصص.
هل تلقيتم رسائل تحض على العنف لما تقومون به من أبحاث؟
دائما ما نتلقى مراسلات غريبة تتهمنا بأن ما نقوم به سيؤدى لهلاك البشر لكنها قليلة مقارنة برسائل الدعم والتشجيع أو استفسارات الجمهور عن إمكانية الاستفادة من التقنيات التى نبتكرها للشفاء من الأمراض الوراثية، فتلك الرسائل الأخيرة تمثل دافعًا كبيرًا لنا للاستمرار ومواصلة الأبحاث التى نجريها لمساعدة الناس وطرح علاجات للعديد من الأمراض الوراثية مثل السرطان.
ماذا كان رد فعل د. داودنا بعد استخدام تقنية«كرسبر كاس9» فى الصين لإجراء تعديل وراثى للأجنة؟
هذا الحدث وقع أواخر عام 2018 حين قام باحث صينى بتعديل جينى لـ«توءم» بالصين ولقد سبق أن تحدثت د. جنيفر داودنا عن هذا الأمر حيث أكدت أن إجراء التجارب على البشر حاليا باستخدام تقنية «كرسبر كاس9» هو عمل خاطئ وغير أخلاقى خاصة وأنه من المبكر جدا استخدام تلك التقنية حيث من الممكن أن تتسبب فى آثار عكسية وتغيير غير مقصود فى الجينات وهو الأمر الذى مازلنا ندرسه معمليا للحد من حدوث تلك الأخطاء المحتملة أثناء التعديل الجينى، كما نسعى أن تكون تلك التقنية قابلة للاستخدام فى المستقبل. كما حرصت على مناقشة فريقها البحثى، ونقل أفكارها لنا حتى نرد نيابة عنها على ما حدث فى الصين.
أثبت الباحث الصينى جيانكوى للعالم أن تحرير الأجنة البشرية سهل نسبيا ولكن من الصعب جدا القيام به بشكل جيد وآمن. وخلافا للإجماع فى المجتمع العلمى على أن تقنية «كرسبر كاس9» لا تزال تجريبية للغاية وخطيرة لاستخدامها فى الأجنة البشرية، قام بتطبيقها لتغيير جينومات التوائم إلى الأبد لمنحهم مناعة ضد فيروس نقص المناعة البشرية. فتلك التجربة المتهورة على الأجنة لم تحطم المعايير العلمية والطبية والأخلاقية فحسب، بل كانت أيضًا غير ضرورية من الناحية الطبية. فالطفلتان أجريت لهما ذلك الإجراء وهما فى مرحلة الأجنة بدعوى تجنب انتقال عدوى الإيدز لهما من الأب وهو أمر من النادر حدوثه إذا كانوا كذلك فيمكن للأدوية الحالية الحد من الإصابة. ويجب الإشارة إلى أنه منذ عام 2012، ركز العلماء على كيفية تطبيق تعديل الجينوم بأمان لعلاج الأمراض الوراثية، ومكافحة السرطان، وتسريع بحوث الدواء، وزرع وتطوير محاصيل مقاومة للآفات. فتلك التقنية يمكنها تحسين حياتنا بصورة هائلة.
لكنها قد تحدث أضرارا جانبية غير مقصودة وهو أمر مازال غير معروف. ولأن المجتمع العلمى يعمل على تحقيق ضمانات أقوى فى هذا الأمر، فإن ما قام به الباحث الصينى بتجاهل الشعار الطبى الأساسى المتمثل فى «عدم إلحاق الأذى» والمخاطرة بالعواقب غير المقصودة. ومن المرجح أن يتم تذكره باعتباره أحد أكثر حالات سوء الاستخدام المروعة لأى أداة علمية فى تاريخنا.
أخيرا ما الذى تعلمته من سنوات عملك تحت إشراف د. داودنا؟
أكثر شىء تعلمته خلال عملى مع د. جينيفر هو أن أطرح الأسئلة المهمة والتى لها تأثير على البحث العلمى والمجتمع. وخلال سنوات عملى معها حدث تطور رهيب فى تقنية التعديل الوراثى باستخدام تقنية كريسبر حيث ظهرت أدوات للتعديل الجينى أعلى كفاءة وأفضل من التقنية الأولى كما ظهرت ناقلات للجينات معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وهو ما يثبت أن بحوث التعديل الجينى تسير بشكل سريع جدا وأنا سعيد بأن أكون أحد المشاركين فى هذا التطور العلمى الكبير فى مجال الهندسة الوراثية. كما تعلمت ميزة العمل الجماعى والتى تمكنك من تحقيق نجاحات أكبر وأفضل بكثير من الأجواء التنافسية بين التخصصات المختلفة والعمل الفردى، ولولا تعاونى مع علماء من مختلف التخصصات مثل الزراعة والطب والكيمياء الحيوية والهندسة الوراثية لما حققت التقدم البحثى الذى وصلت له الآن. كما تعلمت أهمية التعلم من الظواهر الطبيعية المحيطة بنا فتقنية «كرسبر كاس9» تعلمناها من البكتيريا والتى تدافع بها عن نفسها من الهجمات الفيروسية. تلك الظاهرة الطبيعية والتى استفدنا منها لاحقا لتطوير وسائل التعديل الجينى بشكل أدق وأفضل من أى تقنية سابقة.
رابط دائم: