نوع خاص من الصحافة، يختلف عن الصحافة العادية، ويتنوع بحسب طبيعة المادة الصحفية، واهتمامات قرائها، داخل الصحيفة الواحدة، أو في دورية مستقلة بذاتها، سواء جريدة أو موقع إلكتروني أو مجلة.. إنها الصحافة المتخصصة التي تتنوع ما بين سياسية وعسكرية ودينية ونسائية ورياضية وفنية وأدبية واقتصادية وعلمية وبيئية وثقافية ودبلوماسية وسياحية وصحية وساخرة، وصحافة: حوادث وجرائم، أو أطفال وشباب، أو عمال وأحزاب، أو برلمان ونواب.. إلخ.
ومن نافلة القول تأكيد أن المستقبل للصحافة المتخصصة، وأن التوجه العالمي حالياً هو نحو زيادة عدد الصفحات والأقسام الصحفية المتخصصة، والدوريات التي تخاطب جمهوراً بعينه.
وللصحافة المتخصصة دور مهم في تنمية المجتمعات، لا يقتصر على توفير المعلومة بقدر الإسهام في صُنع القرارات، ورسْم السياسات، وترشيد الأداءات. وكلها تجمعها، كصفحات ودوريات، سمات مشتركة، وأخرى فردية، بالنظر إلى طبيعة موادها، وجمهورها المستهدف.
وأول سمات هذه الصحافة أنها تعكس نوعية خاصة من المادة المقدمة، وأنها تخاطب شريحة محددة، وجمهوراً نوعيًا من القراء، يغلب عليه نمط ثقافي معين، أو يهتم بموضوعات معينة، لذلك سُميت تلك الصحافة ب "المتخصصة".
ومن أبرز سماتها أيضًا الحرص على وضوح الفكرة، وبساطة العرض،بمعنى أنه يمكن لأي قارئ مهما كانت درجته تعليمه أو ثقافته أن يفهم موضوعاتها ببساطة، فضلا عن اضطلاعها بدور مهم في إطلاع القارئ على كل ما هو جديد ومثير في التخصص الذي تغطيه، مما يُُولع به القارئ، باعتبار أنه يكشف الخبايا والأسرار، والحياة الخاصة لرموز المجتمع، ونجومه..إلخ.
وللكتابة المتخصصة ضوابط أولها التبسيط سواء تقريب المفاهيم وتبسيط المطلحات أو الأرقام أو الحقائق أو المعلومات، مع حُسن تفهيمها للقارئ، بحيث تأتي واضحة في المبنى والمعنى، ولا تحتاج إلى مذكرة تفسيرية؛ لأن الأصل في القارئ أنه عادي، وليس متخصصاً.
وبجانب الالتزام بالدقة، لا سيما عند التعامل مع المصطلحات الجديدة، يأتي معيار "أهمية" المادة المقدمة في الاعتبار، بمعنى تقديم المحتوى الذي يهم القارئ فعلاً، من خلال تناول قضايا مرتبطة بواقعه المُعاش، وليس ما يريد المصدر أو المسئول توصيله من بيانات أو تصريحات أو آراء للجمهور، لأنها قد تكون نوعًا من الدعاية المقصودة، على حساب الحقيقة.
ويقع على الصحافة المتخصصة أعباء كثيرة ومن عوامل نجاح الصحافة المتخصصة كذلك "أنسنة" الموضوعات، بمعنى عدم التعامل معها على أنها أرقام جافة، أو معلومات مجردة، وإنما ربطها بالواقع "الإنساني" الذي تنبثق منه، ويتفاعل معها، مع استقصاء تأثيراتها الاجتماعية على حياة الأمم والأفراد، من حيث السلب والإيجاب، بحيث يكون "الإنسان" هو "البطل"..لا المصطلح، أو الرقم.
ولا يكفي في الكتابة الصحفية المتخصصة سرد المعلومات، وإنما لابد من البحث في أغوارها، والتفتيش عن الظواهر المتعلقة بها، أي: مراعاة روح الاستقصاء والعمق فيها، فليس يكفي أن يغطي المحرر ندوة، أو يأتي بخبر تقليدي، أو يكون همُّه تصريحات مسئول، وإنما يجب أن يتجاوز الحدث والرقم والتصريح إلى ما وراءهم جميعًا، من أقضية وحقائق وتطورات تتسم بالحداثة، وتجذب انتباه المتلقي، وتشغل بال الرأي العام، وتفتح مداركه على واقع مختلف.
ويجب أن يكون أسلوب الكتابة في الصحافة المتخصصة قصصيًا سرديًا، قائمًا على التشويق والجاذبية، ومستخدمًا اللغة البسيطة السهلة، ومصورًا الخلفية والسياق، للشخوص والأجواء، كأننا نشاهد فيلمًا، وليس -فقط- نقرأ مقالًا، أو نتابع فضائية، لا نطالع صحيفة.
ويبدأ العمل الصحفي (المتخصص) عادةً بقصة أو زاوية محددة، مستعرضًا التفاصيل في مرحلة لاحقة، بحيث يتم ترتيب الأجزاء والفقرات بتسلسل منطقي، مع التركيز على الزوايا الأكثر إثارةً لاهتمامات القراء، في خلال العرض المتوالي.
ويقع على الصحافة المتخصصة أعباء كثيرة، أبرزها القدرة على الإبداع، والأنسنة، وتفجير القضايا، وفتح الملفات المغلقة، والدخول إلى المناطق الخطرة، وإثارة الجدل حول المسكوت عنه، مع ابتكار طرق جديدة في سرد القصص، وإضافة السياق والخلفيات، والابتعاد عن طرح الأسئلة النمطية :(من، ماذا، متى، أين، لماذا) بشكل رتيب، مع الالتزام بالفكرة الأساسية، وعدم الخروج عنها إلى قضايا فرعية، كي لا يتوه القارئ أو يتعرض فهمه للتشويش.
أما أكبر خطأ يقع فيه الصحفي المتخصص فهو الاستسهال، واعتماد أسلوب "قال، وأكد، وأضاف، وصرح"، فيما يتعلق بالحوارات، والتصريحات، والنُقُول، أو أسلوب "القص واللصق"، فيما يخص الدراسات والأرقام، إذ يأتي على ذكرها و"رصها" رصًا؛ كما أوردتها وكالات الأنباء، أو المصادر، دون إبداع في تقديم معالجة مبتكرة.
والأمر هكذا، "طوبى" للغرباء في الصحافة المتخصصة، الذين يحاولون الأخذ بأيديها، بإبداعهم، ونزاهتهم.. وسط ظلام متراكم، وموج متلاطم.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد رابط دائم: