-
غياب المفكرين أصحاب النظريات المرجعية أصبح مشكلة عالمية
-
إسهام المرأة فى الدراسات اللاهـوتية ســيجدد البشــرية
-
مكتبة المعهد تضم 180 ألف مــؤلـف و1800 عنوان مجلة دورية
«معهد ودير ومكتبة» تشكل كيانا ثقافيا ومعرفيا مهما فيما يتعلق بدراسات التراث الإسلامى والحضارة العربية، يعرف بمعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان أنشىء الدير عام 1928 فى قلب حى الظاهر وعلى بعد خطوات من الأزهر الشريف. وأما المعهد فتأسس عام 1953 بفضل ثلاثة من أهم دارسى الفلسفة الإسلامية هم الأب جورج قنواتى، الأب جاك جومييه، سيرج دى بوركى. نظم المعهد عبر تاريخه الطويل مئات المؤتمرات التى كانت جسرا للفهم والحوار بين الإسلام والمسيحية. ثم جاءت مكتبته بوتقة تضم أمهات الكتب فى التراث الإسلامى. لتكتمل المنظومة فتكون قبلة الدارسين من كل الجنسيات.
..................
ويمكننا القول إن تأسيس هذا المعهد جاء ترجمة لمنطلقات الرهبنة الدومينيكة التى أسسها القديس دومينيك «1170 ــ1221»، فى القرن الثالث عشر بجنوب فرنسا كإحدى الرهبانيات الكاثوليكية التى تركز على البحث العلمى والمعرفة والحوار بين الثقافات. ومنذ الوهلة الأولى لتأسيسها تعرفت الرهبنة الدومينيكة على الفكر الإسلامى عندما قام علماء اللاهوت الدومينيكان بأخذ الفلسفة اليونانية نقلا عن العربية كما فعل توما الأكوينى حين كتب شروحا لأعمال ابن رشد وابن سينا الفلسفية.
ثم فكر الدومينيكان فى تأسيس دير لهم فى قلب القاهرة، فأسس أنطونين جوسان الدير فى شارع الجيش قريبا من منارة الإسلام فى العالم «الأزهر الشريف»، وتأسس الدير ليكون امتدادا لمدرسة القدس للكتاب المقدس لدراسة الآثار المصرية.
ثم جاء التفكير فى تلبية دعوة الفاتيكان لدراسة الإسلام بهدف فهمه بعيدا عن أى أغراض تبشيرية أو تنصيرية.
لبت هذه الدعوة ثلاثة أسماء مهمة أسست بجانب الدير معهد الدومينيكان للدراسات الشرقية هم: الأب جورج شحاتة قنواتى، المتخصص فى فلسفة ابن سينا وعلم الكلام وصاحب المؤلفات المهمة منها: المسيحية والحضارة العربية، مؤلفات ابن رشد، مؤلفات ابن سينا، وكان من أبرز دعاة مكافحة التطرف والسلام بين الأديان.
الأب جاك جومييه وهو مستشرق فرنسى متخصص فى التفسير ودرس مجلة المنار وله دراسة عن المحمل وقافلة الحجيج بمكة. كما أنه صاحب أول دراسة أجنبية عن ثلاثية نجيب محفوظ.

الأب سيرج دى بوركى تخصص فى الفلسفة والتصوف بتوجيه من أستاذه لويس ماسينيون. غاص دى بوركى فى دراسات التصوف وتولى كرسى تاريخ التصوف فى جامعة كابول
يضم المعهد حاليا عددا من الآباء الدومينيكان و باحثين غير لاهوتيين مسلمين ومسيحيين أعضاء، ليصبح المعهد بذلك شبكة دولية للباحثين من عدة جنسيات. ملحق به مكتبة مفتوحة للجمهور تقريبا مجانية ومن حق طلبة الدراسات العليا استخدامها، وهى تضم: 180 ألف كتاب تخص الحضارة العربية الإسلامية خصوصا خلال القرون العشرة الأولى من المصادر التراثية التى تمثل مرجعا أساسيا للباحثين. ويحرص المعهد على اقتناء كل المحققات للمخطوطات التراثية.سواء كانت لمصريين أو أجانب.عندنا مؤلفات تعود إلى القرن التاسع عشر.
كما تضم المكتبة 1800 عنوان مجلة دورية. مما يجعلها أهم مكتبة فى العالم للدراسات الإسلامية.
بدأت حوارى مع الأب إيمانويل بيسانى رئيس معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان، من تناول تاريخ المعهد وسياساته وأهدافه، إلى الحديث عن فكر الإمام أبى حامد الغزالى الذى تخصص فيه الأب إيمانويل وعن حاضر ومستقبل الحوار الإسلامى المسيحى.
فبدأت بسؤاله عن مدى الدور الذى لعبه المعهد منذ تأسيسه فى خمسينيات القرن الماضى، فى إعداد قاعدة منهجية فلسفية لهذا الحوار، وكانت إجابته:
هدفنا السماح للاهوتيين المسيحيين بفهم المصادر الأساسية للإسلام من خلال ما كتبه الباحثون المسلمون أنفسهم.
إضافة إلى تنظيم ندوات لمساعدة الباحثين على اكتساب المنهجية التى يستطيعون بها فهم وقراءة النصوص التراثية ومعرفة السياق الذى كتب به النص حتى يتمكنوا من تفسيره.من بين أنشطة المعهد تنظيم مؤتمرات وندوات ومحاضرات ومجلة علمية تتضمن مقالات بالعربية والفرنسية والإنجليزية. لدينا كرهبان مسيحيين تحدى أن نقيم حوارا إسلاميا مسيحيا لاهوتيا حقيقيا لا مجرد كلام وصور.نستقبل فى المعهد مفكرين مصريين يشاركونا بأفكارهم وآرائهم حول القضايا المعاصرة. ولنا شركاء من معاهد أخرى.
لدينا اتفاقية مع مؤسسة الأزهر، ومع معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، معاهد أوروبية فى مصر مثل المعهد الفرنسى للآثار الشرقية والمعهد الفرنسى لدراسات التراث سيداج، واتفاقية مع المفوضية الأوروبية وبرنامج «أدوات» الذى يمكن الشباب المصريين من تعلم الفرنسية ويمكن أساتذة مصريين من السفر الى اوروبا لحضور الندوات والمؤتمرات وبهذا نحقق الانفتاح على العالم كله.
تخصصت فى دراسة فكر أبى حامد الغزالى، فما جوهر هذا الفكر كما قرأته وأهميته لإجراء الحوار الإسلامى المسيحى؟
اهتممت بدراسة فكر أبى حامد الغزالى عن غير المسلمين، فقد كان يتساءل عن مصير غير المسلمين بعد الموت هل سيدخلون الجنة أم النار. اكتشفت أن الغزالى كان لديه انفتاح على الآخر بشكل معاصر. وطرح تساؤلات كان مقتنعا بضرورة عدم تجاهلها وهو ما يجب أن يبنى عليه الحوار الإسلامى المسيحى. لأننى إذا فكرت أن الطرف الآخر ليس له خلاص فلماذا يتم الحوار من الأساس طالما أن هدف الحوار سيكون رده عن دينه واعتناق ما أدين به حتى يكون له مكان فى الجنة.
لكن إذا احترمته وأدركت أن له خلاصا فى دينه سأصغى بجدية لكلامه رغم اختلافه عنى. الغزالى يؤكد أن الرحمة الأبدية لا يمكن أن تلغى لغير المسلمين. هذا الفكر الذى طرحه الغزالى يؤسس للحوار الإسلامى المسيحى حاليا. فهو يقدم لنا أساسا فقهيا لخدمة الحوار فى عصرنا الحالى، والسؤال حول الغيرية وعلاقة الاسلام بالديانات الأخرى، هو سؤال حول الآخر والإنسانية وحرية الضمير وحرية الاعتقاد والاعتناق.
هل هناك نماذج أخرى من الفلاسفة المسلمين والمسيحيين من القدماء والمحدثين يمكن أن نقتبس من أفكارهم قاعدة لترسيخ مفهوم الإخاء؟
هناك أفكار لدى الترمذى و الجيلى و ابن عربى، وحتى ابن تيمية فهو ورغم أفكاره المتشددة كان يؤمن بأن الله فى العالم الآخر سيخلص كل البشر، وأن النار ليست أبدية وسيكون لها نهاية ليدخل الجمبع الجنة. فيما يتعلق بالفلاسفة المعاصرين، فهناك فريد ايزاك من جنوب أفريقيا،محمود ايوب، فرانسوا جونييير، كينيث دراج انجليزى، المستشرق الفرنسى لويس ماسينيون أستاذ طه حسين، ورغم أن ماسينيون لم يكن لاهوتيا فقد شارك كثيرا فى الحوار بين الثقافات.
لكن فى العصر الحالى هناك أزمة فكرية فى العالم أجمع فهناك غياب للمفكرين الكبار الذين لديهم أفكار قادرة على تجديد الفكر وتنوير العالم وان يكونوا مرجعية.
إلى أى مدى يمكننا القول إن المستشرقين ساهموا فى تقليل الفجوة الفكرية بين الشرق والغرب؟
هناك نوعان من المستشرقين: الأول يدرس الشرق كأنه مشروع دراسة بسيط كدراسة العمارة فى العصور الوسطى، الثانى يدرسه بهدف خلق جسر بين الشرق وسائر العالم. بالنسبة لنا فى معهد الدومينيكان فنحن ندرس الشرق بهدف خلق آفاق وجسور تجعل الآخر بالنسبة لنا أقل غرابة وأن يكون مألوفا أكثر.
هل ترى التصوف نقطة تلاقى بين المسلمين والمسيحيين مع وجود نقاط تماس بين التصوف والرهبنة؟
التصوف هو الجانب الروحانى فى الاسلام والروحانية لا تعرف الاختلاف بل توحد البشر. فالتصوف وحد بين الديانات المختلفة والبشر. لكن علينا إدراك أن هناك متصوفين لكن متطرفين، لذا نحن فى المعهد نظهر التجارب الصوفية ونحذر من التعميم ونهتم بالتفاصيل.
بشكل عام رجال التصوف رجال سلام؛ فهم يرون أن الجهاد الأكبر ضد النفس وليس ضد الآخر وأن الخبرة الروحية هى خبرة حميمية وبالتالى من الأسهل مشاركتها مع الآخر.
لماذا ابتعدت المرأة عن تقديم إسهامات فلسفية فى الفكر اللاهوتى.. هل تعتقد ان هذا راجع بالفعل إلى أن المرأة عدو للفلسفة بوجه عام؟
هناك علماء لاهوت نساء قدمن إسهامات ممتازة فى إعادة قراءة المصادر الإسلامية وأوضحوا لنا أن ما كنا نراه بديهيات ليس كذلك، لكن أمثال تلك المساهمات لا يلقى الضوء عليها؛ فالحديث دوما عن اللاهوتيين الرجال دون النساء وضحوا انها ليست بديهية ولا حاجة اشتغلوا عن الاسلام والمراة. وأنا أعتقد أن البشرية كلها فى حاجة إلى نساء فلاسفة فلديهن القدرة على تجديد البشرية.
كيف ترى وثيقة الإخاء بين شيخ الازهر والبابا فرنسيس الثانى؟
هى وثيقة تاريخية فمنذ بداية الإسلام لم يحدث أن اجتمع بابا كاثوليكى مع أهم رجل دين معبر عن الإسلام السنى ليكتبا معا وثيقة بهذا الشكل. وهذا أمر استثنائى الوثيقة تعالج موضوع مهم للغاية، وهو الإخوة بين كل البشر بدون تمييز خصوصا التمييز بناء على الديانة. أعتقد أن العالم سيكون أفضل حالا إذا تم العمل بهذه الوثيقة. التحدى الحقيقى أن تنفذ على أرض الواقع، ولذا فأنا متفائل بوجود مبادرات فى العالم الإسلامى لقراءة الوثيقة؛ففى جناح مؤسسة الأزهر بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، كان يوجد رف مخصص لما كتب عن الوثيقة للتعريف بها وبمحتواها وتفسيرها ووضع طرق لتنفيذ محتواها.والأمر المطمئن أن الشيخ والبابا لم ينسيا الوثيقة ودائما ما يذكرانها فى كل مناسبة. كما أن مفهوم الإخوة أصبح مستخدما بفضل وثيقة الإخاء، فقد صاغت جامعة الدول العربية فى مايو الماضى وثيقة عن المبادىء المشتركة وكانت تتحدث عن الإخوة.
ما معوقات الحوار الإسلامى المسيحى من الناحية الفلسفية كما تراها؟
أولا الوضع العالمي؛ فى العالم يعانى من حروب ومشاكل اقتصادية ومجاعات..وفى ظل هذا لا نستطيع أن نجعل الحوار هو القضية الأولى. إلى جانب معوقات ايديولوجية ولاهوتية، فلابد من تأسيس حوار داخل كل ديانة على حدا حتى يتسنى للديانتين التحاور بعد فيما بينهما وإلا جاء الحوار سطحيا خاليا من فحواه.
رابط دائم: