فى نوفمبر الماضي، وخلال الساعات التى تلت إعلان دولة جنوب إفريقيا الكشف عن المتحور الجديد لفيروس كوفيد- 19 والذى أطلق عليه لاحقا اسم «أوميكرون»، لم يكن لأحد من أبناء الدولة الواقعة أقصى جنوب القارة السمراء أو مسئوليها أن يتخيل أن العالم سيعاقبهم وينبذهم بدلا من الإشادة بعلمائهم ونزاهتهم والعمل وسرعة تحركهم لفهم سلوك المتحور الجديد ووضع خطة للتغلب عليه.
فوسط حالة من الهلع والفزع، نسى قادة العالم المتقدم الوعود التى قطعوها فى قمة العشرين فى أكتوبر الماضى للتعاون معا من أجل إعادة بناء قطاع السياحة العالمي، فى محاولة للتعافى من تبعات شهور مضنية من تعليق الطيران العالمي. ولكنهم تجاهلوا تأثير مقاطعتهم الفورية لجنوب إفريقيا وجيرانها وتأثير مثل هذا الإجراء على حياة الملايين فى دول تكافح أساسا لبناء اقتصاد قوى للحاق بآخر عربات قطار التقدم السريع، وهو ما دفع هذه الدول للمزيد من الفوضى الاقتصادية.
بالطبع الوقت لايزال مبكرا للحديث عن الآثار الاقتصادية المترتبة على هذه الإجراءات بخصوص جنوب إفريقيا، وفى دولة يعتمد اقتصادها على السياحة وكان من المفترض أن تبلغ ذروة الموسم السياحى خلال الشهر الحالي، فإن المؤشرات تؤكد أنه تم بالفعل إلغاء ما قيمته أكثر من مليار راند- العملة المحلية لجنوب إفريقيا- من الحجوزات منذ الإعلان عن قيود السفر والتى بدأتها بريطانيا وتلتها دول أخرى، وذلك مع الوضع فى الاعتبار أن هذه الخسائر تمثل فقط القشور السطحية للتأثير الاقتصادى ولا يشمل الأموال التى كان المسافرون ينفقونها فى المطاعم ومحلات بيع الهدايا أو على وسائل النقل والنفقات اليومية الأخرى، وبالإضافة أيضا للخسائر اليومية التى يتسبب وضع البلاد على القائمة الحمراء والتى تم تقديرها بشكل مبدئى بـ 26 مليون راند، العملة المحلية لجنوب إفريقيا.
والسؤال هنا، هل أثبتت القرارات الخاصة بحظر الطيران فعالية فى احتواء الفيروس التاجى ومحاصرته؟ والإجابة هنا أن هذه القرارات التى استخدمت لأول مرة لاحتواء كوفيد – 19 غير ناجحة إلى حد كبير، إلا فى الدول الجُزرية مثل أستراليا ونيوزيلندا، التى أغلقت حدودها أمام بقية العالم خلال المراحل الأولى من هذا الوباء، غير أنه وبشكل عام، أدرك العالم أنه لا يمكن احتواء انتشار الفيروس عبر منع السفر، حيث إن الإعلان عن الفيروسات ومتحوراتها يكون فى الأغلب بعد خروج الحالات. وهذه الإجابة تنقلنا إلى سؤال مُلح آخر، يتعلق بالإجراءات التى كانت لتتخذها دول العالم إذا ظهرت هذه المتحورات فى إحدى دول أمريكا الشمالية أو أوروبا الغربية، فهل كان سيتم تنفيذ حظر سفر مماثل؟ أم أن جغرافية جنوب إفريقيا والناتج المحلى الإجمالى المنخفض نسبيًا هى التى تجعلها هدفًا لهذه القيود، على الرغم من الخدمة التى قدمتها للعالم من خلال دق ناقوس الخطر بسرعة للتحذير بشأن المتحور الجديد؟
حتى هذه اللحظة لا يملك العالم معلومات مؤكدة حول «أوميكرون»، ولكن ما نعرفه أن حظر السفر قرار مثير للجدل بشكل كبير ولا يراعى تعرض اقتصاد دولة مثل جنوب افريقيا لضربة كبرى وما يستتبعه من تعرض النظام الصحى لانتكاسة، أو حتى النظر لوصمة العار ، ونبذ شعب بأكمله، المرتبط بحظر السفر، وهو ما يؤجج الكراهية والعنصرية، بدلا من التركيز على العمل معا لتطوير اللقاح والعمل على توزيعه بشكل عادل.
رابط دائم: