أزمة سياسية وانهيار اقتصادى وفوضى للسلاح..ربما هى ٣ سمات مشتركة ما بين أحداث الحرب الأهلية اللبنانية من ١٩٧٥ إلى ١٩٩٠، وما بين «أحداث الطيونة» الأخيرة، لتتكرر معها المشاهد نفسها، بل وتطرح السؤال: هل هى شرارة حرب أهلية جديدة؟. ورغم تشابه الظروف والمشاهد ما بين الأمس البعيد واليوم القريب، مع حضور اللاعبين أنفسهم فى الأحداث، غير أن الاختلاف هنا يبدو واضحا فى تغير التحالفات. فأعداء الأمس فى زمن الحرب الأهلية (حركة أمل وحزب الله)، قد أصبحا حليفين اليوم فى أحداث الطيونة.
وكانت بدايات الحرب الأهلية اللبنانية قد شهدت ولادة «أمل» فى ١٩٧٤، بينما شهد عام١٩٨٢ ظهور «حزب الله»، ليتقاتل الفريقان فيما بينهما على مناطق النفوذ والسيطرة، فيما أطلق عليه وقتها «حرب الأخوة»، كونهما يمثلان المكون الشيعى فى جنوب لبنان والبقاع. وظلت المواجهات المسلحة قائمة بين أمل وحزب الله على فترات متقطعة، منذ ١٩٨8 وحتى ١٩٩٠، حيث تم توقيع اتفاق سلام بين الجانبين، برعاية سوريا وإيران، باعتبارهما الدولتين الداعمتين لطرفى النزاع. وليبدأ من بعدها «الأخوين» فى سطر تاريخ جديد كـ «حيلفين»، بل وكـ«كتلة معطلة» عبر سنوات للحياة السياسية اللبنانية، فى مواجهة مختلف القوى الأخرى، وكممثلين لقوى خارجية ضد إرادة الدولة ورغبة الشعب. وفى أحداث الطيونة، وقف حزب الله وأمل «كالعادة» فى مواجهة سعى الدولة نحو تلبية الرغبة الشعبية، فى الكشف عن المسئولين عن انفجار ميناء بيروت، من خلال استكمال التحقيقات، بحجة ما وصفه أمين عام حزب الله بـ «تسييس التحقيق»، من جانب المحقق المسئول طارق بيطار، الذى قام باستدعاء الوزيرين السابقين للمال والأشغال، وهما على حسن خليل وغازى زعيتر، المنتمين لحركة أمل. وقبل أيام من اندلاع الأحداث الدامية، كان تهديد حسن نصر الله واضحا وصريحا، حيث حذر من «كارثة» إذا ما تابع بيطار تحقيقاته، متهما إياه بـ«تصفية حسابات سياسية»، ومطالبا بقاض «صادق وشفاف» لاستكمال التحقيق. ومع فشل حزب الله وأمل، فى إجبار الحكومة الوليدة برئاسة نجيب ميقاتى على تنحية بيطار، قرر الفريقان الدفع بأنصارهما إلى الشارع، للتظاهر والاحتجاج أمام قصر العدل، لتتحول المظاهرات إلى حرب شوارع ومواجهة مسلحة، بين المنتمين للحركة والحزب مع قناصين اعتلوا أسطح البنايات المحيطة، والذين لم يعرف حتى الآن إلى أى جهة ينتمون، ولتستعيد لبنان ذاكرة الحرب. وفى أعقاب الأحداث، رفع مسئولو حزب الله وأمل من درجة التوتر، بإلقائهم بالمسئولية عن العنف على حزب القوات اللبنانية، وهو ممثل الطائفة المارونية وأحد اللاعبين الرئيسيين خلال الحرب الأهلية، والعدو القديم للوجود السورى فى لبنان، بل وأكبر الداعين لتجريد حزب الله من سلاحه. ووجه نصرالله اتهاما صريحا لقائد حزب القوات سمير جعجع، بالتدبير والتخطيط لما وصفه بـ «مجزرة الطيونة»، مشيرا إلى أن «البرنامج الحقيقى لحزب القوات اللبنانية هو الحرب الأهلية»، ومحذرا من أن «عناصر حزب الله مدربون ومجهزون ولديهم تجارب، وعددهم 100ألف مقاتل».
وفى ظل الإصرار الواضح على استخدام لغة التصعيد، من جانب حزب الله وأمل، استغلالا لأحداث الطيونة، فإن هناك من يرى أن الأمور لن تخرج عن سقف الخطابات والبيانات، خاصة مع تجنب القوى الأخرى للاستفزاز، فى ظل اليقين أن الشارع لم يعد يحتمل المزيد من الاضطرابات، ومن ثم استبعاد احتمالية نشوب حرب أهلية جديدة. لكن ذلك لا ينفى حقيقة أن ذاكرة الحرب الأهلية لاتزال حاضرة فى لبنان، فلا زال اتفاق الطائف يحكم النظام السياسى فى البلاد، والذى أعطى الحق لميليشيات الجنوب الاحتفاظ بسلاحها، بحجة استمرار الاحتلال الإسرائيلى، وهو الوضع الذى أصبح فى حاجة ماسة للمراجعة، خاصة مع تحول هدف السلاح من العدو إلى الداخل، الأمر الذى أصبح مهددا لسيادة الدولة وأمنها واستقرارها.
رابط دائم: