رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الفلاحة ماتت.. «لازم نسلم نفسنا»!

«داعش» خطفت، اغتصبت، قتلت، حرقت، ذبحت، دمرت، فليس هناك جريمة ضد الإنسانية إلا وارتكبتها، فى كريشندو الخراب العربى، ومن الجائز أن نتهم فيه قوة معادية تمول وتسلح الإرهاب، ومن المحتمل أن نتبرأ مما يرتكب، ولكن لا يمكن أن نبرىء أنفسنا مما يجرى علينا بأيدى البعض من المحسوبين علينا!

ربما تفسر لنا النظرية البراجماتية عنوان الثقافة الأمريكية الازدواجية الأمريكية، بدعم الإرهاب ومحاربته فى نفس الوقت، فتقيم تحالفا لضربه فى العراق والشام، وتبحث عن حل سياسى فى ليبيا، وتتهم المسلمين بالتطرف بينما تتحالف مع الجماعة التى تعتبر «القاعدة» الحقيقية للتطرف، والتحدث باسم «الله» سبحانه وتعالى، وليس هذا غريبا على الفلسفة البراجماتية، التى تنظر للأشياء بما تحققه من نفع، فالمعيار الوحيد على الحكم على الفكرة أو النظرية، ما تحققه من حل المشكلات، فتلوذ بالوقائع الجزئية، لا بالأفكار الكبرى المجردة، فالنتائج المرغوبة لكل موقف هى ما تحدد صلاحية الطريقة التى تحققها، فالتحقق العملى من كل فكرة أو فرض هو المعيار على صحتها أو خطئها، وكما نرى أن تحالف أمريكا المؤقت مع القوى المتطرفة يسير بخطوات ملموسة نحو تفتيت هذه المنطقة، التى تعتبرها متخلفة وتعج بالأيديولوجيات المتطرفة، وتوحدها تحت لواء قومى عربى، أو دين إسلامى، يشكل تهديدا قويا لمصالحها البعيدة، فكما نرى النفط العربى فى متناول يدها، وأمن إسرائيل يتحقق بقبولها بالمبادرة العربية الشاملة، ولكن الأطماع الإمبراطورية لا تريد من العرب شيئا، بقدر ما تريد شيئا عبر العرب، بأن تسيطر على المنطقة وتعيد تشكيلها بقوى طائفية هشة، خاضعة لمشيئتها بطبيعة تكوينها الفسيفسائي، لتتحكم أمريكا فى القوى العالمية المناوئة لها فى آسيا، ولتذهب العروبة وأبناؤها إلى جحيم الاقتتال الداخلى، فى سبيل الفوز فى التنافس الدولى الإمبراطورى!

فالغرب وعلى رأسه أمريكا، لم يفقد رشده ليناصر الإرهاب، الذى أوجعه كما لم يوجع من قبل، فتحاربه بكل ما أوتت من ذكاء العلم والفلسفة، فحولته من سلاح عليها، لسلاح فى يدها! تعرف كيف تستخدم حديه، ليقوم بتطبيق وظيفى عملى لضرب أنظمة سياسية لا يهمها استبدادها بقدر عنادها للمشيئة الأمريكية والغربية، حتى الأنظمة الحليفة لها لا تهمها فى شىء، ففى الفلسفة البراجماتية، لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة.. إنما.. مصالح فقط، مصالح دائمة! فمقولة «لماذا يكرهوننا» ليس لها محل من البراجماتية فهم لا يحبوننا ولا يكرهوننا لكن فقط يحبون أنفسهم، فيلعبون بالبيضة والحجر!

ورغم أن البراجماتية قد تفضل الأنظمة السياسية السابقة لأنها أكثر تقدما من الواقع الثقافى لعموم الشعب، وتدرك طبيعة التعقيدات الدولية، وصراع المصالح، فإنها تدرك أيضا أن تلك الأنظمة أصبحت سيطرتها ضعيفة على المجتمع، الذى تسيطر عليه القوى الدينية المتطرفة، فإن قمعتها أصبحت استبدادية، وإن تركتها تحولت تلك الدول إلى دول دينية متخلفة، ولكن لها مقومات وثروات قوية، فمن الأفضل حسب البراجماتية أن تتحول أسهم الإرهابيين إلى مجتمعاتهم التى تؤيدهم، وتتفتت الدول القوية، إلى كيانات هشة تخضع لإمرة أصحاب المصالح التى خلقتها، وتتحول الثقافة الإسلامية المقاتلة ــ كما يعتقدون ــ إلى نحور أصحابها!، الذين وصفهم الرئيس (نيكسون) فى آخر كتبه بالعدو الأخضر، ويصنفهم أغلب المستشرقين الغربيين بأنهم أشد خطرا من العدو الأحمر، فروسيا تشترك معهم فى نفس الثقافة العامة، بينما إله المسلمين حسب القس (فرانكلين جراهام) إله شرير، ليس نفس الإله الذى يعبدونه، إنه دين شرير يدعو لإيذاء الآخرين، وهو ما تحققه لهم «داعش» على قدم وساق! فتنزع المكون الأخلاقى والإنسانى من الدين! ومن هنا أساس المقاومة العربية الجديدة لإثبات فشل الطرح البراجماتى لا النظرية فى حد ذاتها!

إنقاذ الأمة العربية والدين الإسلامى والعالم كله من خطر الإرهاب، والتيه الذى فاق سنوات التيه لشعب الله المختار، جاء من شعب مصر بتحمل مسئولية الإنقاذ، بعد مخاض تاريخى صعب، خرج منه كطائر (الفينق)، يبحث عن تجديد بنيوى فى الطرح السياسى والفكري، فيتصدون، فى الشارع ومواقع التواصل الاجتماعى وصناديق الانتخاب، لأصحاب المقولات التعميمية، التى لا تفرق بين الممكن والواجب، والتكتيكى والاستراتيجى، وتهدد مؤسسات الدولة فى هذه اللحظة المفصلية فى تاريخ بلادنا والعالم، نحو منعطف يرتفع إلى المصيرية فى دلالاته، بنضوج فكرة الدولة لدى كل الشرائح الاجتماعية، فتنفر من كل ما يهددها ويمس وحدة البلاد، باستخدام أطر اصطلاحية شمولية غير رصينة، خارج الرؤية الواقعية التى تمس حياتهم، وتربكها فى تعميمات اصطلاحية غير عملية، فما حدث من فوضى حولها الخيار الشعبى إلى خلاقة، تبشر بطاقة تاريخية، وقوة تشكيل ثقافى وروحى وسياسى وحضارى، تعيد الاعتبار للمجددين من مفكرينا الذين عانوا الاضطهاد طوال القرن (20)، على رأسهم (نجيب محفوظ) الذى أطلق صيحته فى ( ثرثرة فوق النيل)، للاعتراف بالخطأ.. الفلاحة ماتت.. لازم نسلم نفسنا! (فلنسلمها للعقل والعقلانيين!).


لمزيد من مقالات وفاء محمود

رابط دائم: