تحولت المنطقة الصحراوية بالعياط إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف، لتصبح تلك المنطقة ساحة للاقتتال من أجل الاستيلاء على أراضى الدولة فى معركة متواصلة منذ ما يقرب من 3 سنوات وبالتحديد عقب ثورة 25 يناير 2011 وبعد أن صدر الحكم ببطلان امتلاك أحد شركات الاستثمار الزراعى واستصلاح الأراضى لتلك المساحة والتى تبلغ أكثر من 46 ألف فدان قامت على مدار سنوات بتجريفها والتنقيب عن الآثار بها .
حتى إنهم باعوا الرمال لأعمال البناء بملايين الجنيهات بحجة استصلاح و استزراع تلك الأراضى، كل ذلك كان يتم تحت وطأة البلطجة والعنف من قبل مجموعة من الهاربين من الأحكام و الخارجين على القانون وكان هذا القرار بمثابة حل الإنقاذ لسكان المنطقة التى تعانى فقرًا شديدًا واعتقدوا أن الأمور تعود إلى نصابها إلا أن أصحاب رؤوس الأموال والبلطجية والمنقبين عن الآثار جعلوا من تلك المنطقة إرثا لهم وحدهم، مستغلين فترات القلق والاضطرابات التى شهدتها البلاد لتتحطم آمال وأحلام شباب تلك المنطقة على صخور جشع هؤلاء الذين تحولوا إلى عصابات منظمة.
بدلا من استزراع الصحراء قامت المافيا بتبوير الأرض وبيع الرمال والتنقيب عن الأثار
ففى الوقت الذى اعتقد أهالى تلك المنطقة أن المتورطين فى الصفقة الحرام من رجالات الحزب الوطنى ونواب برلمان ووزراء سابقين الذين تحكموا فى أرزاقهم و أحيائهم و أمواتهم الذين استولوا على مقابرهم طيلة سنوات طويلة قد انتهى جبروتهم، اكتشفوا أن هناك عشرات المستنسخين منهم، فالمنطقة الصحراوية بالعياط التى فوجئ سكانها بقيام الدولة قبل الثورة بتخصيص 26 ألف فدان لتلك الشركة بواقع 200 جنيه لكل فدان على أساس أنه سيتم استصلاحها وزراعتها إلا أن سنوات مرت ولم يتم استصلاح سوى فدادين قليلة منها وهو ما أدخل الريبة لدى الدولة فى نية الشركة التى حصلت على الأرض مقابل زراعتها ولكنها فى الحقيقة كانت ترغب فى تحويل النشاط إلى سكنى فتسبب ذلك فى إبطال التعاقد ليعود الأمل من جديد لدى آلاف الشباب العاطلين الذين يملأون المقاهى بالعياط إلا أنه سرعان ما تبدد الأمل مرة أخرى عندما فوجئوا بعصابات منظمة يقودها أباطرة رؤوس الأموال تستولى على مساحات شاسعة من تلك الصحراء والتى شهدت خلال الفترة الماضية معارك ضارية استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة مستغلين فترة الاضطرابات السياسية التى شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية حتى باتت تلك المنطقة مرقدًا للخارجين على القانون والهاربين من أحكام بالسجن المؤبد و الإعدام برعاية ممولين يقومون باستخدامهم للسيطرة على تلك الأراضى.
وفى الوقت الذى شهدت تلك المنطقة عمليات تنقيب منظمة عن الآثار نهبت خلالها أيضا آثار الدولة لتهريبها خارج البلاد وما بين عصابات السطو على الأراضى والباحثين عن الآثار ضاعت هيبة الدولة بالعياط وضاعت معها أحلام آلاف الشباب العاطلين الذين حلموا بأن تكون تلك المنطقة متنفسًا لهم بدلا من المقاهى التى أصبحت مقرا دائما لهم.
وفى الوقت الذى تشهد فيه منطقة العياط زحفًا عمرانيًا شرسًا على الأراضى الزراعية لضيق مساحة الأرض المزروعة و التى غرست بها الأعمدة الخرسانية بدلا من القمح وبدأ اللون الأخضر فى الاختفاء حتى إن أسعار الأراضى ارتفعت بشكل باهظ لتكالب الأهالى عليها وتحويلها من أراض زراعية إلى منازل وعقارات و هو ما يعد إهدارًا للثروة الزراعية حيث إن مئات بل آلاف الفدادين التهمتها الرقعة السكانية مما جعل ثمن قيراط الارض يصل إلى ربع مليون جنيه وهو ما يدفع صاحبه لبيعه.
وفى الوقت الذى تبددت فيه أحلام الأحياء ضاعت حرمات الموتى فى تلك المنطقة فلم تكفى هؤلاء الطامعين المساحات الشاسعة من الصحارى فحاصروا المقابر حتى إنهم حاولوا إزالة بعضها مما جعل عددًا من القرى تشهد اشتباكات ونزاعات أصيب خلالها عدد من الأشخاص فى محاولة للحفاظ على رفات موتاهم بعد أن فقدوا حياتهم تحت وطأة هؤلاء الطامعين حتى أن أحد أباطرة الأراضى بهذه المنطقة والمتهم خلال الأيام الماضية فى قتل أحد الشباب قد جرف أراضى المقابر الخاصة بالقرى حتى يزرعها على جثث ورفات وعظام الموتى وأنشأ محلها صوبا زراعية.
ومع تعدد الجهات المسئولة عن تلك الأراضى حيث أنها تخضع لرقابة وزارة الآثار ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ومحافظة الجيزة تاهت المسئولية و غابت الرقابة حيث إن المشكلة الموجودة بتلك المنطقة ليست أمنية فقط وإنما ينبغى أن يتم تقنينها و تحديد المسئولية المباشرة عن تلك الأراضى.
ويروى محمود أحمد أحد أهالى قرية الناصرية بالعياط وهى بجوار المنطقة الصحراوية أنه على الرغم من ان قريتهم على بعد أمتار من مساحات لا يمكن للعين المجردة أن ترى آخرها ومملوكة للدولة إلا أنهم يجرفون الأراضى الزراعية و يقومون بالبناء عليها رغم ارتفاع أسعارها بشكل خيالى فلا يستطيع أحد أن يقترب من المنطقة الصحراوية فهناك أباطرة يسيطرون عليها ومن يحاول الاقتراب يكون مصيره التنكيل به حتى يكون عبرة لغيره ولا يجرؤ أحد على التوجه إليها٫ أما أشرف على أحد سكان قرية كفر عمار فيقول أصيب 15 شخصًا من قريتنا فى معركة بالأسلحة الآلية استمرت ليلة كاملة فى صراع مع أباطرة الصحراء عندما سولت لهم أنفسهم و حلموا بأن يستصلحوا جزءًا من الصحراء ومنهم من أصبح قعيدا ومن أصيب بعاهات مستديمة وهو ما جعل باقى الشباب يبتعد عن تلك المنطقة، فلا يكاد يمر شهر دون سقوط قتلى ومصابين فى صراع القوة لفرض السيطرة على تلك الأراضى الصحراوية.
أما دياب طه فيقول: لا نريد سوى طريق لمقابرنا فحتى الطريق استولى عليه هؤلاء الأشخاص بعدما حاصروا المقابر من جميع الاتجاهات وعلى الرغم من حصولنا على تخصيص من مجلس مدينة العياط بهذا الطريق إلا اننا لم نستطع تنفيذه ونضطر إلى السير بالجنازات لمسافات طويلة حملا على الأعناق وتقدمنا بشكاوى للعديد من الجهات و لكن دون جدوى.
وفى ظل عودة هيبة الدولة خلال الأيام الماضية يتمنى أهالى منطقة العياط أن يتم إعادة تلك المساحات الشاسعة من الأراضى وتقنين سبل الحصول عليها حيث إنها يمكن أن تستغل فى العديد من الأغراض كأن تكون ظهيرًا صحراويًا للحد من الزحف العمرانى على الرقعة الزراعية أو أن تقام بها منطقة صناعية تحقق حلم آلاف العاطلين بالحصول على فرصة عمل والقضاء على عمليات سلب آثار الدولة المنتشرة بعدد من المناطق بتلك المساحات، وما بين آمال شباب أحياء وحرمات الموتى لا زال حلم سكان منطقة العياط مشروعا إلا أن الطريق إليه مليئ بالألغام التى تحتاج من مسئولى الدولة أن يستفيقوا من غيبتهم حتى يقتلعوها.