ورغم أن صداقتنا كانت سابقة على صدور مجلة «الطليعة» إلا أن تلك المرحلة بالذات تميزت بتعمق تلك الصداقة بيننا فى جوانبها المختلفة، سواء فى الجانب الفكرى، أم فى الجانب السياسى، فضلا عن الجانب الشخصى الإنسانى. وكانت تلك المجلة بالنسبة إليّ وبالنسبة إلى كثيرين مصدر إغناء فى المعرفة وفى الثقافة. وكانت علاقتى بها أكثر من علاقة بمجلة من ذلك النوع الذى تميزت به. إذ هى كانت علاقة مزدوجة. فهى كانت أولا علاقة مع مؤسسها صديقى لطفى، ومع عدد غير قليل من أعضاء هيئة تحريرها ومن كتابها. وهى كانت ثانيا علاقة مع مرحلة غنية من النقاش والجدل داخل الحركة الوطنية والديمقراطية العربية وداخل أحزابها الاشتراكية بتنويعاتها وتلاوينها ومدارسها المختلفة. ففى أواسط الستينيات من القرن الماضى ازدهر الفكر الاشتراكى فى عالمنا العربي. انتشر فى مختلف أوساط المثقفين والشباب. وأصبح الفكر السائد. وبدأت تطرح، كمهمة حقيقية لا كمجرد شعار، قضية الوحدة بين القوى الوطنية والديمقراطية العربية على قاعدة إنتاج فكر اشتراكى عربى وماركسية عربية، وحتى حزب شيوعى عربى أو اتحاد اشتراكى عربى يجمع فى صفوفه كل تيارات تلك الحركة ويوحد فيما بينها مع الاحتفاظ بتنوعها وتعدد أحزابها. لذلك فليس بمقدوري، وأنا أقلب مجلدات المجموعة الكاملة لمجلة «الطليعة» التى تحتل جناحا كاملا فى مكتبتي، إلا أن أتوقف باهتمام كبير عند المرحلة التى صدرت فيها تلك المجلة. وهذا الاهتمام بالنسبة إليَّ، ليس وقفة عند ماض مضى وانتهى زمانه. بل هو، أكثر من ذلك، استحضارا لمرحلة خصبة وغنية من تاريخ الحركة الوطنية والتقدمية العربية لم تدرس من قبلنا بما فيه الكفاية. وهى كانت قد انتهت قبل أن تستكمل عناصر نضوجها وتطورها.
كانت مجلة «الطليعة» ومعها مجلة «الكاتب» فى مصر و مجلة «الطريق» فى لبنان ومجلات أخرى فى بلدان عربية أخري، وكانت كتابات المفكرين العرب المجددين، التى امتلأت بها صفحات تلك المجلات، تشكل عناصر جدية فى البحث المسئول عن أفق جديد للعالم العربى مختلف نوعياً عما كان سائداً. إلا أن «الطليعة» كانت أكثر من كل تلك المراكز والمنابر رحابة، وأكثر إبداعا، وأكثر خصباً فى الإنتاج. ذلك أن العدد الكبير من الكتاب الذين أسهموا فى تحريرها، وفى إثارة النقاش فيها حول كل القضايا ذات الطابع المحلى فى مصر وعربيا وكونياً، كان يعزّز ويعمّق فى وعينا، نحن شباب تلك المرحلة، نزعة التفتيش والبحث والاستشراف، من دون قيود ومن دون التزام حاد بالمرجعيات الفكرية والسياسية التى كانت سائدة، بما فيها المرجعية الماركسية ذاتها بالنسبة لأهل اليسار الاشتراكي.
كان دور لطفى الخولى أساسياً ومتميزاً فى كل تلك المرحلة من حياة مجلة «الطليعة» التى سرعان ما استضافت فى أول السبعينيات مجلة «الكاتب» الشقيق الفكرى لمجلة «الطليعة» بعد أن كانت السلطات قد وضعت عقبات كبرى أمام استمرار صدورها فى شكل منتظم بالاستقلال عن أجهزة الدولة ومن موقع المعارضة الديمقراطية لسياسات الحكومة المصرية فى كلا عهدى الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات. وفتحت «الطليعة» صفحاتها أمام كتّاب تلك المجلة للإسهام فى النقاش الدائر حول قضايا المرحلة وفى إغناء ذلك النقاش.
وبرغم قسوة المرحلة التى أعقبت هزيمة حزيران/ يونيو، وبرغم صعوباتها الموضوعية، وبرغم ما واجه الرئيس عبد الناصر بالتحديد من انتقادات لخططه بعد قيام الثورة الفلسطينية ومعاناتها داخل الأردن ولبنان، وبرغم ما واجه الأحزاب الاشتراكية كلها من تعقيدات تلك المرحلة، فقد ظلت «الطليعة» تمارس دورها ووظيفتها بإتقان وبشجاعة. أكثر من ذلك فإنها، حتى بعد وفاة الرئيس عبد الناصر، ظلت تصدر بدور متميز للطفى الخولي، لكن فى شروط جديدة مختلفة أكثر تعقيداً بالنسبة للطفى ولها ولحركة التجديد العربية بشكل عام. إلا أنها لم تستطع أن تستمر طويلاً. اذ كان عليها أن تجتاز أعواماً قاسية شديدة الصعوبة والتعقيد أدت فى نهاية المطاف بتلاحقها وبتراكمها إلى اتخاذ قرار رئاسى بتوقفها عن الصدور. اذ لم تستطع السلطات تحمل استمرارها واستمرار دورها، فأقدمت على إقفالها. وكان ذلك نكسة كبيرة لدور كبير كانت تلعبه تلك المجلة على الصعيد العربي، كمنبر للبحث والجدل، وكمركز لنشر المعرفة، وكأداة للتنوير والعقلانية.
بدأ لطفى الخولى حياته فى مرحلة الشباب منذ الأربعينيات فى النشاط السياسى والثقافى والصحفى مع أبناء جيله تحت شعارات وطنية عامة. ولم يكن، مثل كثيرين سواه، يهتم بالجهة السياسية والحزبية التى كان يلتقى معها الا بمقدار ما كانت تلك الجهة المعنية ترفع شعار تحرير مصر من المعاهدة التى كانت تقيد استقلالها، ومن القواعد البريطانية التى كانت تتيح لبريطانيا التدخل فى الصغيرة والكبيرة من سياسات مصر. لذلك فحين اجتمع لطفى فى بدايات انخراطه فى العمل الوطنى مع قيادات من جماعة «الإخوان المسلمين» ومن حركة «مصر الفتاة» ومن الأحزاب الوطنية القديمة ومن بقاياها مثل الحزب الوطنى الذى كان قد أسسه مصطفى كامل فى مطالع القرن الماضي، لم يكن يرغب فى الانتساب إلى أى من تلك الأحزاب والحركات. لكنه سرعان ما اكتشف فى أول الخمسينيات أن مكانه الحقيقى هو فى قلب حركة اليسار. وكان اليسار فى ذلك الحين يعنى الشيوعيين تحديداً، الذين كانوا موزعين فى منظمات متعددة متباينة فى اتجاهاتها وفى مواقفها حتى وهى تستند إلى مرجعية ماركس ومرجعية الحركة الشيوعية العالمية. واختار صيغاً متعددة للانخراط فى حركة اليسار تلك، سواء فى المجال السياسى أم فى المجال الثقافى والصحفى أم فى المجال الاجتماعي. وكان من أبرز ما قام به منذ بدايات عمله كمحام هو الاهتمام بقضايا العمال ومتابعة المشاكل التى كانوا يتعرضون لها فى أماكن عملهم وفى علاقاتهم مع أرباب العمل وفى نشاطهم داخل نقاباتهم العمالية. ويروى أصدقاء لطفى الكثير عن تلك المرحلة وعن دوره هو بالذات فى الدفاع عن العمال. ويذكر صديقه القديم حسنى البسيونى أن لطفى كان من بين الذين ساهموا فى الجبهة التى كانت تدعو لوحدة وادى النيل. وكان فى الوقت ذاته يخطو خطواته الأولى فى مجال العمل الصحفى فى دار «أخبار اليوم» وفى مجلة «روز اليوسف». ومنذ ذلك التاريخ بدأت تتكون علاقاته مع ثلاثة من كبار الصحفيين المصريين، كامل الشناوى ومحمد حسنين هيكل وإحسان عبد القدوس. وشارك فى الكتابة فى جريدة «المصري» التى كانت تشرف على تحريرها «الطليعة الوفدية» ـ يسار حزب الوفد ـ التى كان أعضاؤها يتعاونون مع الماركسيين. كما شارك مع عدد من المثقفين الماركسيين فى إصدار مجلة «كتابات مصرية» التى كانت تعنى بإعطاء مضمون تقدمى للأدب كإبداع فى خدمة الحياة والمجتمع. وكان ذلك فى عام 1951. وكان من ابرز المشاركين فى إصدار تلك المجلة اثنان من كبار رواد النقد الأدبى فى مصر والعالم العربى هما على الراعى ومحمود أمين العالم. وكانت تجرى فى ذلك الحين معركة بين أولئك الأدباء الشباب وعميد الأدب العربى طه حسين حول دور الأدب وحول وظيفته الإنسانية. وكان قسم كبير من تلك النقاشات يجرى على صفحات جريدة «المصرى». وعندما صدرت جريدة «المساء» (1956) التى كان يرأس تحريرها خالد محيى الدين بعد عودته من منفاه فى سويسرا عشية قرار الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، تولى لطفى الكتابة فيها دفاعاً عن حقوق العمال مستنداً إلى مهنته كمحام وإلى موقعه فى حركة اليسار. وكان قد تدرب على المحاماة فى مكتب محمد مندور، الذى يعتبر واحدا من كبار نقاد الأدب فى مصر وفى العالم العربى. ثم انتقل لطفى بعد ذلك للعمل فى مكتب المحامى اللبنانى الأصل موريس أرقش. وكان أرقش واحدا من كبار المحامين المصريين. وسرعان ما أصبح لطفى واحدا من الأركان الأساسيين فى ذلك المكتب. وفى تلك الفترة بالذات من مزاولته مهنة المحاماة فى مكتب ارقش تعرف إلى ليليان ابنة صاحب المكتب. وانتهت العلاقة بينهما إلى الزواج. وليليان هى رفيقة عمر لطفى فى مراحل حياته. وكانت إلى جانبه فى أصعب فترات حياته وفى جميع المحن التى واجهته. وكانت تلك المحن كثيرة. إذ إن مواقفه ومشاركته فى معارك الدفاع عن الحرية قد قادته، منذ وقت مبكر، إلى غياهب السجون والمعتقلات مع عدد كبير من المثقفين الماركسيين والليبراليين فى شتى العهود، لا سيما فى عهد عبد الناصر وفى عهد الرئيس السادات.
وكان فى تلك الفترة أكثر ميلا للعمل فى المجال الأدبى إبداعا ونقدا. ونشر قصصا قصيرة. ووضع سيناريوهات لأفلام مصرية. وقد نال جائزة الدولة التقديرية فى الأدب. واستمر الطابع الثقافى يميزه فى نشاطه فترة غير قصيرة. ولم يتخل عن نشاطه فى هذا الميدان حتى بعد أن انغمس فى العمل السياسى داخل الأطر الحزبية وعلى تخومها. لكن اهتمامه بالفكر السياسى ظل يكبر ويتطور إلى أن أصبح صاحب رأى وصاحب فكر يحددان له انتماءه. وكان الأساس فى تفكيره ماركسياً. لكنه اختار أن يظل على أبواب الأحزاب الماركسية فى مرحلة متقدمة من عمره. وعندما بدأ بإصدار مجلة «الطليعة» كان قد أصبح واحدا من المفكرين الاشتراكيين المصريين والعرب المرموقين، مغطيا مرجعيته الماركسية بغلاف اشتراكى عام، ساعده فى تحديده ما كان قد جمعه من قراءات لمفكرين اشتراكيين غربيين وعرب، وما كان قد أقامه من علاقات مع عدد من أولئك المفكرين من موقعه فى رئاسة تحرير مجلة «الطليعة». غير أن بداية ممارسته الكتابة فى المجال الفكرى كانت قد بدأت لدى دخوله فى أسرة جريدة «الأهرام» بواسطة صديقه القديم محمد حسنين هيكل. وكان قد أسس صفحة «الرأي» فى «الأهرام» ابتداء من عام 1962. واتخذ لها شعاراً من كلمات لأحد كبار رواد حركة النهضة فى القرن التاسع عشر رفاعة الطهطاوى:«ليكن الوطن محلا للسعادة للجميع. نبنيه بالحرية والفكر والمصنع». إلا أنه عاد فى عام 1985 ليشرف فى الأهرام على «صفحة الحوار القومي» التى أدار فيها أوسع الحوارات الفكرية العربية وأكثرها ارتباطا بالقضايا القومية.
ثم تواصلت اللقاءات مع لطفى فى السنوات التالية. وكان قد بدأ يعلن تمايزه عن الماركسية والشيوعية، من خلال نقد التجربة السوفيتية ونقد مواقف وسياسات الأحزاب الشيوعية. إذ كان يريد أن يعرِّف نفسه بأنه ليبرالى أكثر مما هو يسارى، رغم أنه كان يحرص فى الحوار معى على التأكيد بأنه لا يزال فى جوهر موقفه يسارياً وحتى ماركسيا. وكان يستخدم فى الدفاع عن بعض مواقفه بعض مقولات لماركس وبعض مواقف وآراء للينين ولروزا لوكسمبورغ ولغرامشى ولوكاتش.
كان لطفى الخولى فى تحولاته السياسية والفكرية يتنقل من موقع إلى موقع آخر فى سرعة استثنائية. وكانت بعض التغيرات فى مواقفه تشير إلى أنه كان يقع أسير أوهام يتصل بعضها برغبة عنده فى الوصول إلى مراكز ومواقع ذات أهمية عامة، بما فى ذلك تلك القريبة من السلطات الرسمية. وكان ذلك دأبه حتى فى الفترات الأولى من حياته حين كان لا يز ال يسارى الموقع والاتجاه فى الفكر وفى السياسة. وكانت تلك التغيرات تثير تساؤلات عند أصدقائه. وكان هو بالمقابل يحرص على عدم القطع مع انتماءاته الأولي، ويحرص على الاحتفاظ بصداقاته القديمة. وقد اتيح لى ان أواكب تلك التغيرات عند لطفي، ابتداء من الفترة التى دخل فيها السجن مع عدد كبير من الماركسيين والليبراليين فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وخرج منه بواسطة صديقه القديم محمد حسنين هيكل، وصولاً إلى المرحلة التى تم فيها الإفراج عن الشيوعيين بقرار سياسى من الرئيس عبد الناصر. فى تلك الفترة بالذات صدرت مجلة «الطليعة» بقرار رئاسى عن دار الأهرام، فى الوقت الذى كان يمارس فيها محمد حسنين هيكل مهامه كرئيس لمجلس إدارتها. وحين زرت القاهرة فى عام 1969 للمشاركة فى المؤتمر العالمى لنصرة الشعوب العربية عرفنى لطفى على هيكل وعلى كل من نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم اللذين كان لكل منهما مكتب فى مبنى «الأهرام». كما عرّفنى على الأخضر الإبراهيمى الذى كان سفير الجزائر فى مصر، وعلى عبد الفتاح إسماعيل أحد قادة الجبهة القومية فى جنوب اليمن التى قادت النضال من أجل الاستقلال وأسست جمهورية اليمن الديمقراطية فى ذلك الشطر الجنوبى من اليمن. وكان عبد الفتاح يومذاك منفياً فى القاهرة. وعرفنى لطفى كذلك على فاروق القدومي، الذى كان أحد مؤسسى حركة فتح. يومها دعانى لطفى مع صديقى اللبنانى جورج البطل للمشاركة فى ندوة فى مكاتب مجلة «الطليعة» للحوار حول مستقبل الحركة الثورية العربية. وكان يشارك فى الندوة كل من عبد الفتاح إسماعيل من اليمن، وعامر عبد الله من العراق، وفؤاد نصار أمين عام الحزب الشيوعى الأردنى الفلسطينى. كما كان يشارك فيها مثقفون مصريون من كبار كتاب مجلة «الطليعة» هم : إسماعيل صبرى عبد الله وميشال كامل ومحمد الخفيف وعادل غنيم وحسين شعلان. غير أن الحوار الذى أداره لطفى كان مضطرباً، كما أذكر. الأمر الذى جعل نشره متعذراً.
إلا أن عقد التسعينيات كان العقد الذى شهد تحولا كاملا فى مواقف لطفى الخولى وفى آرائه وفى مواقفه وفى نهجه السياسى. وكان من أبرز التعبيرات عن ذلك التحول انخراطه فى البحث عن السلام العربى الإسرائيلى على طريقته كما أشرت إلى ذلك فى مطلع هذا البحث. وكان قد عين فى عداد الوفد المصرى إلى مؤتمر مدريد فى عام 1991. وكان على صلة وثيقة بالمفاوضات التى كانت تجرى فى أوسلو بين الوفدين الفلسطينى والإسرائيلى التى أنتجت اتفاق أوسلو. وكان من أكثر ما عرف فى تلك الفترة عن لطفى محاولاته لتظهير موقفه عالمياً من قضية السلام. وجاء ذلك اثر اختياره ليكون عضواً فى لجنة النظام الدولى الجديد للإعلام وتبادل الثقافات التابعة لليونسكو. واستناداً إلى موقفه ذاك وبالاتفاق مع تلك المؤسسة التابعة لليونسكو دعا مع عدد من المفكرين الأوروبيين، كان بينهم آلان تورين وريجيس دوبريه إلى عقد مؤتمر عالمى للمثقفين فى القاهرة فى عام 1993. وهو المؤتمر الذى شاركتُ فيه تلبية لدعوة وجهها إلىّ لطفى باسم اللجنة المنظمة للمؤتمر التى كان هو رئيسها. وقد شارك فى ذلك المؤتمر عدد كبير من المثقفين من بلدان عربية وأجنبية. وكان بينهم مثقفون كبار. وقدمت مثل سواى مساهمتى فى ذلك المؤتمر شارحاً وجهة نظرى حول مستقبل بلداننا ومستقبل العالم، وحول مستقبل ثقافتنا العربية ومستقبل الثقافة العالمية فى العصر الجديد. واعتبرت فى مداخلتى ان متغيرات العصر الكبري، التى كان انهيار الاتحاد السوفياتى أكبرها وأكثرها تعبيرا عن الوقائع الجديدة، لن تغير من قناعتى بأن الاشتراكية هى مستقبل العالم، وان مهمة الاشتراكيين فى ظل تلك المتغيرات هى البحث عن صيغة جديدة للاشتراكية، صيغة معاصرة، مختلفة عن تلك التى انهارت مع انهيار نموذجها السوفيتى. لكن المؤسف أن لطفى ذهب فى دعوته للسلام العربى الإسرائيلى مع مجموعة من الإسرائيليين حاملاً معه أوهامه حول ذلك السلام. الأمر الذى أساء إليه وخلق له المتاعب. لكننى كنت ألتقى به فى تلك الفترة وأكرر نصحى له بالخروج من تلك العملية التى لا أفق لها من دون أن أفلح فى إقناعه. وظل فى موقفه ذاك حتى وفاته المفاجئة فى عام 1999.
هذا هو لطفى الخولي. وتلك هى نقاط مكثفة لمسيرته السياسية والفكرية. ورغم كل ما تشير إليه هذه السيرة من تقلبات يبقى لطفى واحدا من رموز الحركة الثقافية والسياسية المصرية فى حقبة نصف قرن من تاريخنا الحديث.
ابو سيف يوسف
أبو سيف يوسف هو مثقف مصرى مرموق وواحد من كبار قادة الحركة اليسارية فى مصر منذ أربعينيات القرن الماضي. جاءت ولادته غداة ثورة مصر الحديثة بقيادة سعد زغلول. ولم يكد يبلغ العشرين من عمره حتى بدأت مواهبه الفكرية والسياسية تبرز بوضوح. وهى المواهب التى أهَّلته لأن يمارس دوراً مميزاً فى الحركة الوطنية المصرية فى الفترة التى أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان من أوائل نشاطه الفكري، وهو فى العشرين من عمره، كتاب يرد فيه على عباس محمود العقاد أحد أقطاب الفكر الليبرالى المصرى، مدافعاً عن الماركسية. إذ كان أبو سيف يومها قد حصل على إجازته فى الفلسفة من كلية الآداب فى عام 1940. وصار مؤهلاً فى ذلك العمر، بفعل ما كان قد اكتسبه من ثقافة ومعرفة، لأن يناقش مفكراً بقامة عباس محمود العقاد. وكان كتابه ذاك مفاجأة سارة فى وسط المثقفين المصريين من أهل اليسار وأهل اليمين على حد سواء. وكان العقاد فى ذلك الحين قد أعلن انسلاخه عن حزب الوفد وانحاز إلى أحزاب الأقلية. وكان أول ما قام به هو إعلان الحرب على الاشتراكية وعلى دعاتها من أهل اليسار. لكن أبو سيف ظلَّ يصعد بسرعة فى حركة تطوره السياسى والفكري. وإذا به فى عام 1943 يلتقى مع مفكر يسارى آخر غير ملتزم هو محمد مندور، الذى صار فيما بعد أحد رواد النقد الأدبى الحديث فى مصر والعالم العربي. التقيا ليصدرا معاً وبمشاركة عدد آخر من كبار مثقفى مصر هم أحمد رشدى صالح وعبد الرحمن الشرقاوى وأحمد صادق سعد ونعمان عاشور مجلة «الفجر الجديد»، المجلة اليسارية الأولى فى مصر. وتوكل رئاسة تحريرها إلى أحمد رشدى صالح وتوكل أبو سيف يوسف مهمة سكرتير التحرير. وكان أبو سيف قبل ذلك قد مارس العمل محرراً فى مجلة «الأسبوع» التى كانت تصدرها «لجنة نشر الثقافة الحديثة». وقد ساهم فى الكتابة فى مجلة «الفجر الجديد» إلى جانب الذين ساهموا فى تأسيسها عدد كبير من كبار كتَّاب وأدباء مصر. نذكر منهم محمد اسماعيل محمد الذى كان مديراً للإذاعة فى ذلك الحين، وعلى الراعى وسعد مكاوى وسعيد خيال وفؤاد مرسى وفؤاد حداد وسعد لبيب وكمال عبد الحليم ومحمود توفيق والفنان سمير رافع. وكتب فيها عميد الأدب العربى طه حسين مقالاً يرد فيه على أحد المقالات الذى نشر فيها. ولم تتحمل حكومة اسماعيل صدقى فى ذلك الوقت استمرار صدور تلك المجلة بنكهتها اليسارية الواضحة، فأقفلتها فى عام 1946. ومعروف أن ذلك العام كان عام ثورة وطنية جامحة. إذ كانت قد تشكلت «لجنة العمال والطلبة» بمبادرة من اليساريين وبمشاركة جميع القوى السياسية بما فى ذلك جماعة الإخوان المسلمين ضد المعاهدة المصرية ـ البريطانية وللمطالبة بالاستقلال التام وبجلاء القوات البريطانية من وادى النيل. ونظمت تلك اللجنة حركة إضرابات ومظاهرات عاصفة، قمعها اسماعيل صدقى بقوة. وأرسل إلى المعتقلات العديد من المثقفين ومن قادة الحركتين العمالية والطلابية. وكان من بين المعتقلين أركان مجلة «الفجر الجديد» وكتّابها، وفى مقدمتهم أبو سيف يوسف، الذى بدأ منذ ذلك التاريخ يزور المعتقلات الواحد تلو الآخر حتى عام 1965، آخر رحلة له فى ذلك الاتجاه. بعد خروج أبو سيف من السجن فى أواخر الأربعينيات تولى مهمة سكرتير تحرير مجلة «المصري»، التى كان يصدرها حزب الوفد، مع صديقه محمد مندور. ثم صار فيما بعد سكرتير تحرير مجلة «رابطة الشباب» التى كانت تنطق باسم الطليعة الوفدية، ذات الميول اليسارية. وكانت جريدة «المصري» التى كان يصدرها حزب الوفد هى الجريدة التى تخرَّج منها مثقفو ومناضلو الطليعة الوفدية. وكانت صفحاتها المكرسة للنقاش الثقافى الأدبى والفكرى الميدان الرحب لتلك الطليعة من المثقفين اليساريين ومن بينهم محمد مندور وأبو سيف يوسف وآخرون. ومن أبرز السجالات التى جرت على صفحات جريدة المصرى ما قام به كل من محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس فى مطلع الخمسينيات فى نشر سلسلة من المقالات النقدية الموجهة ضد طه حسين حول مفهوم الأدب والفن وحول دورهما. وحين أصدر الأديبان كتابهما «فى الثقافة المصرية» فى عام 1954 الذى يتضمن مجموع مقالاتهما المشار إليها، كتب أبو سيف يوسف مقالاً عارض فيه موقف صديقيه من طه حسين جعل له العنوان التالي: «كتَّابنا الواقعيون ليسوا واقعيين».
لكن أبو سيف يوسف، المثقف اليسارى المتأثر بالماركسية والمدافع عنها ضد خصومها وفى مقدمتهم عباس محمود العقاد، بادر منذ شبابه الباكر إلى الانتساب إلى إحدى التنظيمات الشيوعية التى تعددت أسماؤها وأسماء قياداتها. ومن الموقع الذى احتله فى نشاطه كمثقف يسارى وكإعلامى وكمناضل فى قيادة تلك المنظمة الشيوعية كان من أوائل الذين واكبوا تطور الحركة الوطنية، وساهموا فى إنضاج شعاراتها. وكان، من موقعه اليسارى ذاك، من بين الأوائل الذين رحبوا بثورة يوليو التى قام بها الضباط الأحرار بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر. ورغم أنه كان يختلف مع بعض سياسات الرئيس عبد الناصر إلاَّ أنه لم يصل، برغم تعرضه للاعتقال مرات عديدة بسبب مواقفه تلك، إلى حد التناقض الأساسى مع الثورة ومع توجهاتها ومع قائدها. لذلك كان من أوائل الذين استجابوا فى عام 1965، بعد خروجه مع جميع القيادات الشيوعية من السجن، لنداء الرئيس عبد الناصر بحل التنظيمات الشيوعية والانضمام إلى الاتحاد الاشتراكى والعمل فى نطاقه، حاملين معهم أفكارهم الاشتراكية ومرجعيتها الأصلية الماركسية. وهو كان، فى عام 1958، قد نجح مع بعض رفاقه فى دمج عدد من المنظمات الشيوعية فى حزب أعطى اسم الحزب الشيوعى المصري، واختير هو ليكون أمينه العام. ورغم أن حل التنظيمات الشيوعية كان موضع نقد من بعض الشيوعيين واليساريين المصريين ومن الأحزاب الشيوعية العربية، إلاَّ أنَّ أبو سيف ظلَّ ملتزماً بموقفه. وشارك بنشاط، من موقعه فى قلب الاتحاد الاشتراكي، بالدفاع عن قرار تلك التنظيمات بحل نفسها. إذ كان يري، فى ظل التجربة السابقة كلها، وفى ظل الظروف الجديدة التى نشأت بعد ثورة يوليو، أو هكذا كان اقتناعه، أنه لم يعد ثمة مستقبل لتنظيم شيوعى مستقل. واستناداً إلى قناعاته تلك كان من أوائل الذين لبوا الدعوة للاشتراك فى إصدار مجلة «الطليعة» عن مركز الأهرام فى عام 1966، استجابة لقرار اتخذه الرئيس جمال عبد الناصر. وكان الهدف من إصدار تلك المجلة فى ذلك الحين هو جعلها منبر فكر حر يساهم فى الدعوة إلى الاشتراكية فى ظروف مصر، وفى توضيح معناها، وفى تحديد أهدافها القريبة والبعيدة الرامية إلى بناء مجتمع مصرى متقدم. وفى الواقع فقد قامت مجلة «الطليعة» بدور تنويرى وتثقيفى بالغ الأهمية. وشارك فى ذلك عدد كبير من الكتَّاب المعروفين بانتمائهم إلى الماركسية، ومن بينهم قادة بارزون سابقون فى الحركة الشيوعية بتنظيماتها المختلفة. وكان أبو سيف فى مقدمة أولئك الكتَّاب. وظلَّ يمارس دوره فى تلك المجلة كتابة وتحريراً، إلى أن أصبح فى الفترة التى أعقبت غياب الرئيس عبد الناصر، مديراً لتحريرها بدلاً من المدير السابق ميشال كامل، ثم رئيساً للتحرير بالوكالة خلال فترة اعتقال رئيس التحرير لطفى الخولي. ولم يغادر عمله فى المجلة إلى حين إقفالها فى عام 1977 بقرار من الرئيس السادات. فانتقل إلى العمل فى مركز الدراسات الاستراتيجية فى الأهرام باحثاً فى الشئون التى كانت من اختصاصه.
ظلَّ أبو سيف خلال فترة عمله فى «الطليعة» عضواً عاملاً فى الاتحاد الاشتراكي، إلى أن بدأ الاتحاد يترنح ويفقد هويته بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر. وعندما بادر خالد محيى الدين، مع زملاء له فى الاتحاد الاشتراكى من الشيوعيين والماركسيين والناصريين والإسلاميين المستنيرين، إلى تأسيس حزب التجمع الوحدوى التقدمي، كان أبو سيف من أوائل الذين وقفوا إلى جانب خالد فى تأمين شروط قيام الحزب الجديد، وفى تأمين الشروط لنجاح تجربته. وظلَّ حتى آخر لحظة من حياته عضواً عاملاً فى ذلك الحزب، فى هيئاته القيادية وفى مجمل جوانب نشاطه السياسى والفكرى على وجه الخصوص. بل هو كان من أكثر المساهمين فى إعداد وثائقه الأساسية. فتلك كانت اقتناعاته حول الدور الذى يعود للملتزمين بالاشتراكية وبمرجعيتها الفكرية الماركسية. وقد كتب الكثير فى تفسير ظاهرة جمال عبد الناصر.
وبدلاً من أن ينكفئ أبو سيف، بعد غياب الرئيس عبد الناصر، عن العمل فى الاتحاد الاشتراكي، ضاعف نشاطه لإعادة بناء الحزب على قاعدة الديمقراطية. ويقول فى مقال نشر فى العدد السابع من مجلة الطليعة من ذلك العام:» ولقد نشط الكتَّاب التقدميون فى بلادنا إلى طرح ومعالجة طائفة من القضايا الرئيسية التى تتعلَّق بإعادة بناء الاتحاد الاشتراكى بما يكفل تمثيله الحقيقى للقوى الاجتماعية المختلفة. ولربما تنوعت وتعددت أساليب معالجة هذه القضية كما تنوعت وتعددت الحلول والاقتراحات.. لكن نقطة البدء بين جميع الكتَّاب والمفكِّرين التقدميين ثابتة. وهى أن الاتحاد الاشتراكى من الناحية النظرية ـ هو الصيغة الملائمة للوحدة الوطنية بين العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية. وهذا المنطق له أهميته الخاصة فى الواقع. ولا يعيبه أن الاتحاد يُعاد تشكيله للمرة الثالثة فى غضون تسع سنوات، أو أنه تعرَّض لهزات شديدة وعبر تجارب قاسية. ومع ذلك فإن خبرات الشعوب فى بناء أحزابها وتنظيماتها السياسية الشعبية لا تزال تقدم لنا هذا الدرس. وهو أن العمليات التى لا تتوقف من التنظيم وإعادة التنظيم إنما تكشف عن نقاط خلل مزمنة، لا بد من الالتفات إليها والعمل على استئصالها. وتوجب الظروف المحيطة بالوطن أن نواجه العيوب والنواقص التى لازمت نشأة الاتحاد الاشتراكى مواجهة صريحة وبنقد بنّاء هدفه صيانة وبناء الوحدة الوطنية المقدسة بين قوى الشعب العاملة.. الحلقة الرئيسية ونقطة البدء فى هذا كله، هو أن نعرف ما إذا كانت علاقات القوى بين الطبقات المتحالفة فى الاتحاد الاشتراكى تؤمِّن للفلاحين والعمال الشروط الضرورية ليشاركوا مشاركة متزايدة فى السلطة، هذه المشاركة التى كانت هدف بيان 30 مارس عندما تحدث عن إعادة بناء الاتحاد الاشتراكى ومؤسسات السلطة بواسطة الديمقراطية».
لم تكن مهمة أبو سيف سهلة فيما ذهب إليه فى دفاعه عن الطابع الاجتماعى الثورى للاتحاد الاشتراكى بعد غياب الرئيس عبد الناصر. إذ كان يعارضه فى توجهه ذاك عدد من رفاقه الشيوعيين فى مصر وفى العالم العربى الذين كانوا قد بدأوا يرون أن الشروط غير متوفرة للاستمرار فى الجهود السابقة، فى ظل حكم الرئيس السادات، الذى كان قد بدأ يعمل بدأب للتخلص من تراث الرئيس عبد الناصر. ولم يلبث الاتحاد الاشتراكى أن بدأ يتحول فى الاتجاه النقيض الذى كان عليه، وفى الاتجاه النقيض لما كان يريد له أبو سيف. الأمر الذى حمل أبو سيف إلى الانخراط فى تأسيس حزب التجمع، وفى وضع كل ثقله الفكرى والسياسى فى ذلك الحزب اليسارى الجديد. ورغم أنه كان معارضاً لحكم السادات ولسياساته، فقد اختاره السادات فى أواسط السبعينيات ليكون عضواً فى مجلس الشعب بالتعيين عن طائفة الأقباط. فلم يتردد بقبول المهمة، رغم اعتراض الكنيسة القبطية على تعيين قائد شيوعى لتمثيل أبناء الطائفة. لكن سلوك أبو سيف العام فى منصبه فى مجلس الشعب غيَّر موقف الكنيسة منه وأغضب الرئيس السادات. فلم يعد إلى تعيينه من جديد فى مجلس الشعب، واختار بدلاً من أبو سيف مَنْ كانوا يؤيدون مواقفه.
إنَّ مسيرة هذا المثقف المناضل اليسارى الديمقراطى الكبير تجعله بحق شاهداً على عصره، شاهداً غير حيادي، شاهداً متميزاً. إذ هو كان، منذ مطلع شبابه كما أسلفنا، مساهماً بامتياز، مع رفاق جيله من الطليعيين، فى صياغة الأفكار الجديدة التى كانت قد بدأت تدخل إلى مصر منذ مطالع القرن العشرين. وكان، فى الوقت عينه، مساهماً، مع ذلك الرعيل من المفكرين والمناضلين اليساريين، فى صنع الأحداث التى شهدتها مصر، منذ أربعينيات القرن الماضى حتى نهاياته، من خلال الدور الذى اضطلع به ـ هو وهم ـ فى قيادة المنظمات الشيوعية المصرية، وفى المواقع العديدة التى وضعته فيها كفاءاته المتعددة فى الفكر وفى السياسة وفى التنظيم التى أتينا على ذكرها آنفاً. لقد تعرفت إلى أبو سيف فى أواخر ستينيات القرن الماضي. واستمرت صداقتنا حتى آخر أيام حياته. وكنت ألتقى به خلال زياراتى المتعددة إلى مصر برفقة أصدقائنا المشتركين، وهم كثر، أخص منهم بالذكر اسماعيل صبرى عبد الله وابراهيم سعد الدين وفؤاد مرسى ولطفى الخولى ومحمد سيد أحمد. وكم كنت سعيداً عندما تلقيت كتابه الموسوعى «وثائق ومواقف من تاريخ اليسار المصري» بتوقيعه وبكلمات طيبة منه. وهو الكتاب الذى يطل منه على تجربة شخصية وجماعية طويلة، وعلى حقبة من تاريخ مصر مليئة بالأحداث وبالتطورات وبالصراعات الداخلية والخارجية.
أبو سيف يوسف تحول فى حياته المديدة إلى مدرسة فى التفكير وفى السياسة وفى عملية تنتظم الجماهير وفى جذبها إلى ميدان الكفاح من أجل الحياة. وهى مدرسة تحدد معالمها مواقفه الفكرية والسياسية، وقراءته الجدية للتحولات التى كانت تجرى فى العالم، وقراءته للأحداث التى كانت تجرى فى مصر، وقراءته التى كان يستشرف فيها المستقبل، وسط الاضطراب الكبير الذى سبق ورافق ولادة القرن الجديد. وإذا كان كتابه الموسوعى المشار إليه، بدءًا من المقدمة الدالة على فكره، مروراً بالوقائع والتحليلات التى ملأت صفحاته، وصولاً إلى الوثائق المرفقة فيه، قد قدم للقارئ المصرى والعربى نموذجاً لتجربة شخصية متميزة، فإن استفحال المرض والشيخوخة اللذين قاداه إلى الرحيل قد منعه من أن يقدم لنا قراءاته للمستقبل، وهو الذى كان من أقدر المفكرين على استشراف بعض المعالم الآتية لهذا المستقبل.