رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

نحو التوازن بين المالك والمستأجر

شهدت الأيام الماضية جدالا واسعا، ونقاشا حادا، حول قوانين إيجار الأماكن بصفة عامة، ومشروع القانون المقدم من الحكومة فى هذا الشأن، وما يتعلق بذلك من أحكام دستورية بصفة خاصة، وقد حاول أنصار المستأجرين إقناع الأغلبية برأيهم، كما حاول أنصار الملاك إقناع الأغلبية برأيهم، وكل طرف يرى من جانبه أنه صاحب الحق، وأنه قد تعرض لظلم كبير. وبنظرة موضوعية إلى هذا الأمر، أعتقد أن الطرفين المعنيين، وأنصارهما، لا يرغب أيهما فى التنازل عن بعض حقوقه حسب قوله، تحقيقا للتوازن فى العلاقات الإيجارية، وحماية للمجتمع من كل أشكال التهديد للسلام الاجتماعي.

ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر القانون رقم 49 لسنة 1979م والذى تم تعديله بالقانون رقم 136 لسنة 1981م، وفى نوفمبر عام 2002م حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1979فيما لم تتضمنه من النص على انتهاء عقد الإيجار الذى يلتزم المؤجر بتحريره لمن لهم الحق فى شغل العين بانتهاء إقامة آخرهم بها سواء بالوفاة أو الترك، وفى عام 2011 فسرت المحكمة الدستورية العليا ذلك بأن أثر الحكم هو عدم جواز امتداد العقد إلى أقارب المستأجر المقيمين معه، بحيث يكون مقتصرا على جيل واحد فقط من ورثة المستأجر الأصلى وهم الأبناء والزوجات والوالدان، ويبدأ العقد معهم وينتهى بوفاتهم، بشرط الإقامة الهادئة المستقرة لمدة سنة على الأقل قبل وفاة المستأجر الأصلي.

وفى عام 2024م حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 1 والمادة 2 من القانون رقم 136 لسنة 1981، حيث كانت هذه الفقرة تنص على ثبات الأجرة للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، وقد جاء فى حيثيات الحكم بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية أن « ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتا لا يزايله مضى عقود على التاريخ الذى تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية».

وعلى أثر ذلك قد أعدت الحكومة مشروعا لقانون الإيجار القديم، وقد نصت المادة «5» من هذا المشروع على أنه: « تنتهى عقود إيجار الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون بانتهاء مدة خمس سنوات من تاريخ العمل به، ما لم يتم التراضى على الإنهاء قبل ذلك».

ومفاد ما تقدم فى مشروع الحكومة أن عقود الايجار تنتهى بعد خمس سنوات، إلا إذا تم الاتفاق بين المالك والمستأجر على إنهاء العلاقة قبل مضى هذه المدة، ويجب على المستأجر فى هذه الحالة إخلاء المكان المؤجر، وإذا امتنع عن الإخلاء، يمكن اتخاذ إجراءات إصدار أمر طرده من قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الكائن فى دائرتها العقار.

وبالنظر إلى أحكام المحكمة الدستورية العليا سالفة البيان، نجد أنها أقرت الامتداد القانونى لعقد الإيجار لجيل واحد بعد المستأجر الأصلي، كما تم الحكم بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية، ومن ثم السؤال الذى يفرض نفسه فى هذا الصدد هو: هل يمكن للمشرع أن ينهى عقود الايجار بعد مضى خمس سنوات، ويتم كأثر لذلك التزام المستأجر بإخلاء المكان كما جاء فى مشروع الحكومة؟! أم أن المشرع يكون ملزما فقط بوضع ضوابط ومعايير تتعلق بعدم ثبات القيمة الإيجارية؟! فى حقيقة الأمر ليس أمام المشرع سوى النظر فى مسألة القيمة الإيجارية، ووضع المعايير العادلة التى تتعلق بعدم ثباتها، ولا يمكن للمشرع أن يضع نصوصا خاصة بانتهاء عقد الايجار بعد مضى مدة معينة، أيا كانت هذه المدة، لأن ذلك يتعارض مع حكم المحكمة الدستورية العليا الذى قضى بالامتداد القانونى لعقد الايجار لجيل واحد بعد المستأجر الأصلي.

إذا تبنى مجلس النواب مشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة كما هو، وخاصة ما اشتملت عليه نصوصه من تحديد مدة زمنية معينة تنتهى بعد مضيها عقود الايجار، فإن التشريع المزمع سنه بهذه الكيفية يشكل عقبة فى التنفيذ، ويمكن للمحكمة الدستورية العليا فى هذه الحالة التدخل لإزالة هذه العقبة. وأعتقد أن مجلس النواب يجب عليه أن ينظر فقط لمسألة ثبات القيمة الإيجارية التى تم الحكم بعدم دستوريتها، وأن يسن النصوص التى تشتمل على الضوابط التى تضمن عدم ثبات القيمة الإيجارية،كى لا يتم الاستمرار فى ظلم الملاك، بشرط أن يتم الاستناد إلى معايير عادلة، تراعى تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر.

ويتم ذلك من خلال الأخذ فى الحسبان ما تعرض له المالك من ظلم بسبب ثبات القيمة الإيجارية، دون أدنى اعتبار للقوة الشرائية للنقود، ودون أدنى اعتبار لما قد آل إليه العقار من تهالك بسبب عدم صيانته، كما ينبغى أيضا الأخذ فى الحسبان أن المستأجر هو الطرف الضعيف، خاصة إذا كان لا يملك عقارا آخر، بخلاف المكان المؤجر الذى ينتفع به!.

وأعتقد أن المشرع إذا راعى حقوق الطرفين، ووازن بينهما، استنادا إلى مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والتضامن الاجتماعي، ستكون العلاقات بين المالك والمستأجر مستقرة، إلى حين أن يعود المكان المؤجر إلى المالك بعد انتهاء الانتفاع به من قبل المستأجر الأصلى وجيل واحد من بعده، وهنا يمكن أن نضمن بحق عدم وجود أى تهديد للسلام الاجتماعي.


لمزيد من مقالات د. شحاتة غريب

رابط دائم: