رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

مراجعة للاستراتيجيات العسكرية

إلى جانب القضايا الكبرى التى تنشغل بها مراكز الفكر مثل الهيكل الجديد للنظام الدولي، والتنافس الامريكى الصيني، والحروب التجارية.. وغيرها. نجد أن هناك اهتماما متزايدا بمراجعة الاستراتيجيات العسكرية فى ضوء خبرات الحروب التى يشهدها العالم الآن مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية فى غزة.
والحديث الدائر الآن فى الأوساط الاستراتيجية العسكرية هو أن هناك «إعادة تعريف للحرب» وسعيا حثيث للتكيف مع ذلك. على سبيل المثال، فإن اجتماع القمة السنوى القادم لحلف شمال الأطلنطي، والمقرر عقده فى مدينه لاهاى بهولندا يومى 24 و25 يونيو، لن يناقش فقط زيادة حجم الإنفاق العسكرى لدول الحلف (وهو أمر أصبح محل توافق) ولكن سيناقش أولويات هذا الإنفاق العسكرى. على سبيل المثال، تشير بعض التقارير إلى ان الحرب فى أوكرانيا سلّطت الضوء على قصور أوروبا فى التأهب اللوجستي. حيث كانت الطرق والجسور ضعيفة للغاية، بحيث منعت الدبابات وغيرها من المعدات العسكرية الثقيلة من عبور الحدود فى أوروبا، حيث لم تتحمل وزنها. إلا أن الأمر الأكثر أهمية للإنفاق هو ما أشاراليه أحد المحللين الاوروبيين بقوله إن التكنولوجيا المتقدمة، كالذكاء الاصطناعى والحوسبة السحابية، «أصبحت العمود الفقرى الجديد للدفاع». وأضاف: «الأمر لا يقتصر على الرصاص، بل يشمل الرصاص والبيانات».
وسائل الإعلام الغربية تمتلئ أيضا بالتحليلات حول مستقبل الحروب والدروس المستفادة من الحروب الجارية حاليا فى أوكرانيا وغزة. جريدة الوول ستريت جورنال نشرت تقريرا هذا الأسبوع كان عنوانه «التكنولوجيا والاستخبارات يعيدان تعريف الحرب» جاء فيه إن الحروب الدائرة حاليا أظهرت كيف يمكن للتقدم التكنولوجى – مثل الطائرات المسيرة، وشبكات الاتصالات، والبطاريات والمتفجرات الأصغر حجما والأكثر قوة – أن يغير مسار الحرب عندما يقترن بمهارات تنفيذ متقنة.  وأشار التقرير إلى عملية «شبكة العنكبوت» التى نفذتها أوكرانيا داخل الاراضى الروسية، والتى قامت على نقل طائرات بدون طيار صغيرة الحجم، إلى مسافة قريبة بما يكفى من المطارات الروسية لجعل أنظمة الدفاع الجوى التقليدية عديمة الفائدة.
صحيفة نيويورك تايمز نشرت أيضا تحليلا إخباريا تحت عنوان «هجمات الطائرات بدون طيار هى الجبهة الجديدة فى الحرب. حلف شمال الأطلسى يحاول اللحاق بالركب». جاء فيه «إن الهجمات بالطائرات بدون طيار التى ملأت سماء أوكرانيا وروسيا فى الأسابيع القليلة الماضية لم تؤسس لعصر جديد من الحرب فحسب، بل أظهرت أيضا للدول الغربية مدى عدم استعدادها لها». وأشار التقرير إلى أنه فى وقت سابق من هذا العام، افتتح حلف شمال الأطلنطى مركز تدريب مشترك مع القوات الأوكرانية فى بولندا لتبادل الدروس المستفادة من الحرب مع روسيا. وأضاف ان جزءا كبيرا من حلف الأطلنطى مازال يركز على حروب الماضي، وغير قادر على مواكبة التدفق المستمر من الهجمات الإلكترونية وغيرها من الأنشطة الهجينة التى تهدد البنية الأساسية للطاقة والمؤسسات المالية وقواعد البيانات الحكومية التى تقع بعيدا عن خطوط المواجهة التقليدية. ولكن تشير تقارير أخرى إلى ان الجيش الأمريكى يقوم حاليا بأكبر عملية إعادة هيكلة منذ نهاية الحرب الباردة، حيث يخطط لتجهيز كل فرقة قتالية بنحو ألف طائرة مسيرة والتخلص من الأسلحة والمعدات القديمة، وان هذه الخطة، تستند إلى الدروس المستفادة من الحرب فى أوكرانيا. واذا نُفذت الخطة، فإن فرق الجيش العاملة ستحول تركيزها بشكل كبير نحو الطائرات المسيرة، باستخدامها فى المراقبة، ونقل الإمدادات، وتنفيذ الهجمات. فى الأسبوع الماضى أيضًا أصدرت وزارة الدفاع بالمملكة المتحدة تقريرا بعنوان «المراجعة الاستراتيجية للدفاع» والذى ركز فى جزء خاص على «التقنيات التى تعيد تعريف الحرب» ومنها الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وعلوم البيانات، ومرونة الشبكات الرقمية، والروبوتات والأنظمة الذاتية، وأسلحة الدقة المحسنة التى تعنى إصابة الأهداف بدقة أكبر من مسافات أبعد، وأسلحة الطاقة الموجهة، التى لديها القدرة على تقليل الأضرار الجانبية، الصواريخ فائقة السرعة التى تسافر بأكثر من خمسة أضعاف سرعة الصوت، وتوفر مدى أكبر وقدرة أعلى على تجنب الدفاعات، ونظم الحوسبة التى تساعد فى كسر التشفير، وتقلل الاعتماد على نظام توجيه الخرائط التقليدى القائم على الأقمار الصناعية، والذى قد يكون عرضة للتداخل. بالإضافة إلى مايسمى الهندسة البيولوجية التى تخلق إمكانات لتعزيز قدرات القوات المسلحة من خلال تقدم الطب والرعاية الصحية، وإمكانيات تطوير مواد طاقة ومتفجرات جديدة، بالإضافة إلى سبل لإلحاق ضرر هائل عبر مسببات أمراض جديدة وأسلحة دمار شامل أخري.  
 التقرير يشير إلى عدد من الأخطار التى يمكن ان تتعرض لها البلاد ومنها هجمات (من خلال الطائرات المسيرة البعيدة المدي، والصواريخ الجوالة، والباليستية) تستهدف البنية التحتية العسكرية والبنية التحتية الوطنية الحرجة، وزيادة أعمال التخريب، ومحاولات تعطيل الاقتصاد خاصة الصناعات الداعمة للقوات المسلحة—بما فى ذلك الهجمات الإلكترونية، وعرقلة التجارة البحرية، والهجمات على البنية التحتية، بالإضافة لجهود التلاعب بالمعلومات لتقويض التماسك الاجتماعى والإرادة السياسية. وأشار التقرير إلى أن «من يحصل على التكنولوجيا الجديدة فى أيدى قواته المسلحة بشكل أسرع سوف يفوز». ودعا التقرير إلى استثمار مكثف فى الطائرات المسيرة، كما أكد أيضا أهمية الاستثمار فى البشر، وإنشاء مسار للمهارات والمواهب الإبداعية التى ستساعد الدفاع والصناعة فى تقديم قدرات متطورة، وذلك بالتعاون بين وزارة التعليم ووزارة الدفاع والجامعات ومراكز البحث والتكنولوجيا، وذلك للاستثمار فى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والمهارات المتخصصة الأخري. باختصار، العالم يشهد مراجعات فى الاستراتيجيات العسكرية تتطلب الاهتمام والدراسة.


لمزيد من مقالات د. محمد كمال

رابط دائم: