كتب القدر على جبين مصر أن كل نار تشتعل بأرض فلسطين تهرع لتخمدها وتتصدى بقوة للمساعى الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وتظل واقفة على أقدامها لا يغمض لها جفن وتضع إمكاناتها رهنا لدعمها حتى تتجاوز محنتها ويتحقق استقرار الأحوال ولم تفرط يوما هروبا من أزمة.. ففى كل الأزمات حاضرة تقدم يد العون والمساعدة عبر مفاوضها القوى العنيد تدفع به ليكون لسان حالها ومدافعا عن حقوق تاريخية تعبث بها دولة الاحتلال الإسرائيلى وتعرضها إثر اندلاع كل أزمة لخطر محدق ولولا وجوده بصدر المفاوضات مؤمنا بالقضية لذهبت ثوابتها أدراج الرياح وتغيرت موازين القوى وبات الشعب الفلسطينى وحيدا بلا سند حقيقي.
تمضى السنوات الطويلة والمفاوض المصرى مازال على عهده يرفض التخلى عن دوره الأصيل ومسئولية يناط بها بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية وتوفير مظلة حماية تحفظ لها الحياة وتنقذها من قسوة دمار وخراب تحدثه قوات الاحتلال الإسرائيلى ويسعى بفكر متقد طوال الوقت للعثور على حلول ضائعة وسط حطام الأزمات.. لم يرفع راية الاستسلام فى أزمة ما.. دائما يتحلى بصبر لا يعرف حدود ويتمسك بأهداب الأمل ليأتى بأمل خبا فى زحام الصراع.. يعيده إلى شعب يحدوه حلم بتحرير أرضه من قبضة الاحتلال وإقامة دولته المستقلة.
وضع المفاوض المصرى فوق عاتقه مسئولية جسيمة وتحمل عبئا تنوء به عصبة أولو قوة خلال مفاوضات شاقة تتعثر خطواتها على الدرب بفعل صلف دولة الاحتلال وألغام زرعتها فى نهر الطريق تحتاج لحكمة وصبر ورؤية تبصر ما تطويه الصدور ولم يكن يسيرا أمامه تلاقى وجهات النظر البعيدة واحتواء الخلافات الشديدة.. حتى فرض واقعها استحالة الوصول إلى منطقة تجتمع عندها أطراف الصراع وصولا لاتفاق بوقف حرب غزة والدخول فى عملية سلام تحفظ للشعب الفلسطينى حقوقه التاريخية المشروعة وتجهض مخطط عملية الإبادة الجماعية ومؤامرة التهجير وحلحلة الموقف الأمريكى الداعم للاحتلال على طول المسار. حالت عقبات كئود دون وقف الحرب الدائرة فى قطاع غزة وكادت تنزلق صوب مرحلة عصيبة بإبادة جماعية وإنهاء الحياة بكامل عناصرها وتصدى المفاوض المصرى حائلا ـ حدوث ذلك على نحو سعت إليه وخططت قوات الاحتلال الإسرائيلى.. فأجهض ببصيرته النافذة ما يحاك ووعى على مدى مراحل التفاوض عدم تمكينها بالوصول لتلك الغاية وحقق نجاحات بالغة بشأن الدفع نحو ما يصون حياة الفلسطينيين المحاصرين هناك ويحفظ حقوق القضية الفلسطينية.. فكان مفاوضا أمينا وجنديا مجهولا بمفاوضات شاقة بالغة التعقيد. تظل حكمة المفاوض المصرى خلال مفاوضات وقف حرب غزة الضمانة الوحيدة لصون القضية الفلسطينية وحياة الشعب الفلسطينى وجسرا ممدودا لمنطقة الشرق الأوسط يحول دون انزلاقها لحرب تدخل فيها أطراف أخرى وقبضا على زمام الأمور يتلمس الصبر يستوعب خلافات وجهات النظر ويقرب المسافات البعيدة ويدفع بطرفى النزاع للوقوف بمنطقة آمنة تبتعد عن بلوغ طريق مسدود.. فقدم أعظم ما يملك من خبرات ورؤى وأفكار مستنيرة حتى وضع دولة الاحتلال الإسرائيلى فى مأزق وكشف زيف مواقفها وخفف قدر المستطاع حدة معاناة الفلسطينيين. تكفل العقبات التى وضعتها دولة الاحتلال الإسرائيلى بطريق المفاوضات أن تجعلها تتوقف وتصل لطريق مسدود وأبى المفاوض المصرى الرضوخ لها رغم توغل شديد سلكته بمناطق تعرض الدولة المصرية لمواقف محرجة ووقف رسوخه إيمانا بقضيته العادلة دافعا للعبور فوق الصغائر وانطلق بمجرى مساره بحثا عن وميض نور فى ليال حالكة الظلام يضيء سماء غزة ويخفف حجم معاناة الشعب الفلسطينى ويمد إليهم أياد حانية وسط عالم انتزع من جوف قلبه الإنسانية والرحمة صمتا على جرائم الاحتلال.
هربت إسرائيل من مواجهة المفاوض المصرى ولت فرارا إلى الحرب تكمل طريقها نحو الغرق بقاع الوهم بانتصار مزعوم خيل لها بلوغه وما هى ببالغته.. تخشى الجلوس على طاولة المفاوضات فى حضرته.. فقد أوصد أمامها كل المنافذ إجبارا وجفف كل نهر تنطلق بمجراه وقدم إليها أياد تبصر طريق وقف الحرب الضروس ولكن عميت قلوبها التى فى الصدور لتهرع نحو ميادين القتال.. فهناك تعتقد بسهولة المواجهة واستطاعة فرض وجودها.. أملا بإبعاده وهى لا تعلم أن وجوده فى قلب المفاوضات فرض عين- باستحالة إبعاده- حتى وإن أتت بمفاوضين من عوالم خفية. يتدفق كنهر هادر عطاء المفاوض المصرى وتظل أعظم معانى الإشادة بمواقفه وقدرته الهائلة على التفاوض فى مواجهة الصلف الإسرائيلى لا تكفيه تعبيرا.. سوف يظل وميض النور المختبئ بعمق ظلام القضية الفلسطينية والقادر بالدفاع عن الحق الفلسطينى وصاحب العلم والمعرفة والرؤية الثاقبة بقراءة دقيقة لأبعاد حرب لا تعرف قوانين الإنسانية والمنخرط بوازع عربى وسط مجريات الأحداث لا يعبأ بخوف تسكنه هموم عدالة القضية وإليه أجمل ما فى الوجود أهديه.
لمزيد من مقالات عبدالرءوف خليفة رابط دائم: