رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

«الكوفية» وحدها لا تكفى

البس «كوفية» فلسطيني.
ارفع علم فلسطين فى المباريات.
غن «أنا دمى فلسطيني» فى الأفراح وأعياد الميلاد.
نظم ما تشاء من القوافل والمظاهرات.  
احرق علم إسرائيل.
دُس عليه بالأقدام.
العن إسرائيل على المنابر، وادع على الصهاينة فى المساجد والنقابات والمؤتمرات بالفناء والأوبئة.
كل هذا جميل. ولكنه يحدث منذ 77 عاما، ولم يحدث شيء!
إسرائيل اهتزت فى تاريخها الأسود مرتين فقط، الأولى فى حرب 73، عندما «اتمسح بها الأرض»، وطلبت الغوث من أمريكا، والثانية عندما صدر أمر اعتقال دولى ضد قادتها العام الماضي.
لا تهتز أركان دولة إسرائيل بارتدائك الكوفية.
ولا بحرق علم نجمة داود. ولا بتسيير قافلة فى البر أو فى البحر.
إسرائيل ليست مجرد دولة «بجحة» لا تبالى بمثل هذه الأفعال، ولكنها كيان عدوانى توسعى براجماتي، أشبه بمسجل خطر لا يتورع عن قتل وتشويه وجه ضحيته، مقابل تحقيق ما يريد.
السفينة «مرمرة»، لم تنه الاحتلال. السفينة «مادلين» صودرت، وتم اعتقال كل من عليها.
حتى 7 أكتوبر نفسها، لم تكن عملا مدروسا، لا سياسيا ولا عسكريا، وعليه علامات استفهام بالمئات، وكان أشبه بانتحار بلا ثمن، أو هدية بلا مقابل، بدليل أن ما حقققته إسرائيل بعدها من مكاسب على الأرض، وأولها «فناء» قطاع غزة، واحتلاله بالكامل، والقضاء على حماس، ومعها حزب الله، واحتلال أراض فى سوريا، والتاريخ لا يعترف إلا بالنتائج.
أكتوبر 73 هى وحدها من حققت نتيجة ملموسة على الأرض، ونجحت فى «تركيع» إسرائيل.
ابحثوا عما يؤلم إسرائيل حقا. كفاية «تمثيليات» وابتزاز مشاعر. أكثر ما يؤلم إسرائيل هو «العزلة» الإقليمية والدولية.
رفض التطبيع يؤلمها. الحصار السياسى والدبلوماسى ضدها، وتخلى أصدقاء تاريخيين عنها، يؤلمها.
العقوبات الاقتصادية، وحظر استيراد السلع المنتجة داخل المستوطنات، يؤلمها.
إصدار أمر اعتقال دولى ضد قادتها، ووصمهم بمجرمى الحرب، يؤلمها.
الطرد من المنظمات والاتحادات الدولية، يؤلمها.
المصالحة الفلسطينية طبعا «كانت» ستكون أكثر ما يؤلمها، ولكنها لم تحدث، وسعت إليها مصر مرارا، ولكن للأسف، غلبت المصالح الشخصية والضيقة على مصلحة الشعب الفلسطينى و«القضية». أى تحرك إقليمى أو دولى صوب السلام، أو استئناف المفاوضات، أو دعم القضية الفلسطينية، سيؤلمها. «خلاص بقي». يجب أن نتعلم فن الانتقال من التعبير إلى التأثير.
فالوقود وحده لا يحرك السيارة.
والمشاهد الاحتجاجية المتكررة باتت تقابل ببرود من قبل الطرف المعني، بل وتستخدم أحيانا كدعاية لتلميع صورة «القوة التى تتحمل الاحتجاجات».
وهنا يجب أن نطرح السؤال المهم الجوهري: «هل ما زالت هذه التحركات الشكلية، رغم نبل مقاصد بعضها، تحمل أى جدوى حقيقية فى تغيير المعادلة أو ردع العدوان، أم أنها تحولت إلى طقوس فارغة أقرب إلى النفاق السياسى والاجتماعي»؟
لا شك فى أن هذه المظاهر تنبع من رفض صادق للظلم الواقع على شعب فلسطين، وتأكيد استمرار القضية فى الضمير الجمعي، كما أنها تلعب دورا فى الحفاظ على حضور القضية إعلاميا وتربية الأجيال على ارتباطها بهويتهم.
لكن المشكلة تكمن فى أن «الاحتلال»، بآلته العسكرية الضاربة وتمسكه بمشروعه التوسعي، تخطى منذ زمن بعيد مرحلة التأثر بالرمز أو الانزعاج من الشكل، فهو يدرك جيدا أن الكوفية، مهما انتشرت، لن توقف جرافة تهدم منزلا فلسطينيا، وأن المظاهرة، مهما كبرت، فلن تعيد أراضى مغتصبة، وأن بيان الشجب، مهما بلغت حدته، فلن يمنع استمرار بناء المستوطنات. لقد أصبحت هذه الأدوات مجرد «ضجيج»، أو «تنفيس»، والخطر الأكبر أن تكرار هذا الضجيج لعقود دون أثر ملموس، يحوله إلى أفعال سخيفة، لا قيمة لها، بل ويسهم فى تهدئة الضمائر، وإيهام الناس بأنهم قد أدوا واجبهم.
«العزلة» هى التغيير الأكثر جدوى وفاعلية الآن.
تحول الموقف الأوروبى ضد إسرائيل «مهم».
الغضب الشعبى الأمريكي، مهم جدا.
مذهل أن نجد من يتعهد بعدم المساس بأمن إسرائيل، الآن تحديدا!
بالحصار الدبلوماسي، والعزلة، تفقد إسرائيل شرعيتها، وتتقوض تحالفاتها، ويخف الدعم المستمر لها. وبالمقاطعة «المدروسة»، لا «الطائشة» التى ننتهجها، تصعب استدامة اقتصاد الاحتلال.
إسرائيل «هشة»، ويسهل تفتيتها.
ولكن ليس «بالكوفية» !


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: