تتزايد فى الآونة الأخيرة الأمراض المزمنة المرتبطة بنمط الحياة، ويبرز دور الأغذية الوظيفية كخط وقائى ومكمل علاجى مهم. تتجاوز هذه الأغذية لتتعدى دور التغذية الأساسى حيث تسهم بفاعلية فى تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض. ونحاول فى هذا الموضوع الفهم العميق لكيفية تفاعل هذه المكونات مع الأنظمة البيولوجية فى الجسم، وكيف تتيح لنا الأغذية الوظيفية استراتيجية استباقية للحفاظ على الصحة والحد من خطر الإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكر من النوع الثاني، وبعض أنواع السرطان، واضطرابات الجهاز الهضمي.
يؤكد الدكتور حسن حسونة أستاذ التغذية بالمركز القومى للبحوث أن الدور الوقائى للأغذية الوظيفية يكمن فى تفاعل مكوناتها النشيطة بيولوجيا مع الأنظمة البيولوجية فى الجسم، وتعمل هذه المكونات بآليات متعددة داخل الجسم، لتدعم وظائف الأعضاء ومن ثم تظهر قدرتها على تعديل المسارات البيولوجية المرتبطة بتطور الأمراض المزمنة غير المعدية، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، السكر من النوع الثاني، بعض أنواع السرطان، والاضطرابات العصبية التنكسية.
فعلى سبيل المثال، تسهم مضادات الأكسدة فى إبطال مفعول الجذور الحرة وتقليل الإجهاد التأكسدي، الذى يعد عاملا رئيسيا فى شيخوخة الخلايا وتلف الأنسجة. كما تعمل الألياف الغذائية على تحسين صحة الجهاز الهضمي، وتنظيم مستويات السكر فى الدم، وخفض الكوليسترول. بينما تلعب البروبيوتيك دورا حيويا فى تعزيز الميكروبيوم المعوي، الذى يؤثر بدوره على المناعة فيقوى الجهاز المناعى ويقلل من الالتهابات، كما ينظم عمليات التمثيل الغذائي، ويحسن الحالة المزاجية.
يقول د. حسن حسونة إن جسم الإنسان يتعرض بشكل يومى وباستمرار للميكروبات الضارة بجميع أنواعها، ويقوم جهاز المناعة بحماية الجسم من هذه الميكروبات الضارة مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات ويتعامل معها على الفور. ويضيف مؤكدا أن تناول وجبات غذائية صحية متنوعة ومتوازنة تحتوى على الفيتامينات والأملاح المعدنية والعناصر الغذائية تؤدى إلى دعم جهاز المناعة والوقاية من الأمراض وتساعد على التعافى بشكل أسرع عند حدوث المرض.
ويشير إلى أن أهم الأغذية التى تدعم جهاز المناعة الخضراوات والفواكه التى قد تصل نسبة فيتامين سى فيها الى 220 ملليجراما لكل 100 جرام، ويعمل فيتامين سى على زيادة إنتاج خلايا الدم البيضاء التى تحارب العدوى، كما يعمل الفيتامين ضد الإصابة بنزلات البرد. وبالنسبة للخضراوات الورقية فهى مفيدة لجهاز المناعة، ومن أمثلتها الكرنب، والسبانخ الذى يحتوى على فيتامين سى ومضادات الأكسدة والبيتا كاروتين.
ويضيف أستاذ التغذية أن الفلفل الأحمر يحتوى على نسبة عالية من فيتامين سى التى قد تصل نسبته فيها إلى 100 ملليجرام لكل 100 جرام، وهو غنى أيضا بالبيتا كاروتين التى تساعد فى المحافظة على صحة الجلد والعين.
أما المأكولات البحرية مثل الجمبرى والمحاريات والكابوريا والسمك فهى مصادر غنية بعنصر الزنك المهم لعمل جهاز المناعة، بينما تحتوى الأسماك الدهنية مثل السلمون والتونة والماكريل على الأحماض الدهنية «أوميجا 3» المهمة لوظيفة جهاز المناعة، والتى تعمل على تقليل الالتهابات.
ومن الأغذية الوظيفية المفيدة أيضا الزبادى والأغذية المتخمرة مثل المخلل والكرنب المخلل، حيث تحتوى هذه الأغذية على البروبيوتيك التى يمكن أن تساعد فى تحفيز جهاز المناعة لمحاربة الأمراض.
كما يحتوى الثوم على مركبات الاليسين الكبريتية التى تساعد جهاز المناعة فى محاربة الجراثيم والأمراض وتساعد فى تنظيم جهاز المناعة وخفض ضغط الدم والإبطاء من تصلب الشرايين.
ومن المفيد جدا تناول الأغذية الغنية بالبروتين قليلة الدهون مثل اللحوم الحمراء قليلة الدهون والدجاج الذى يدعم جهاز المناعة لاحتوائه على فيتامين ب 6، حيث يلعب دورا مهما فى التفاعلات الكيميائية التى تحدث فى الجسم، وهو حيوى لتكوين خلايا دم حمراء جديدة.
وتوضح د. أمل الفقى الأستاذ المساعد بقسم العقاقير، بمعهد بحوث الصناعات الصيدلية والدوائية بالمركز القومى للبحوث، أنه توجد أيضا مشروبات وتوابل تحتوى على مكونات وظيفية من أهمها الزنجبيل ويتم تناوله سواء طازجا أو شرابا دافئا أو كتوابل فى الطعام كمضاد لالتهاب الحلق وعلاج الغثيان بسبب احتوائه على عدد كبير من مضادات الأكسدة.
ويعد الكركم من التوابل التى تعالج العديد من المشكلات الصحية لاحتوائه على كميات كبيرة من مضادات الأكسدة، كما ثبتت فعالية القرنفل فى تعزيز صحة الإنسان، وعلاج كثير من الأمراض خلال تقوية جهاز المناعة، وتعزيز كفاءة الجهاز التنفسي، وتمتلك المرمرية أيضا الكثير من الفوائد الصحية المختلفة نظرا لاحتوائها على نسبة كبيرة من مضادات الأكسدة.
كما تعمل أوراق الزيتون كمضاد قوى للبكتيريا، والفطريات، والطفيليات، والفيروسات، ومحفز قوى لجهاز المناعة.
وتؤكد د. منى محمد إبراهيم الأستاذة بمعهد بحوث التقنيات الحيوية بالمركز القومى للبحوث أهمية البقوليات كمصدر للبروتينات المهمة، وليس الاعتماد على المصدر الحيوانى فقط، وذلك لغنى البقوليات بالبروتينات المهمة، والتى تسمى مثبطات البروتيازات، والتى تتميز بقدرتها على الحد من نمو الخلايا السرطانية، وأوضحت الدراسات أن إنزيمات البروتيازات مهمة فى العمليات الحيوية من أهمها هضم وتحلل البروتينات المختلفة، ولكن يجب أن يحدث توازن بين إنزيمات البروتيازات ومثبطاتها، وأى خلل فى هذا التوازن يؤدى للعديد من الأمراض من أهمها السرطان، حيث تشارك إنزيمات البروتيازات فى المراحل المختلفة للسرطان بدءا من إحداث الورم ونموه وانتشاره، كما تبين أن التربسين، وهو أحد أنواع بروتيازات السيرين الهضمية المعروفة، يشارك فى أنواع مختلفة من السرطان، ويعزز نموه وانتشاره.
وأجرت الدكتورة منى وفريقها البحثى دراسة لفصل وتنقية وتوصيف مثبطات البروتيازات (PIs) من ثلاث بذور بقولية مختلفة وهى فول الصويا، واللوبيا، والحمص، تم استخدام تقنيات ترسيب كبريتات الأمونيوم، والتبادل الأيوني، والترشيح الهلامى لتنقية مثبطات البروتيازات، والتى كانت فعالة فى الحصول على مثبطات بروتيازات نقية، وأعطت نشاطا تثبيطيا أعلى مقارنة بالمستخلصات الخام، وتم اختبار مثبطات البروتيازات النقية على ثلاثة أنواع من الخلايا السرطانية، والتى تشمل الخلايا السرطانية للرئة والكبد والقولون.
وأظهرت نتائج الدراسة أن مثبطات البروتيازات المعزولة من البقوليات الثلاث لها نشاط فعال فى موت الخلايا السرطانية، وخاصة تلك المعزولة من فول الصويا، حيث أعطت أقوى نشاط تثبيطى مقارنة بالبقوليات الأخرى، وقللت من نشاط إنزيم التربسين بشكل ملحوظ حتى عند التركيزات المنخفضة، وأظهرت أقل قيمة، بالإضافة إلى زيادة فعاليتها ضد خلايا السرطان، خاصة الخلايا السرطانية للكبد والقولون، ولكن ما زالت هناك الحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لاكتشاف المزيد من فعالياتها، وآلية تأثيرها.
رابط دائم: