حذّر حزب الشعب السويسرى من أن البلاد بلغت طاقتها القصوي، من حيث استهلاك الطاقة والحفاظ على مواردها الطبيعية، حيث تجاوز عدد سكانها تسعة ملايين نسمة، ومن المتوقع وصوله إلى عشرة ملايين بحلول عام 2040.
وجاء إعادة فتح باب النقاش من جانب الحزب اليمينى المحافظ بعد إعلان الإدارة السويسرية عن أرقام وإحصاءات تتعلق باستقبال البلاد لأكثر من مليونى نسمة ما بين عامى 2011 و2023، أغلبهم من الاتحاد الأوروبى ومن الدارسين والموظفين ولاجئى أوكرانيا الذين وفدوا فور اندلاع الحرب فى عام 2022. وعلى الرغم من مغادرة نصف العدد للبلاد، إلا أن الحزب كرر المطالبة بعدم استقبال المزيد حتى لا تتأثر رفاهية البلاد.
وكان المكتب الاتحادى للإحصاء والتعداد قد كشف لأول مرة عن الأرقام التى يستخدمها الحزب كفزاعة لإثارة حفيظة السويسريين تجاه الجنسيات الأخرى سواء من العاملين الرسميين أو اللاجئين أو المقيمين دون أوراق رسمية. وكشفت الأرقام التقريبية التى ترددت فى الأعوام الماضية، فضلا عن أرقام العام الماضى للمكتب الاتحادى للإحصاء الذى أشار إلى أن هناك 9 ملايين و2763 شخصاً يعيشون فى سويسرا، ويحمل نحو 27 % منهم جوازات سفر أجنبية، وعلى رأسها يأتى الإيطاليون والألمان من حيث عدد السكان.
وأكدت الإحصاءات الحكومية ما يمكن اعتباره أول كشف حساب عن الفترة ما بين عامى 2011 و2023، حيث دخل إلى البلاد ما يزيد قليلا على مليونى شخص خارج إطار اللجوء، أو ما يقرب من 87 % من إجمالى الهجرة إليها مؤقتة أو دائمة. وتشمل هذه الفئة الأشخاص القادمين من دول الاتحاد الأوروبى والموظفين بعقود رسمية والطلاب الأجانب وغيرهم. وشكلت حالات اللجوء نسبة 12.8 %من الأعداد، بينما وصل نحو 300 ألف شخص إلى سويسرا بموجب حق اللجوء (بما فى ذلك تصريح الحماية «إس»)، وهو ما يمثل حوالى 13 % من إجمالى القادمين إلى البلاد. مع التأكيد أنه بنهاية عام 2023، غادر ما يقرب من 40 % منهم الأراضى السويسرية.
وأشارت الأرقام إلى أن ما يقرب من 30 % من إجمالى الوافدين يحملون تصريح “إل” أو التفويض قصير المدى لأصحاب الإقامات القصيرة ممن يسمح لهم بالعمل فى سويسرا لمدة عام واحد.
وفى الفترة نفسها، لم يتعد عدد حاملى التصريح «سي» للإقامة الدائمة أربعين ألف نسمة وأغلبهم من الأجانب المتزوجين بسويسريين أو من دافعى الضرائب ممن أمضوا أكثر من عشر سنوات فى العمل بهيئات سويسرية. أما أصحاب الهوية «إن» أو تصريح الإقامة المؤقت فى أثناء إنهاء إجراءات اللجوء، فلا يتجاوز مائتى ألف شخص. بينما بلغ عدد الحاملين لتصريح «إس» لإقامة الأشخاص المحتاجين للحماية، نحو 90 ألف أوكراني، وهو وضع خاص يُمنح فى إطار الحماية الجماعية الذى تم تفعيله لأول مرة فى مارس 2022 للاجئين من أوكرانيا. ويختلف ذلك التصريح عن تصريح الإقامة المؤقت «إف» المخصص للأشخاص الذين حصلوا على قرار سلبى بشأن البقاء كلاجئين، ولكنهم لا يستطيعون مغادرة سويسرا، بسبب استمرار الأوضاع غير المستقرة فى بلدهم الأصلى مثل القادمين من إيران أو أفغانستان على سبيل المثال.
وتحمل مبادرة الحزب المثيرة للجدل والتى أطلقها منذ العام 2020 عنوان «لا لعشرة ملايين سويسري»، حيث نجح الحزب فى العام الماضى فى تقديم 114,600 توقيع إلى المستشارية الفيدرالية فى برن، لإضافة مادّة جديدة بشأن «التنمية السكانية المستدامة» إلى الدستور. وتهدف المبادرة إلى التنظيم والحد من عدد السكان فى سويسرا، وضبط معدلات الهجرة، بهدف الحفاظ على الهوية الثقافية السويسرية، وتقليل الضغط على الخدمات العامة والبنية التحتية. ويعد حزب الشعب ذو التوجه اليمينى المحافظ من الأحزاب الرئيسية فى الاتحاد السويسرى وله قاعدة شعبية لا يستهان بها، وقد تأسس عام 1971 باعتباره صوتًا للطبقة الوسطي، بهدف التركيز على القضايا القومية، والسيادة الوطنية، والاقتصاد والترويج لسياسات تدعم الموظفين والمزارعين السويسريين. وفى الوقت نفسه، يعارض الحزب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما يدعو إلى تحجيم الهجرة للحفاظ على سوق العمل. ويضم تاريخ الحزب مبادرات مماثلة، منها:
- مبادرة «الحد من الهجرة» (2014) لإعادة فرض الحصص على الهجرة من أوروبا، وتسببت تلك المبادرة فى توترات مع الاتحاد الأوروبي.
- مبادرة «طرد مرتكبى الجرائم الأجانب» (2010)، ممن أنهوا أو أدوا عقوبتها بالفعل، وقد قوبلت بانتقادات شديدة.
وشهد الشارع السويسرى وبرلمانه كذلك مناقشات ساخنة حول عدة مبادرات سابقة فى السنوات الماضية من جانب أحزاب أخرى تتعلق بالهجرة واللجوء، ولكنها لم تكن على القدر نفسه من إثارة القلق والتوتر والجدل كما حدث مع مبادرات حزب الشعب.
ويحتل الحزب عادةً مراكز متقدمة فى الانتخابات الفيدرالية، حيث ينافس بشكل رئيسى حزب الخضر، والحزب الاشتراكي، والحزب الليبرالي. ويتميز الحزب بقدرته على مغازلة وجذب الناخبين الذين يشعرون بالقلق حيال القضايا الاجتماعية والسياسات الاقتصادية وارتباكات الهوية الوطنية وتفاصيل الحياة اليومية، حيث تشهد البلاد ازدحامًا مروريًا غير مسبوق من وجهة نظرهم، وكذلك وسائل النقل العامة من القطارات والترام وغيرها. كما يكرر الحزب فى بيانات تحذيرات من بلوغ إمدادات الطاقة والمياه والرعاية الصحية حدها الأقصي، فضلًا عن نقص فى المعلمين من أهل البلاد.
ويُرجع حزب الشعب السويسرى كل هذه العواقب إلى «سياسة الهجرة المفرطة» التى يجب مواجهتها بطرق مختلفة ومنها دمج المزيد من الموظفين الأكبر سنا فى سوق العمل، حيث يرى أعضاء الحزب أن على المجلس الاتحادى والبرلمان «اتخاذ التدابير اللازمة لاحترام هذا الحد، لاسيما فى مجالى اللجوء ولم شمل الأسرة»، وهو ما يراه المعارضون تهديدا لازدهار البلاد واقتصادها وأمنها وسمعتها الدولية، حيث تعتبر سويسرا من أقل البلدان فى القارة الأوروبية استقبالا للمهاجرين واللاجئين فى إطار قوانينها المتشددة التى لم تفتح الأبواب يومًا على مصراعيها لطالبى الود أو اللجوء.
رابط دائم: