تعتبر السياسات الاجتماعية على درجة كبيرة من الأهمية خصوصا فى فترات الإصلاحات والتحولات الاقتصادية والتنموية، حيث يكون للدولة دورها فى تخفيف الأعباء التى يتحملها المواطن ومساعدته فى مواجهة الأعباء المعيشية، وذلك وفقا لإمكانات وقدرات كل دولة ومواردها وأعداد سكانها، وبذلت الدولة المصرية جهودها فى مجال السياسات الاجتماعية ويمكن الإشارة فى هذا الإطار إلى عدة مبادرات مهمة فى إطار هذه السياسات الاجتماعية ومنها مبادرة حياة كريمة وهى مبادرة رئاسية تستهدف المناطق والقرى والفئات الأكثر احتياجا فى المناطق الريفية، ولذلك يمكن النظر إليها باعتبارها مشروعا قوميا لتطوير الريف المصرى، والاهتمام ببناء الإنسان المصرى من مختلف الجوانب التعليمية والصحية ومحو الأمية وتحسين وتطوير البنية التحتية مثل رصف الطرق، وتطوير شبكات الكهرباء والوحدات الصحية، وتطوير الخدمات الحكومية التى يحصل عليها المواطن والارتقاء بجودة هذه الخدمات، والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والحفاظ على البيئة، والعمل على توفير القروض للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وقد استهدفت مبادرة حياة كريمة أعدادا كبيرة من القرى المصرية والتى تتزايد فيها نسبة الفقر.
وتندرج أيضا فى إطار هذه السياسات الاجتماعية مبادرة تكافل وكرامة، وهى تعتبر برنامجا للمساعدات النقدية التى يتم تقديمها للأسر الفقيرة والتى لديها مؤشرات اقتصادية، واجتماعية منخفضة، وبحيث لا تتمكن من اشباع احتياجاتها الأساسية، كما تمتد شبكة الحماية الاجتماعية أيضا لتشمل الفئات التى ليس لديها القدرة على العمل مثل ذوى الإعاقة، وكبار السن، ويصل عدد المواطنين المستفيدين من هذه المبادرة أكثر من 20 مليونا على مستوى الجمهورية مع وجود شروط لابد من توافرها فى المستفيدين من هذه المبادرة..
ويمكن النظر إلى الدعم الذى تقدمه الدولة لبعض السلع والمواد الغذائية باعتباره من المرتكزات المهمة للسياسات الاجتماعية التى تهدف إلى تخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين مثل دعم الخبز، ودعم بعض السلع الغذائية التى يحصل عليها المواطن بكميات معينة وفقا لعدد أفراد الأسرة من خلال بطاقات التموين حيث يتم تحديد كميات معينة من بعض السلع شهريا لكل فرد من الأسرة، وهو ما يعكس الاهتمام بتخفيف الأعباء على المواطنين من خلال الحصول على السلع المدعمة بأسعار أقل من سعرها الحقيقى فى السوق، ويعبر ذلك عن مشاركة الدولة فى حصول المواطن على هذه السلع بأسعارها المدعمة وهو ما يطلق عليه الدعم العيني.
ويمكن أن تثار تساؤلات حول أهمية وصول الدعم لمستحقيه، وهل يتم اللجوء إلى الدعم النقدى كبديل عن الدعم العينى، أى أن يحصل المواطن المستحق للدعم على مبلغ مالى شهرى على سبيل المثال بدلا من الحصول على السلع المدعومة، وما هى مزايا الدعم النقدى مقارنة بالدعم العينى، وهل توجد بعض القضايا التى يتطلب الأمر أخذها فى الاعتبار فى حالة التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى، وماهو الذى يحقق مصلحة المواطن أكثر الدعم النقدى أم الدعم المالى، وفى تقديرى أن الدعم النقدى يمكن أن يتيح للمواطن الذى يتلقاه مزيدا من المرونة فى شراء السلع الغذائية التى يرغب فيها، وقد يتجه فى طلبه إلى سلع معينة أكثر من سلع أخرى، وذلك وفقا لتفضيلاته، كما أنه يمكنه فى حالة الحصول على الدعم النقدى القيام بشراء السلع الغذائية فى الوقت الأكثر مناسبة له ولاحتياجاته، وبطبيعة الحال فإنه توضع بعض الشروط التى يجب توافرها فيمن يتلقى هذا الدعم النقدى مثل ألا يتجاوز راتبه الشهرى مبلغا معينا أو ألا يكون لديه ملكية زراعية أو عقارية أكثر من كم معين يحدده القانون وغير ذلك من الشروط لضمان عدالة التوزيع، ولضمان وصول الدعم إلى مستحقيه .
ويتطلب الأمر فى حالة التوجه إلى الدعم النقدى كبديل عن الدعم العينى أن توجد بعض الإجراءات التنظيمية التى تضمن استخدام الدعم النقدى فيما خصص له ، أى أن تستخدم مبالغ الدعم النقدى فى شراء السلع الغذائية، أو رغيف الخبز وغيره من السلع ، وألا تستخدم فى اى استخدام آخر يخالف فلسفة الدعم النقدى، كذلك من المرغوب فيه أن يؤخذ فى الاعتبار إمكانية تحريك الدعم النقدى بما يتناسب مع معدلات التضخم حتى لا تتناقص السلع التى يمكن للمواطن الحصول عليها فى حالة ثبات المبلغ المخصص للدعم النقدى، نظرا لظروف التضخم وما يترتب عليه من ارتفاع أسعار السلع.
ويمكن القول أخيرا إن الدعم النقدى يمكن النظر إليه باعتباره أحد مكونات السياسات الاجتماعية والتى تهدف إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطن، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، ومواجهة محاولات الفساد التى قد ينطوى عليها أحيانا الدعم العينى، ويعتبر إضافة مهمة إلى السياسات الاجتماعية التى تتبعها الدولة المصرية.
> أستاذ العلوم السياسية
جامعة القاهرة
لمزيد من مقالات د. إكرام بدرالدين رابط دائم: