قديما كان يٌطلق على الطبيب لقب الحكيم، وهو لقب مهم جدا، بل هو الأهم، فالطبيب كان يملك من البصيرة والعلم ما يمكنه من علاج الناس، ومعروف أن المرض أيا كانت درجته، هو أكثر ما يعيق الناس عن أداء مهامهم فى الحياة. لذلك كان المريض يعانى حتى يتم شفاؤه.
مع اكتشاف الطب للعلاجات و تنوعت مهارات الأطباء، صار لقب الحكيم ملازما للطبيب، يكفى مشاهدة أى من الأفلام القديمة التى باتت تؤرخ لحياة المصريين منذ قرن وأكثر من الزمان، لنشاهد الناس يقولون على الطبيب حكيما و ليس طبيبا، لثقتهم فى علمه و بصيرته و حكمته فى تخفيف آلامهم.
وهناك أطباء صاروا علامات فارقة فى تاريخ البشرية على الإطلاق لا يتسع المجال لسردهم، كان لمصر منهم حظ وفير، باتوا أصحاب مدارس متميزة فى إظهار التعامل مع المرضى برفق وصبر ورحمة. أتذكر تصريحا لطبيب شهير.. حينما قال إن المريض الفقير الغلبان؛ الذى لا يستطيع دفع أتعاب الطبيب، يدفع عنه الله، وعندما يعالجه الطبيب، يأخذ أجره من الله، وهو الأغلى على الإطلاق، فى محاولة منه لتحفيز الأجيال الجديدة على رعاية الفقراء بشكل مميز.
كل ذلك وأكثر جميل و مبهر فى آن واحد، لكن تلاحظ لى فى الآونة الأخيرة بعض المظاهر اللافتة غير المستحبة، خاصة من أصحاب الرداء الأبيض، الذى يميز الأطباء ومساعديهم، واللون الأبيض اختيار صادف أهله، فهو لون ملائكى. يرتديه ملائكة الرحمة، هكذا ينظر إليهم الناس. الأول، كنت أكشف عند أحد الأطباء، بعد ما انتهى من الكشف كتب الوصفة الطبية، ثم قال اراك بعد أسبوعين، فسألت أريد أن أفهم حالتى الصحية و ظروف المرض و مدى الشفاء، فرد بكلمة واحدة «حتخف»، ثم قال إن المرضى فى الانتظار، وأنى هكذا آخذ من وقتهم! فتركت ورقة الوصفة الطبية وانصرفت، ولم ينطق الطبيب بحرف، كان ذلك من فترة طويلة جدا، لكن الواقعة راسخة فى نفسى، بعدها بفترة حكى لى صديق عزيز، كان يعالج كريمته من مرض نادر رحمها الله، من طريقة معاملة الطبيب معه وزوجته، فكانت أم البنت كلما أرادت الاستفسار عن شىء، يقول لها هل معك بكالوريوس فى الطب أو دراسات متخصصة فى المجال، بشكل مستفز وهو يعلم الإجابة، حتى تنهى أسئلتها، ومعروف أن المريض يذهب للطبيب كى يعالجه، متوسما أن يجد فى رحابه الراحة التى يرجوها، وكانت هناك حكمة شعبية قديمة تقول «لاقينى ولا تغدينى» والمعنى المقصود حسن الاستقبال، وهو ما يفتقده الآن عدد غير قليل من المرضى.
وهذا ما تؤكده المشاهد التالية، تذهب لاستقبال المستشفى، الرد بكلمات قليلة جدا جدا، وأحيانا بالإيماءة، وممنوع أن تتذمر، قد تشاهد جفاءً غير محتمل، تطلب خدمة العملاء لأحد المستشفيات، الرد بكلمات قليلة سريعة جدا، قد لا تفهمها، ثم تتحول المكالمات على عدد من الموظفين، وغالبا تعاود الاتصال أكثر من مرة، حتى تصل لمرادك!
طبيبة كشفت على أحد الأقارب، وبعدما انتهت قالت لها حالتها، ثم كتبت الوصفة، وقالت لها انصرفى، ولما سألتها عن نوع الدواء، قالت لو لم تعرفى شيئا، يمكن أن تعودى و تطلبى اللقاء حتى أشرح لك!
طبيب آخر ذهبت إليه فى أحد المستشفيات الكبرى، فهو من المشاهير فى تخصصه، حجزت تليفونيا قبل الذهاب، ويوم الموعد المحدد لى، طلبنى المستشفى، لتأكيد الحضور، فأكدت، وقبل موعدى بدقائق طلبنى مساعده فأكدت، وعند وصولى وجدت عددا من المرضى فى انتظار الطبيب، وعلمت أن الطبيب ينتظر فى مكان ما حتى يكون عدد المرضى كبيرا. وحينما تأكدت من وجوده. وتعنته غير المبرر فى بدء الكشف على مرضاه. طلبت الانصراف وتسلمت ما دفعت من أتعاب لم آخذ مقابلها، حتى إن موظف الاستقبال لم يناقشنى بعد ما تأكد من صدق كلامى!
طبيب آخر، يتعمد الحضور لمقر عيادته بعد أن تزدحم تماما، ويبدأ الناس فى الجلوس على الدرج بشكل مؤلم، وعلمت أنه متفرغ لعيادته ومقيم بالقرب منها، ولكنها عادة لم يغيرها، ومن مرضاه كبار السن، ومنهم يحتاج لمن يحمله ويرعاه حتى يتم الكشف عليه وعودته لمنزله، ولكم أن تتخيلوا كم معاناة المرضى ومرافقيهم دون سبب منطقى. وقد يذكر بعض من حضراتكم بعضا من المواقف غير اللطيفة مع الأطباء، ولكن لأن النقطة السوداء فى الثوب الأبيض هى ما تخطف العين، لذلك أتحدث و أنا على يقين من خلال صداقات كبيرة مع أكبر الأطباء أنها ليست كبيرة، ولكن ما أخشاه أن تستمر وتتزايد.
من حق الطبيب أن يسعى لتحقيق كل طموحاته، فهو من جد واجتهد، ليحصد مركزه الاجتماعى المرموق، وكذلك يحصل على امتيازات هذا المركز، كل ذلك حق أصيل له، ولكن فى المقابل من حق المريض أن يأخذ رعايته الطبية بصورة لائقة بإنسانيته وبألمه، فهو ذهب إليك وهو يعانى، ويتمنى أن يجد الشفاء معك، فلا تبخل عليه بابتسامة وإنصات و بعض من الاهتمام؟!
هذا حقه، كما من حقك أن تقرر أتعابك، لم يحددها لك أحد و لم يناقشك فيها أحد، وإنما هو قرارك منفردا، فكما تأخذ أجرك كاملا، أد ما يكافئه، فدعوة مريض مَنّ الله عليه بالشفاء بسببك، أنفع من كل كنوز الدنيا، وكذلك دعوة مريض لم ينل منك ما يتمناه، هى الأسوأ لك على الإطلاق لو كانت على حق.
فهذه همسة عتاب لأصحاب الرداء الأبيض، ترفقوا بمرضاكم، فهم ثروتكم الحقيقية.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: