أصبَحت شبكةُ النداءِ التابعةُ لحزبِ الله، التى كانت تُظَنُ درعًا ضد القرصنةِ، سلاحًا للدمارِ الواسعِ لما تسَبَبَت التفجيراتُ التى تمَ إشعالُها بها عن بعدٍ فى عشرات القتلى وآلاف المصابين. ما بَدا فى يومٍ من الأيامِ خيالًا أصبح حقيقةً مُرعبةً. كشفَت الاِنفجاراتُ عن سيناريوهاتٍ جديدةٍ فى الحربِ الحديثةِ. كشَفَ هذا الهجومُ السيبرانى عن نقاطِ ضَعفٍ خطيرةٍ، فقد أصبحَ نظامُ الاِتصالاتِ، وهو ضروريٌ لتنسيقِ الهجماتِ وتعبئةِ المقاتلين، نقطةَ ضَعفِه الجديدةَ. إمكان التلاعبِ بالأنظمةِ أينما وُجِدَت وتفخيخُها تُعيدُ تعريفَ قواعدِ الصراعاتِ. إذ يُمكنُ خَوضُ الحروبِ المُستقبليةِ باِستخدامِ البياناتِ والخوارزمياتِ والهجْماتِ السيبرانية. اعتمَدَ حزبُ الله، منذ فترةٍ طويلةٍ على نظامِ الاِتصالاتِ بأجهزةِ النداءِ على الرغمِ من قِدَمِه، باِعتبارِه الاِختيارُ الآمنُ لحمايةِ المعلوماتِ الحساسةِ من تقنياتِ القرصنةِ الحديثةِ. ومع ذلك، حُطِمَ هذا الأمنُ المُتصَورُ عندما أصبحَت هذه الأجهزةُ أسلحةَ دمارٍ. تمَ اِختراقُ الآلافِ من أجهزةِ النداءِ تلك عن بعدٍ وتفجيرِها فى حامليها، ما أدى إلى خسائرٍ مأساويةٍ ليسَ فى الأرواحِ فقط ولكن فيما تبقى من أمانٍ وثقةٍ فى تشغيلِ أى أنظمةٍ. البيجر Pager هو جهازٌ صغيرٌ يُستخدم للاِتصال اللاسلكى اِخترَعه المهندسُ الكندى ألفريد جروس عام 1949، وكان شائعا فى العقودِ الماضيةِ، خاصةً قبلَ الاِنتشارِ الواسعِ للهواتفِ المحمولةِ والذكيةِ. كانَ يُنظرُ لتلك الأجهزةِ على أنها آمنةٌ. بسيطةٌ ومَوثوقَةٌ للاِتصالِ، خاصةً للمهنيين مثلَ الأطباءِ وعمالِ الطوارئ وغيرِهم. الرسالةُ الواضحةُ الآن أنه ما من نظامٍ، بغضِ النَظرِ عن قِدَمِه أو تَصَوُرِ أنه آمنٌ، مُحصَنٍ ضد التلاعُبِ السيبراني. يُمثلُ هذا الهجومُ لحظةً محوريةً فى كيفية الحروبُ فى القرن الحادى والعشرين. ذلك أنه مع دمجِ التكنولوجيا بشكلٍ مُتزايدٍ فى الحياةِ اليوميةِ، فإن اِحتمالَ حدوثِ هَجْماتٍ إلكترونيةٍ لشلِ الخِدْماتِ الأساسيةِ ينمو بشدةٍ. غالبًا ما تكونُ الهَجْماتُ الإلكترونيةُ غيرُ مرئيةٍ وبلا مقدِماتٍ، ولا تَتركُ أثرٍا لسلاحٍ متروكٍ أو وسيلةِ اِنتقالٍ. الأنظمةُ الأساسيةُ المُستهدفةُ تُعتبَرُ أهدافًا سهلةً، مثلَ شبكاتِ الاِتصالاتِ وشبكاتِ الطاقةِ ووسائل النقلِ والتَنقلِ والمؤسساتِ الماليةِ، ما يمكنُ أن يركع دولًا بكاملها دونَ نشرِ سلاحٍ تقليدى وحيدٍ أو إطلاقِ رصاصةٍ. فالاستراتيجياتِ العسكريةِ الآن تَعتبِرُ الفضاءَ الإلكترونى ساحةَ معركةٍ رئيسيةٍ وهو ما تشهَدَه الحربُ الروسية الأوكرانية. العواقِبُ على الأمنِ العالمى مُخيفةٌ خاصةً على الدولِ المغلوبةِ على أمرِها تكنولوجيًا. الحربُ الإلكترونيةُ لم تَعدْ تهديدًا مستقبليًا ولكنها حقيقةٌ حاليةٌ. من خلالِ مُهاجمةِ البنيةِ التحتيةِ أو جزءٍ منها، يُمكنُ شَلُ أجزاءٍ كبيرةٍ من القدراتِ العسكريةِ والاِقتصادِ والاِتصالاتِ والمواصلاتِ. تحَوُلُ ميادينِ الحربِ، من البرِ والبحرِ والجو إلى الفضاءِ الإلكترونى، له آثارٌ عميقةٌ على القواتِ العسكريةِ فى جميعِ أنحاءِ العالمِ. ذلك انه عندما تُصبِحُ الهَجْماتُ الإلكترونيةُ أكثرَ اِنتشارًا وتطورًا، فإن الدرسَ واضحٌ، العدو كامنٌ فى أى مكانٍ، والأسلحةُ غيرُ مرئيةٍ، لكن الضررَ حقيقيٌ ومدمرٌ. التكنولوجيا الحديثةُ فى مواجهةِ الجعجعةِ والطنطنةِ والمنظرة الفاضية، اِكتساحٌ واضحٌ جدًا فى كلِ المجالاتِ …«يُؤتى الحَذِرُ من مأمَنِه»، قالَتها العربُ قديمًا ونتذكرُها دائمًا.
د. حسام محمود فهمى
أستاذ هندسة الحاسبات بهندسة عين شمس
رابط دائم: