لكل فعلٍ ردُ فعل. والفعل العدوانى يُرد عليه بمقاومة تأخذ أشكالاً مختلفة. ولهذا فعندما احتُلت أجزاء من ألمانيا وأُهدرت كرامةُ شعبها، كان تأسيس الحزب النازى هو الرد. وإن لم يكن هذا الحزب لكان غيره. وليس أدل على ذلك من التفاف أغلبية كبيرة من الألمان حوله بسبب الغضب الناتج من إذلال بلدهم، والأوضاع الاجتماعية المؤلمة التى ترتبت على عقوبات اقتصادية هائلة فُرضت عليه.
وحتى بعض من رفضوا تقييد الحريات بعد اعتلاء الحزب النازى الحكم فتركوا بلدهم عادوا تباعًا، وبينهم مثقفون كبار مثل إرنست جليزر الذى عاد عام 1939 وأعلن أنه يرجع من أجل استرداد حق وطنه وكرامته، بل قبل رئاسة تحرير صحيفة الجيش.
جليزر هذا نفسه كان قد نشر فى الخارج عام 1936 روايةً عبرت عن رفضه حكم الحزب النازى وسياساته. ولكن حين صارت الحرب وشيكة، واسترداد الكرامة ممكن، أعطى الأولوية للوقوف فى صف وطنه بغض النظر عمن يحكمه. تدور أحداث روايته «المدنى الأخير» فى بلدة صغيرة التف معظم سكانها حول هتلر، وصاروا مستعدين للتضحية من أجل الوطن وكرامته. ولا يخلو من دلالةٍ على موقف المؤلف تحديده للفئات التى تماهت مع النازية (شباب وعمال وبائسون وعاطلون). وفى هذه الأجواء يعود رجل أعمال ألمانى كان قد غادر إلى أمريكا مبكرًا ونجح هناك. ولكن صدمه ما ترتب على صعود النازيين، وهو الذى ورث عن أبيه التطلع إلى جمهورية مدنية ديمقراطية. ومع ذلك أقام شركةً كبيرة أتاحت لسكان البلدة وجوارها فرص عمل، وظن أن هذا يكفى لتغيير موقفهم. ولكن ظنه خاب, إذ بقى السكان مؤمنين بأن الوطن يستحق التضحية بالغالى والنفيس. ولم يجد من يشاطره حلمه إلا شاب حَلِم بمستقبل مختلف لبلده.
هكذا كانت رؤية جليزر التى تخلى عنها حين صارت وشيكةً الحربُ التى انتظرها الألمان بأملٍ كبير لم يتحقق فى النهاية, إذ استُبدِل استعمارُ مُستَتِر بآخر سافر. ولكن إذا كانت مقاومة الاستعمار فشلت فى ألمانيا بهزيمتها فى الحرب العالمية الثانية، فقد نجحت فى كل مكان عدا فلسطين التى سيتواصل كفاح شعبها حتى التحرر.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: