نطالع يوميا المشاهد المؤلمة، والمخيفة، ونرى نزوح اللبنانيين يهجرون بيوتهم، سواء فى الضاحية الجنوبية (بيروت)، أو الجنوب، أو البقاع.. وهم يَهيمون على وجوههم بلا هدى، أو حكومة، أو دولة تحرسهم، أو تحنو عليهم.. تحت الأنقاض يشاهدون ذويهم يرحلون، ويتركون بيوتهم، وأراضيهم، ومتعلقاتهم، وتاريخهم هناك تدوسه الحرب البشعة.
أعتقد أن مليون نازح لبنانى رقم قياسى جديد فى تاريخ لبنان.. قد يكون الرقم ليس جديدا على منطقتنا العربية، فهى «أُم النزوح»، فقد سبقهم ملايين الفلسطينيين طوال عقد من الزمان وهم ينزحون، ويُهجرون، ويعيشون فى المخيمات،ثم كانت صورتهم الأخيرة فى غزة قصة مؤلمة، بل مخيفة، ومروعة.. الأنقاض، والبيوت المهدمة، والمدينة التى كانت، وسقطت على رءوسهم (غزة) ماثلة كل دقيقة، وساعة فى مُخَيلتنا.. ينتقلون من الجهات الأربع لقطاع غزة فى اليوم مرات عديدة، وليس هناك جهة، أو مكان للإيواء، بل كانت إسرائيل توهمهم بأن هناك منطقة آمنة ثم تسقط أطنان المتفجرات على رءوس الأطفال، والنساء، ولا نرى إلا البكاء، والعويل، والخوف الذى يفزعنى كل يوم على وجوه الأطفال، وننام يوميا ونحن نبكى غزة وأحوالها، وها نحن نرى نفس الصورة المفزعة تتكرر وتحدث للبنانيين، وإسرائيل تصطاد قادة المقاومة، أو رجال حزب الله فى معركة لا تتوقف (الأمين العام للحزب، والقائد الأسطورة الذى يتدفأ به الشيعة فى ليالى البرد القارس)، أو الصوت الذى يُشعرهم بأن الدنيا قادمة، وأننا قادرون على أخذ حقنا من إسرائيل.
لقد رحل «نصر الله» وفى النفوس تساؤلات كثيرة لأسباب عديدة، وقد نزل خبر رحيله على اللبنانيين، وعلى الجميع كالصاعقة، كما أن هناك حالة حرب كبيرة كانت فى سوريا ولم تنتهِ، والآلاف من المهجرين السوريين، بل الملايين ينتشرون فى بلدان الشرق الأوسط، وأوروبا، وقد أصبح النزوح العربى ظاهرة القرن الحادى والعشرين، ولم نبعد كثيرين، فقد كان النزوح الفلسطينى، والمُهَجرون الفلسطينيون ظاهرة القرن العشرين، ومازالوا عالقين فى كل الدنيا ينتظرون العودة إلى أراضيهم، وتقرير مصيرهم، ومع ذلك العالم كله لا يجرؤ على أن يواجه المعتدى، والمجرم الإسرائيلى بجريمته فى حق العرب الفلسطينيين، والآن اللبنانيون، ومعهم السوريون..
وغدا نكمل الحديث.
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: