العائلة الإمبراطورية اليابانية هى أقدم عائلة إمبراطورية وملكية فى العالم باقية حتى يومنا هذا. جلالة الإمبراطور هو رمز لوحدة اليابان والشعب الياباني، وجلالة الإمبراطور الحالى هو الإمبراطور الـ 126 لليابان، ويحتفل جلالته بعيد ميلاده الـ 64 هذا العام، وعندما زار الرئيس السيسى اليابان فى عام 2016، التقى بجلالة الإمبراطور الحالي، الذى كان وليًا للعهد فى ذلك الوقت.
العلاقات الثنائية
تتمتع اليابان ومصر بعلاقات صداقة طويلة الأمد تمتد لأكثر من 100 عام، وذلك منذ عام 1922، عندما اعترفت اليابان باستقلال مصر كأول دولة فى آسيا. خلال العام الماضي، قام رئيس الوزراء كيشيدا بزيارة مصر، واتفق مع الرئيس السيسى على ترقية العلاقات الثنائية إلى علاقة «شراكة استراتيجية»، وتلا ذلك، قيام وزير الخارجية اليابانى بزيارة مصر على مدى مرتين فى سبتمبر وأكتوبر. وأثناء ذلك، تم انعقاد الحوار السياسى اليابانى –العربى الثالث، وحضور قمة القاهرة للسلام أيضًا، وخلال هذا العام أيضًا، سيواصل البلدان سعيهما معا ــ باعتبارهما «شريكين استراتيجيين» ــ للتعاون من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار فى المنطقة.
70 عامًا من التعاون
واصلت اليابان تعاونها من أجل التنمية فى مصر بصفةٍ مستمرة باعتبارها «شريك محل ثقة» بالنسبة لمصر. ويوافق هذا العام 2024، مرور 70 عامًا على التعاون التنموى بين اليابان ومصر.
جلالة الإمبراطور ناروهيتو وجلالة الإمبراطورة ماساكو
فيما بعد الحرب العالمية الثانية، ساهمت اليابان، التى أخذت على عاتقها أن تصبح دولة مسالمة، بشكلٍ كبير فى تنمية البلدان حول العالم من خلال التعاون التنموى مع المجتمع الدولي. كانت بداية التعاون التنموى بين اليابان ومصر فى عام 1954، عندما شارك واحد من المصريين فى أول تعاون فنى تقيمه اليابان من أجل تنمية الموارد البشرية (التدريب فى المجال الزراعي).
منذ منتصف السبعينيات، بدأت اليابان فى تقديم تعاونها المالى بشكلٍ استباقى لمساندة ودعم تطوير البنية التحتية فى مصر. فقد بدأت منح المساعدات الإنمائية الرسمية فى عام 1973، كما بدأت القروض بالين اليابانى فى عام 1974. وفى عام 1977، تم تأسيس مكتب جايكا فى مصر. وتُعد اليابان ثالث أكبر شريك للتعاون الإنمائى فى العالم من حيث القيمة الفعلية للمساعدات الإنمائية الرسمية. وتُبلغ القيمة التراكمية للمساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة لمصر حوالى 1.5 مليار دولار فى شكل منح، و7.2 مليار دولار فى شكل قروض، و900 مليون دولار فى شكل تعاون فني.
ومع نهاية الحرب الباردة، كانت اليابان أولى دول العالم التى تطلق منتدى خاصا بالتنمية فى إفريقيا وهو مؤتمر طوكيو الدولى للتنمية فى إفريقيا (تيكاد)، وذلك فى عام 1993. ويتلخص المفهوم الأساسى لمؤتمر التيكاد فى دعم المجتمع الدولى لـ «ملكية» البلدان الإفريقية من خلال «الشراكة». ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى 30 عاما، وقفت اليابان دائما إلى جانب التنمية فى إفريقيا باعتبارها شريكًا للتنمية فى القارة. وخلال قمة مؤتمر طوكيو الدولى السابع للتنمية فى إفريقيا (TICAD7)، تولى الرئيس السيسى رئاسة القمة بالاشتراك مع رئيس وزراء اليابان (آنذاك) آبي. ومن المقرر عقد القمة التاسعة للمؤتمر فى اليابان العام القادم.
ومن سمات الشراكة التنموية اليابانية أنها تهدف إلى تحقيق مجتمع يحترم حياة الإنسان وسبل عيشه وكرامته، استنادًا إلى فكرة «الأمن البشري». ولتحقيق هذه الغاية، نُركز على «تنشئة الموارد البشرية وتنمية المهارات» لكل فرد، فضلًا عن تطوير «البنية التحتية عالية الجودة» اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي، ونجتهد فى إحراز تقدم فى هذين الاتجاهين معا باعتبارهما عجلتى العربة. وبذلك، فإن التعاون اليابانى الذى يُركز على تنمية الموارد البشرية يضع فى اعتباره مستقبل مصر على مدى الـ 100 عام القادمة.
التعاون التنموى
لقد حقق تعاون اليابان التنموى فى مصر نتائج ملموسة. وتُجدر الإشارة هنا بصفةٍ خاصة، إلى أنه فى مجال التعليم وتنمية الموارد البشرية، حصلت الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا E-JUST، التى افتتحت قبل 14 عامًا لإدخال التعليم الهندسى على الأسلوب الياباني، على المرتبة الأولى بين الجامعات المصرية وفقاً لتصنيف تايمز للتعليم العالى لعام 2024 للجامعات العالمية. كما أنه يدرس حاليًا 13 ألف طالب مصرى فى 51 مدرسة من المدارس المصرية اليابانية EJS، التى تقوم بإدخال الأنشطة الخاصة (التوكاتسو) فى التعليم على الأسلوب الياباني. كما تُخطط الحكومة المصرية إدخال «التوكاتسو» فى جميع المدارس الابتدائية الحكومية البالغ عددها 17 ألف مدرسة.
كما تُساهم مستشفى جامعة القاهرة التخصصى للأطفال فى الرعاية الصحية للمصريين، حيث تحظى بسمعة طيبة بين المصريين ومعروفة لديهم بـ (المستشفى الياباني).
أما فى مجال البنية التحتية، دأبت اليابان على مدى سنواتٍ طويلة على التعاون مع قناة السويس، والتى تُعد شريانًا رئيسيًا واستراتيجيا للملاحة الدولية. حيث كان لليابان دور رئيسى فى إعادة فتح القناة أمام حركة الملاحة بعد الحرب (1975)، وفى تنفيذ أعمال التوسعة (1980) من خلال تحطيم صخور الأساس الصلبة والتى أطلق عليها «صخور الشيطان». بالإضافة إلى بناء أول كوبرى معلق فوق القناة والمعروف بـ «جسر السلام»، وربط إفريقيا بآسيا. ومؤخرًا، تقوم اليابان بتعزيز إنشاء بنية تحتية صديقة للبيئة وعالية الجودة، مثل أعمال توسعة مطار برج العرب الدولي، وإنشاء الخط الرابع لمترو أنفاق القاهرة الكبرى.
الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا
أما التعاون اللافت للنظر، فهو تعاون اليابان مع مصر فى المتحف المصرى الكبير GEM الذى يتطلع العالم أجمع لافتتاحه بفارغ الصبر. فبالإضافة إلى تقديم الدعم المالى (بفائدة) لبناء متحف GEM، الذى يضم آثار الحضارة المصرية القديمة التى تنفرد وتشتهر بها مصر عالميًا، قامت اليابان أيضًا بتدريب الموارد البشرية على حفظ وترميم الآثار المصرية. حيث يجتهد الخبراء المصريون واليابانيون حاليًا مع بعضهم البعض يدًا بيد بما تعنيه الكلمة فى حفظ وترميم القطع الأثرية. ويُعد مشروع متحف GEM رمزًا جديدًا من رموز التعاون اليابانى المصرى بعد دار الأوبرا المصرية.
ومن خلال هذه الخبرات، تعمل مصر واليابان حاليًا معًا يدًا بيد على تنمية الموارد البشرية فى إفريقيا والشرق الأوسط أيضًا. فمن خلال جامعة E-JUST، تتعاون اليابان ومصر فى قبول طلاب الدراسات العليا من إفريقيا كطلبة مبعوثين بمنح دراسية. ومما يدعو للفخر أن الكوادر البشرية الإفريقية التى درست التعليم الهندسى على الأسلوب اليابانى فى مصر ستشغل فى المستقبل المناصب القيادية فى أوطانها. كما تتعاون اليابان ومصر معًا فى مجالات الزراعة ومصايد الأسماك والصحة وغيرها، حيث يتم استقبال المتخصصين من إفريقيا، والعمل على تنمية هذه الموارد البشرية. فعلى سبيل المثال، هناك أمثلة لدول إفريقية زادت فيها إنتاجية محصول الأرز خمسة أضعاف نتيجة التدريب فى مصر، مما يُساهم أيضًا فى تعزيز الأمن الغذائي، الذى يُعد أحد القضايا الملحة فى المنطقة.
حضور ثقافى
لا يقتصر التعاون بين اليابان ومصر على الحكومات فقط. فالشركات اليابانية تُساهم أيضًا فى تنمية مصر من خلال قدراتها التكنولوجية والمالية، وتحظى بحضور قوى فى قطاعى الطاقة المتجددة والمياه. وفى مجال إنتاج السيارات الاستراتيجي، تحظى الشركات اليابانية بأكبر حصة فى السوق المصري، كما حصلت شركة يابانية على شهادة تقدير وإشادة من رئاسة الوزراء المصرية تقديرًا لإنجازاتها فى تحقيق أكبر حجم صادرات وخلق فرص عمل داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة.
ومن دواعى سرورنا أيضًا أن الشباب المصرى لديهم اهتمام كبير بالثقافة اليابانية. يوافق هذا العام مرور 50 عامًا على إنشاء قسم اللغة اليابانية وآدابها بكلية الآداب، جامعة القاهرة. ويدرس حاليًا الكثير من الطلبة المصريين اللغة اليابانية فى تسع جامعات، وفى مقدمتها جامعة القاهرة، كما يتعلم اليابانيون اللغة العربية فى دورات تعليم اللغة العربية التى تقيمها السفارة المصرية فى اليابان. وبما أن اللغة هى مفتاح التفاهم المشترك، فإنه لمن دواعى سرورنا أن يتعلم الكثير من الشباب لغة بعضهم البعض. وتقوم اليابان بالتعاون مع مؤسسة اليابان، بدعم نشر تعليم اللغة اليابانية من خلال تدريب مدرسى الجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية التى توفر كورسات تعليم اللغة اليابانية، ومن خلال إيفاد المدرسين والمتخصصين. كما تحظى الثقافة اليابانية التقليدية مثل حفل الشاى اليابانى (السادو) وتنسيق الزهور (الإيكيبانا) بشعبية كبيرة فى مصر.
المتحف المصرى الكبير
والملفت للنظر فى اهتمام المصريين القوى بالثقافة اليابانية هو اهتمامهم الشديد بالفنون القتالية اليابانية (البودو) التى انطلقت أصلًا من اليابان. ففى الأولمبياد، حصلت مصر على الميدالية الفضية فى الجودو للكابتن رشوان (لوس أنجلوس 1984) وميدالية ذهبية فى الكاراتيه للاعبة الكاراتيه فريال عبد العزيز (طوكيو 2020). وبصفةٍ خاصة، سنعمل على تعزيز التعاون فى مجال الرياضة من خلال مجموعة قوية من الداعمين تضم الكابتن إيزومى هيروشي، الحاصل على الميدالية الفضية فى الجودو فى أولمبياد أثينا، والذى تولى مسؤولية تدريب المنتخب الوطنى المصرى للجودو منذ يناير من هذا العام، ومتطوعى جايكا الذين يقومون بدورٍ نشط فى مجال الرياضة، تحسبًا لترشح مصر لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية 2036 والذى تم الإعلان عنه فى سبتمبر 2022.
قسم اللغة اليابانية بكلية الآداب ــ جامعة القاهرة
وبالمثل، فإن الشعب اليابانى أيضًا لديه اهتمام وإعجاب كبير بالثقافة المصرية. فلقد واصل البروفيسور يوشيمورا ساكوجى نشاطه فى البحث والتنقيب على مدى 57 عامًا منذ أن بدأ أعمال البحث والتنقيب عن الآثار فى مصر كأول عَالِم من آسيا عام ١٩٦٦. وستصبح «مركب الشمس الثانية للملك خوفو»، التى يجتهد فى اكتشافها وترميمها، أحد المعروضات اللافتة للأنظار فى المتحف المصرى الكبير GEM.
شريكان جيدان تربطهما الثقة والاحترام
ستواصل اليابان سعيها مع مصر فى المستقبل أيضًا من أجل تعزيز التنمية فى مصر، والسلام والاستقرار فى المنطقة. إن حجم التغيرات التى تشهدها المنطقة، مثل الوضع فى غزة والسودان وما إلى ذلك، يُذكر العالم مجددًا بأهمية موقع مصر الجيوسياسى والدور الذى تقوم به من أجل السلام والاستقرار فى المنطقة. ومن أجل تعزيز السلام والازدهار فى المجتمع الدولي، تدعم اليابان الحرية وسيادة القانون، وتحترم التنوع والشمول والانفتاح، فى إطار رؤية منطقة المحيطين الهندى والهادى الحرة والمفتوحة (FOIP)، وتتعاون مع مختلف البلدان فى سبيل ذلك. وستتعاون اليابان مع مصر من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا من خلال الاستفادة من وتفعيل جامعة E-JUST والتعاون من خلال مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام (CCCPA). كما تتعاون اليابان مع مصر أيضًا فى تقديم المساعدات الإنسانية لغزة، حيث قدمت حتى الآن مساعدات بقيمة 75 مليون دولار، فضلاً عن توفير الإمدادات بالتعاون مع مصر.
ترتبط اليابان ومصر بروابط ثقة واحترام متبادلين، أثمرت عنهما سنوات طويلة من التعاون. وستواصل اليابان سعيها إلى جانب مصر بصفتها الشريك الأفضل للتنمية فى مصر على مدى المائة عام القادمة.
رابط دائم: