البحث العلمى السبيل الوحيد لتقدم مصر نحو الأفضل.. وسبيلها للتحليق بأحلامها للوصول إلى دولة فتية فى جميع مجالات الحياة وأهمها «الزراعة».. وتحقيق المعادلة الصعبة للوصول إلى «أمن غذائي» واكتفاء ذاتى من معظم السلع، رغم محدودية الموارد الطبيعية من المياه والأراضى الزراعية، ومن أجل ذلك اتخذت الدولة حزمة من الإجراءات، مكنتها من الوقوف على أرض صلبة خلال الفترة الصعبة التى مرت بها فى مواجهة أحداث عالمية وأزمات سياسية وإقليمية من الخطورة بمكان.
وعن طرق البحث العلمى وأدواته فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من معظم السلع والمنتجات الزراعية والحفاظ على الرقعة الزراعية وتنميتها، والخطوات نحو التصنيع الزراعي.. أجرت الأهرام حوارا مع الدكتورعادل عبد العظيم رئيس مركز البحوث الزراعية.. وإلى التفاصيل..
يلعب البحث العلمى الزراعى دورا مهما فى إحداث تنمية زراعية مستدامة.. كيف يتم الاهتمام بالبحث والباحثين فى ظل هذا الصرح العلمى الكبير؟
يهتم مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة بإجراء البحوث التطبيقية بهدف استنباط أصناف جديدة لجميع المحاصيل الزراعية وسلامة الغذاء فضلا عن الاهتمام بالإنتاج الحيواني، وجميع المعاهد البحثية داخل المركز، وتعتبر شبكة موحدة لها خطة محددة للنهوض بجميع المحاصيل الزراعية خاصة الإستراتيجية منها، وخلال 50 عاما هى عمر المركز استطاع أن يحدث تطورا إيجابيا خاصة فى الفترة الأخيرة فى الإنتاج الزراعى والحيواني، وتضاعفت إنتاجيتها فى الفدان بفضل البحوث الزراعية، وقد مكن ذلك حصول مصر على ترتيب متقدم على مستوى العالم فى متوسط الإنتاجية، فمصر الآن رقم 1 فى إنتاجية الأرز والقمح ورقم 5 فى الذرة عالميا .
كيف أثرت الأحداث العالمية الأخيرة على مصر.. وكيف أسهم المركز فى تخفيف تلك الآثار ؟
لولا وجود أصناف مميزة ينتجها مركز البحوث الزراعية وسط هذه «الأحداث العالمية» والتى تتميز بالإنتاجية العالية ولولا الحملات القومية التى تمولها الدولة فى كل المحاصيل سواء فى القمح أو الذرة أو القطن، ونزول الباحث مع المزارع فى الأرض الزراعية لإرشاده على الطريقة المثلى لزراعة الأرض وكيفية التعامل مع التكنولوجيا الجديدة فى أساليب الزراعة الحديثة، لتعرضت مصر لهزة عنيفة فى القطاع الزراعي.
وكيف تنظر إلى «الإرشاد الزراعي» وأهميته لدى المزارعين؟
فى الماضى كنا نستنبط صنفا جديدا فى المركز ولا يقبل عليه المزارع، وكنا نبذل جهدا كبيرا لإقناعه بفاعليته، أما الآن ومن خلال التجربة فى «الحقول الإرشادية» فقد حصل المركز على ثقة المزارع المصرى فى كفاءة الأصناف الجديدة التى ينتجها، لأنها تعطى أفضل إنتاجية من خلال تبنى الممارسات السليمة والأصناف الجديدة.
وأصبح المزارع يرى على أرض الواقع أصنافا جديدة يشرف عليها باحثو المركز بشكل كامل فى جميع المراحل من الزراعة إلى الحصاد، كما لدينا تطبيقات تكنولوجية حديثة لسهولة التواصل مع المزارع من خلال الموبايل وقناة مصر الزراعية، والإرشاد التكاملى يزيد من كفاءة الإرشاد الزراعى وذلك لوجود عدد كبير من الباحثين الأكفاء منتشرين فى أكثر من 50 محطة بحثية فى محافظات مصر، ونقوم بتغيير الفكر النمطى فى الحملات الإرشادية لتمكين المرأة الريفية فلدينا 230 مركزا إرشاديا منتشرا فى المحافظات لمساعدتها فى حل أى مشكلة.
ما هو تصنيف المركز إقليميا وعالميا؟
التصنيف الإسبانى الأخير، قال إن مركز البحوث الزراعية المصرى رقم ١ فى البحوث الزراعية فى مصر، ورقم ٤ عالميا، وفى ذلك قمنا بتوقيع بروتوكول تعاون مع المركز القومى للبحوث يضمن التعاون المشترك فى الأبحاث الزراعية بكل الخبرات المتواجدة فى الجهتين ونتكامل كمؤسسات بحثية وذلك مطلوب فى الفترة الحالية والمستقبلية، لأن العمل المنفرد له تأثير سلبى وبالعمل الجماعى نصل للنجاح.
كيف ترى مستقبل البحث العلمى الزراعى فى مصر من خلال المركز؟
لدينا خطة مستقبلية و نظرة متطورة فى إشراك القطاع الخاص ولن أكتفى بإنتاج أصناف جديدة لا ترى النور، وأنا حريص على إلقاء الضوء على إنتاج مركز البحوث الزراعية، وأعمل على تكريم شباب الباحثين الذين لديهم «حاضنات» وهى أن يكون الباحث لديه فكرة تطبيقية جيدة وتحتاج للتمويل ويأتى هنا دور المركز فى ربط هذه الفكرة البحثية والباحث بجهات التمويل لتنفيذ فكرته، فلدينا اليوم «بنك أفكار» أكثر من 17 فكرة جديدة ، وقمت بتوصيل رسالة للباحثين بأننا نثق فى إمكاناتكم وقدراتكم وندعمكم فى جميع المجالات والمحافل، حيث يحرص المركز على دعم البحث العلمى والباحثين بما يليق بهم للحصول على أجود الأفكار مع تطويرها حتى يكون لها مردود على الاقتصاد القومى المصري.
ما هى خطط المركز المستقبلية.. وما تأثيرها فى مصر؟
أعتبر عام 2024 هو بداية مرحلة جديدة فى جمهورية مصر الجديدة ، وأؤكد أنه ستكون هناك نقلة إيجابية فى المعاهد البحثية التابعة لمركز البحوث الفترة القادمة، لأننا نعمل على حل مشاكل المواسم السابقة بشكل علمي، وخططنا المستقبلية هو ربط مركز البحوث الذى يجرى الأبحاث التطبيقية ربطا كاملا مع خطة الدولة الإستراتيجية 2030، وأهدافها توفير الأمن الغذائى والحيوانى للشعب المصري، وذلك من خلال مجموعة من المشاريع القومية ويقوم فيها المركز بإنتاج أصناف جديدة لمحاصيل الحبوب مقاومة للأمراض، قصيرة العمر، موفرة للمياه، تنتجها فرق بحثية تشمل جميع أوجه أنشطة العلم من خلال معامل ومعاهد قادرة على تحقيق ذلك ولن يكون داخل المركز جزر منعزلة فكل قسم أو معهد أو معمل يعمل داخل الكيان الواحد جميعهم موجهون داخل خطة الدولة.
وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاهتمام بزراعة القمح لتحقيق الأمن الغذائى فى مصر.. ماذا حدث فى ذلك ؟
يعتبر القمح من أهم المحاصيل الإستراتيجية فى مصر، ونستهلك من الحبوب حوالى 20 مليون طن سنويا، وذلك يعد مشكلة كبيرة، لأن النمط الاستهلاكى مختلف عن كل دول العالم، فمتوسط استهلاك الفرد فى مصر حوالى 200 كيلو جرام، أما المتوسط العالمى حوالى 90 كيلو جراما، فبالتالى استهلاك مصر من القمح كبير جدا، وهذا يفسر أن مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، حيث نستورد القمح من 22 منشأ من مختلف دول العالم، ولو كان استهلاكنا مثل باقى الدول ما كان لنا حاجة فى الاستيراد وسيكون لدينا اكتفاء ذاتى يتجاوز 90%، كما نحتاج لكميات أكبر من القمح نتيجة للاستهلاك المرتفع لزيادة السكان، واتخذت مصر عدة إجراءات فى محاولة منها لتخفيف الاستيراد نظرا للظروف العالمية والأزمة الروسية الأوكرانية، أولا بالتوسع فى المساحة المنزرعة سواء فى أراضى الدلتا أو أراضى الاستصلاح الجديدة، وزرعنا هذا العام 3.2 مليون فدان بإنتاجية تتجاوز 9 ملايين طن.
كما توجهنا فى هذا الشأن للتعاون مع الدول الإفريقية لأن إفريقيا اليوم لديها شركات عالمية تعمل فى مجال الإنتاج الزراعى وبها 70% من الأراضى الصالحة للزراعة على مستوى العالم، و60% من الموارد الطبيعية من المياه و 67% من العمالة على مستوى العالم متوفرة فى إفريقيا، وشجع ذلك دولا كثيرة وشركات عالمية للاستثمار فى هذا المجال بإفريقيا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، وهناك توجه رئاسى للاتجاه نحو هذا الملف بخطى متسارعة بوجود شركات مساهمة مصرية للاستثمار فى إفريقيا فى المجال الزراعى وخاصة المحاصيل الإستراتيجية ومنها القمح وحددنا الدول المطلة على البحار والمحيطات لسهولة عملية النقل كمرحلة أولى.
وأود أن أذكر أن هناك تعاونا مع أكثر من 11 دولة إفريقية فى مجال الزراعة، حيث لدينا مزارع مشتركة معهم وهذا التعاون مستمر منذ 15 عاما وحددنا النقاط الهامة لمصلحة مصر فى الفترة القادمة، فضلا عن التعاون فى مجال الإنتاج الحيوانى خاصة أن إفريقيا لديها مراع طبيعية وفيرة، وقمنا بعمل خريطة استثمارية لتحديد أنواع المحاصيل التى تحتاجها مصر وتشكيل الكيانات التى تقوم بالاستثمار ونعمل مع هذه الكيانات وندعمهم بالعلماء والباحثين كدعم فنى لها.
ما هو السبيل إلى «تصنيع زراعى” فى مصر يشمل جميع الحاصلات الزراعية.. ؟
ركزت الدولة حاليا وبشكل كبير على التصنيع الزراعى واتخذت قرارا مهما ومنصفا للزراعة المصرية لأول مرة بعدم تصدير أى منتج زراعى بشكله الخام، فلن يصدر الفوسفات خاما، وسيصدر القطن خيوطا أو منسوجات مصنعة، فالدولة بذلت جهودا كبيرة فى هذا المجال وأنفقت ما يقرب من 50 مليار جنيه لتطوير المغازل والمصانع، ولو بدأنا هذا الملف بهذا الفكر منذ فترة طويلة لتغيرت مصر للأفضل فى وقت أقل.
فكرة تصنيع جميع المنتجات الزراعية هى تعظيم للمادة المصنعة وتعود على الدولة والمزارع بقيمة مضافة ويرتفع سعرها، كل ذلك أفكار تصب فى الصالح العام لا مفر منها لأن تقدم الدول وتخلفها يقاس بالتصنيع ونحن لسنا أقل فى الإمكانات ولا القدرات من أى دولة صناعية خاصة مع البنية الأساسية والمشاريع الكبرى التى تمت فى الطاقة والطرق والمبانى والزراعة والصناعة وغيرها ومتوقع أن تحدث طفرة نوعية على كافة الأصعدة الفترة المقبلة.
ما الخريطة الصنفية التى يعمل المركز بها فى المحاصيل الزراعية ؟
لدينا خريطة صنفية لجميع أنواع المحاصيل وخاصة الإستراتيجية منها ولدينا محطات بحثية منوطة باستنباط أصناف جديدة تلائم المنطقة التى تعمل بها، لأن المحصول الواحد تختلف إنتاجيته عند زراعته من منطقة لأخرى، وقسمنا مصر إلى أقاليم مناخية لتحديد جودة إنتاج المحاصيل، ففى الوجه البحرى ذى الرطوبة العالية يحتاج أصنافا مقاومة للصدأ والتفحمات، على العكس منه فى صعيد مصر، ونحن حريصون على الخريطة الصنفية لكل المحاصيل الزراعية ويتم توزيع التقاوى على المزارعين، وهذا العام تمت تغطية المساحة المنزرعة بالكامل بنسبة 100% من القمح بالأصناف الجديدة للتقاوى المحسنة، وكانت العام الماضى وصلت الى 75% فقط، وجميع هذه الإجراءات التى تتخذها الدولة تهدف لحصول المزارع على الكفاءة الإنتاجية للمحصول.
رابط دائم: