تمثل المناهج الدراسية برامج الدراسة ووسائلها وأساليبها، كما أنها انعكاس للفلسفة التربوية الحاكمة لنظام التعليم فى أى دولة. وفى المدارس المختلفة ينقل المعلمون قيم مجتمعهم ومبادئه وفكره وتصوراته المستقبلية إلى طلابهم من خلال المناهج، وللمؤسسة الحاكمة فى الدولة دور أساسى فى توجيه واضعى هذه المناهج من حيث الأهداف والتوجهات والمفاهيم التى ترغب الدولة فى نقلها إلى طلابها، وقد أُتيحت لى فرصة المشاركة كمتخصص فى ندوة بناء المناهج: الأسس والمنطلقات التى أُقيمت فى رحاب جامعة الملك سعود، حيث قمنا خلالها بتحليل محتوى مناهج دراسية عديدة لكثير من دول العالم، ومنها دولة إسرائيل، وقد تلاحظ لى أن مناهج التعليم الإسرائيلية قد أدت دورًا مهمًا فى تأجيج الصراع العربى الإسرائيلى وإنشاء أجيال مشبعة بكراهية العرب، وأسهمت فى غرس روح العنصرية والفوقية بتشويه الحقائق التاريخية، كما سعت لتطوير ذاكرة جماعية لليهود باختراع تاريخ لهم يحتوى على العديد من الأساطير والرموز، لتبرير وجودهم على أرض دولة فلسطين.
ومن ثم فقد استخدمت حكومات إسرائيل، وقادة الصهيونية جهاز التعليم كسلاح فعال من خلال سياسة التنميط والتحامل فى تزييف هوية المجتمع الفلسطينى ووضع رواية خاصة بهم، صانعة بذلك حدودًا ما بين الأنا الإسرائيلى والآخر العربى، مستخدمة مناهج التعليم فى تشكيل عقول الناشئين وزرع الأفكار المتطرفة فيها، تلك الأفكار التى تظل آثارها باقية زمنًا طويلاً حتى وإن توقفت أصوات الأسلحة بين الطرفين. إن مبادئ تربوية كتلك التى تبثها إسرائيل عن العرب والمسلمين، تتناقض مع الأهداف السامية للتربية فى المجتمعات المتحضرة وتتعارض مع دعوة ميثاق الأمم المتحدة ومفاهيمها نحو المحبة والتسامح والمساواة بين الشعوب ونبذ الكراهية. استدل على ذلك بما تضمنه محتوى كتاب تاريخ علاقة اليهود بالشعوب الأخرى، من قيم ومفاهيم ، والذى ألفه يعقوب كاتس، أستاذ التاريخ بالجامعة العبرية بالقدس وموشيه هرشكو، المعلم بمعهد المعلمين الدينى، ونشرته دار نشر دفير Dver بتل ابيب، وهو مقرر على تلاميذ الصف الرابع الابتدائى، ولغته العبرية، وكذلك كتاب يهود وعرب فى دولة إسرائيل المقرر على تلاميذ الصف السادس الابتدائى، والذى تم إعداده بإشراف مشترك بين شعبة المناهج الدراسية بإدارة التعليم ووحدة التعليم من أجل الديمقراطية والتعايش بأمانة التعليم، وبهما الإشارة إلى عسكرة التعليم وربطه بقتل الآخر استنادًا فى ذلك إلى نصوص دينية وأمثلة تاريخية وفتاوى حاخامات حتى تحول القتل إلى عبادة، وطُبق ذلك كله على أرض الواقع فتمخض عنه جيل عسكرى لا يؤمن إلا باليهود وخصوصيتهم المشار إليها بالمصطلحات التالية: (شعب الله المختار)، و(أرض الميعاد)، و(بناء الهيكل)، و(إنقاذ العالم)، إضافة إلى المحافظة على روح الكراهية اليهودية للأمم والمجتمعات الأخرى، وتضخيم معاناتهم واحتكارهم للألم ، والتفوق والوحدة والتشتت، مع ما يعضد ذلك من وجود إله خاص بهم مدجج بالسلاح يسره منظر الدماء. فيُشار إلى الشعب اليهودى بأنه عم قادوش، أى الشعب المقدَّس وعمعولام أى الشعب الأزلى، وعمنيتسح، أى الشعب الأبدى.
وتتكرر على مدى فصول كتاب الصف الرابع عبارات كثيرة تؤكد خصوصية العلاقة التى تربط بين بنى إسرائيل والرب يهوا مثل: الرب وشعبه (ص18)، و«رب إسرائيل (ص18)، وتوراة موسى رجل الرب (ص24)، وقطيع الرب (ص202). وتعبيرات تربط بين الرب والشعب والتوراة مثل: شعب الرب وتوراته (96). وانطلاقا من عقيدة الاختيار الإلهى يميت الرب من يعادى اليهود لأنهم شعبه المختار المخلص مات أنتيخوس فى أثناء حملته الحربية فى بلاد الفرس. ولقد فرح المؤمنون باندحار الشرير، فبسبب خطاياه مات موتة غريبة (ص93). ولن يترك الرب شعبه المختار عرضة لعداء الأغيار, لن يترك الرب الذين يحاربون من أجله. وحينما تزايدت المشاكل جاء الخلاص للمحاصرين من الرب فى لحظة» (ص95). ويتضح أن محتوى المناهج الدراسية يتكئ على التلمود المقدس وحكايات وقصص توجه نحو كره العرب وطرد الفلسطينيين باعتبار أرضها بلادهم.
فقد رسم المؤلفان – بناء على ما وردفى العهد القديم– ملامح العداء قديما بين اليهود والعرب، ناسيا أو متناسيا أن العرب هم جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين. ويتأكد هذا الصراع حينما يتوجه المؤلفان بسؤال للتلميذ فى نهاية الفصل «فى أى موقف تستخدم عبارة «بيده الأولى يبنى وبالأخرى يمسك السلاح» (ص36) من كتاب الصف السادس. ومن المؤسف أن محتوى المناهج الدراسية الإسرائيلية تجذر العنف وتدعو إلى الإبادة وقتل الشيوخ والنساء والأطفال وتمتد إلى البقر والحمير والشجر وتقدم على شكل عقائد ونصوص وتشريعات يهودية يجب الالتزام بها، ولذا فإن التعليم الصهيونى التلمودى فيما يطرحه فى عقول التلاميذ من اليهود الناشئة بعيد كل البعد عن القيم الإنسانية الشاملة، وعن لغة الخير والحوار والمحبة، وبناء على ما يتم استخلاصه من أفكار وتحليل لمحتوى بعض مناهج التعليم فى دوله إسرائيل يتبين أن نظام التعليم وبنيته، وأهدافه، وسياساته ما زال فى صورته الحالية عاجزًا عن تحرير الشخصية الإسرائيلية من قيود الأفكار النمطية والعدائية المعوقة لتحقيق الحوار الحضارى والبناء والسلام العالمى المنشود القائم على الحق والعدل.
> عميد كلية التربية السابق بجامعة بورسعيد
لمزيد من مقالات د. محمد محمد سالم رابط دائم: