-
د. علاء خليل: 3.3 مليون فدان تعمل الدولة على استصلاحها ..وخطة شاملة لتحقيق الأمن الغذائى
-
د. محمد عبدالكريم: نجحنا فى اختيار سلالتين تتحملان الملوحة وحققتا إنتاجية من 15 إلى 17 إردبا لفدان القمح
-
د. شيرين النحراوى: نعمل على برامج جديدة لاستنباط أصناف عالية التحمل .. ومحاصيل الأعلاف هى الأفضل للتربة
-
د. حسن الشاعر :الأمل فى الأراضى الهامشية والمالحة فهى أحد الحلول لمواجهة التغيرات المناخية
مع التطور العلمى المستمر يحدث تغيير متلاحق فى نظم الزراعات، ويطرح الباحثون والعلماء حلولا كثيرة لمواجهة التحديات بهدف التوسع فى الزراعات التى تعتمد على تطبيق نظم الرى الحديث والترشيد فى استخدام المياه، خاصة فى المناطق محدودة الموارد المائية العذبة اللازمة للزراعة والشرب، ومنها المناطق التى تضم الأراضى ذات الملوحة المرتفعة، والتى كان يصعب قديماً الاستفادة منها فى الزراعة، حيث كانت نسبة الملوحة تقتل البذور والنباتات..
وزاد من تلك الأزمة التغيرات المناخية التى تضررت منها بعض المناطق والدول، هذابالإضافة إلى أن الأراضى الجديدة المستصلحة يعانى معظمها من الملوحة العالية، ولذلك تركزت جهود البحوث العلمية لـ»الزراعة الملحية» كأحد الحلول لمواجهة الآثار السلبية لارتفاع نسبة الملوحة فى التربة ومياه الرى والتغيرات المناخية، وتحقيق أعلى استفادة للاستغلال الأمثل لهذه الأراضى بهدف سد الفجوة الغذائية والوصول إلى الاكتفاء الذاتى فى المحاصيل.
تحقيقات «الأهرام» ناقشت التطورات العلمية التى حققتها الزراعة الملحية على أرض الواقع بعد البدء فى تطبيقها منذ سنوات..
فى البداية تحدث الدكتور علاء خليل، مدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية، حول الإجهاد الملحى الناتج من التربة ومياه الري، مشيراً إلى أنه يمثل ثانى إجهاد بيئى يؤثر على الإنتاج النباتى بشكل عام بعد ارتفاع درجات الحرارة، خاصة على المحاصيل الحقلية، حيث تعتبر أغلبها من المحاصيل الحساسة للملوحة، مضيفاً أن مساحة الأراضى المتأثرة بالأملاح تتراوح من 30 - 40% من مساحة الأراضى المنزرعة، وازدادت مساحتها فى الآونة الأخيرة مع حدوث التغيرات المناخية الحادة ووقوع معظم الأراضى المنزرعة على شواطئ بحار ملحية خصوصا الواقعة على البحر المتوسط، هذا بالإضافة إلى المساحات الجديدة من الأراضى التى تعمل الدولة على استصلاحها وتقدر بحوالى 3.3 مليون فدان، حيث يعانى معظم تلك الأراضى الجديدة من الملوحة العالية وتعتمد فى الرى على مياه الآبار التى تحتوى فى الأساس على نسبة عالية من الملوحة، كما هى الحال فى أراضى المغره وغرب المنيا والفرافرة بالوادى الجديد.
وأضاف د. علاء خليل، أن معهد بحوث المحاصيل الحقلية قام بوضع إستراتيجية شاملة هدفها الرئيسى ضمان الاستدامة وتحقيق الأمن الغذائى المصري، وذلك فى إطار مواكبة الخطة الإستراتيجية الرئيسية للدولة، حيث تقوم على تطوير أصناف نباتية من جميع المحاصيل الإستراتيجية سواء محاصيل الحبوب أو البقوليات أو الزيت أو العلف تكون ذات قدرة عالية على تحمل الملوحة سواء ملوحة التربة أو مياه الري، مؤكداً أنه تم بالفعل إنتاج أصناف نباتية من محاصيل القمح والذرة والأرز والشعير والبقول والزيت والعلف والألياف ذات قدرة عالية على تحمل الملوحة بجميع أنواعها ومصادرها، مع احتفاظها بجودتها العالية، ويمكنها فى نفس الوقت تحمل الإجهادات البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية، بالإضافة إلى نموها بكفاءة عالية تحت طرق الرى بنظم «الرش والتنقيط»، فعلى سبيل المثال هناك مجموعة من أصناف الشعير مثل جيزة 126 ، و137، و2000 والتى تعطى محصولا اقتصاديا تحت مستوى ملوحة تربة 11000 جزء فى المليون بنقص حوالى 45% مقارنة بالأراضى العادية، وتتم زراعته تحت أى ظرف يتعلق بتطورات الرى الحديثة وملوحة المياه والتى تصل إلى 7500 جزء فى المليون، وهذا التطوير فى الأصناف تم أيضا فى محاصيل العلف، وأصناف حشيشة سودان، والراى جراس، وهجين الريانة، وأصناف البرسيم، والكانولا كمحصول زيت والتى يمكن أن تتحمل من 3000 – 4000 جزء فى المليون، وحالياً يعمل المعهد على محاولة إدخال محاصيل حقلية اقتصادية جديدة فى الأراضى الجديدة ذات الملوحة العالية مثل الكينوا.
أصناف ذكية
وعلى الرغم من أن الأرز من المحاصيل الحساسة للملوحة ويتم زراعته بوفرة فى الأراضى التى يتم استصلاحها إلا أن نتائج زراعته أصبحت مبشرة بنسبة كبيرة، ويوضح الدكتور بسيونى زايد، رئيس قسم بحوث الأرز بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، أن الحد الحرج لتحمل الملوحة فى الأرز حوالى 2000 جزء فى المليون طبقا لملوحة التربة وحوالى 1280 جزءا فى المليون طبقا لملوحة مياه الرى وذلك بالأرض الطينية، وهذا قد يزيد قليلا تحت ظروف الأراضى الخفيفة، وهناك إحصائيات تشير إلى أن حوالى 50% من مساحة الأرز تعتبر أراضى متأثرة بالأملاح يتم ريها بمياه قليلة الجودة ذات ملوحة عالية، بالإضافة إلى أن التغيرات المناخية أثرت بشكل سلبى على بعض الأراضى خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الأراضى التى تأثرت بارتفاع نسبة الملوحة الضارة على الأرز، حيث نعمل منذ فترة طويلة على تطوير وإنتاج أصناف جديدة تتميز بقدرتها العالية على تحمل أنواع مختلفة من الأملاح فى الأراضى المتأثرة بالمياه الملحية.
وأشار د. بسيونى زايد إلى أن مصر تعتبر أول دولة استطاعت أن تنتج أصنافا جديدة قادرة على تحمل الملوحة بنسبة كبيرة، من أهمها «جيزة 178 - و179 - و هجين مصرى واحد - وسخا سوبر 300 - وسخا 104 - وجيزة 183»، كما يمكن لبعض الأصناف أن تعطى محصولا اقتصاديا يتراوح ما بين 2.25 إلى 2.35 طن للفدان بنسبة انخفاض قد تصل الى 40% مع تطبيق بعض التوصيات الفنية الصحيحة الخاصة بإدارة وإنتاج الأرز تحت ظروف الأراضى المتأثرة بالأملاح والتى تم تطويرها أيضا بواسطة الباحثين بقسم بحوث الأرز، مضيفاً أن هناك محاولات لزراعة تلك الأصناف خصوصا «جيزة 179»، حيث يعد أكثرها قدرة على تحمل الإجهاد البيئى سواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو نسبة الملوحة أو جفاف التربة، وهناك بعض التجارب الواعدة بهذا الخصوص، حيث تتميز تلك الأصناف بأنها ذكية مناخياً.
تمليح الأراضي
ليست مصر وحدها التى تعانى ارتفاع نسبة الملوحة فى الأراضى الزراعية فهناك العديد من دول العالم تعانى تلك المشكلة، بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد عبدالكريم، وكيل محطة البحوث الزراعية بسخا، مضيفاً أن تأثر الأراضى الزراعية بالأملاح تقدر نسبته بحوالى 30%، وبالتالى يتأثر الإنتاج الاقتصادى بدرجة تناسب مستوى ملوحة التربة، حيث يعد القمح من المحاصيل الحقلية متوسطة التحمل للملوحة، وفى هذا السياق بدأت دراسات مركز البحوث الزراعية بقسم بحوث القمح مبكراً، حيث تم إنتاج أول صنف مصرى يتحمل الملوحة فى محطة بحوث سخا، وهو الصنف سخا 8، ويعد من الأصول الوراثية الدولية المتحملة للملوحة إلا أن قدرته الإنتاجية منخفضة، واستكمالا لسياسة قسم بحوث القمح فى تربية الأصناف المتحملة للإجهادات سواء كانت البيئية وغيرها فقد تم إنتاج أصناف «سخا 93 - و95 - ومصر1 و4» وهى من الأصناف الحديثة التى يتم زراعتها فى الأراضى المتأثرة بالأملاح وتعطى نتائج جيدة.
وأضاف د. محمد عبدالكريم، أن الدراسات البحثية بدأت منذ عام 2013 بمحطة البحوث الزراعية وحدث بها تطور علمى كبير ، حيث استطاعت تقديم العديد من السلالات الحديثة مع الأصناف التجارية فى محطة بحوث سهل الحسينية بمحافظة الشرقية والتى تم استصلاحها خلال السنوات الماضية متأثرة بأملاح التربة والرى بنسب كبيرة، مضيفاً أن المرحلة الثانية من تجارب تحمل الملوحة بدأت مع استخدام مياه البحر المتوسط المخففة بتركيزات متدرجة كمصدر لملوحة مياه الري، واستمر هذا العمل البحثى تحت مظلة قسم بحوث القمح بمحطة البحوث الزراعية بسخا منذ عدة سنوات ، حيث تمت زراعة القمح تحت تركيزات مختلفة من ملوحة مياه الرى (2500 إلى 7600 جزء فى المليون) وتم اختبار أكثر من 70 سلالة وصنفا، وفى نهاية الدراسة عام 2022 تم اختيار سلالتين تمكنتا من تحمل الملوحة ووصلت إنتاجية الفدان الواحد ما بين 15 و 17 إردبا، وهما «مصر 5 و6» وذلك تحت ظروف الزراعة بالأراضى المتأثرة بأملاح التربة أو الري، والتى بدأ تطبيقها الآن على أرض الواقع.
مصدر رئيسى للغذاء
وتوضح الدكتورة شيرين النحراوي، رئيسة قسم بحوث العلف بمركز البحوث الزراعية، أن محاصيل الأعلاف لا تعد فقط المصدر الرئيسى لغذاء الحيوان وتنمية الثروة الحيوانية ولكن ترجع أهميتها الكبرى فى استدامة خصوبة وجودة الأراضى الزراعية، خاصة المزروعة بمحاصيل الأعلاف البقولية والتى لها دور كبير فى استصلاح وزراعة الأراضى الجديدة وتحسين خواص الأراضى الضعيفة، حيث تعمل على زيادة نسبة النيتروجين فى التربة نتيجة تثبيت الأزوت الجوى عن طريق العقد البكتيرية وزيادة المادة العضوية الناتجة من تحلل المخلفات النباتية بعد حرثها فى التربة.
وقالت إنه توجد أنواع نباتية ومحاصيل أعلاف تستطيع أن تتحمل الإجهاد الملحى سواء للتربة أو الري، ومنها محاصيل علف معمرة مثل البرسيم الحجازى والبانيكم، حيث يستطيعان تحمل نسبة عالية من الملوحة، ويحتوى البرسيم الحجازى على نسبة عالية من البروتين والألياف والكالسيوم والفوسفور ومعادن أخرى تجعله من أهم وأعلى الأعلاف قيمة غذائية، وهناك أنواع علف شتوية بقولية تتحمل الملوحة مثل البرسيم الفحل والبرسيم المسقاوي، بالإضافة إلى إنتاج قسم بحوث العلف لأصناف متحملة للملوحة مثل سرو١، سرو٣، هلالى وهى أصناف تتحمل الملوحة حتى ٤٠٠٠ جزء فى المليون، وكذلك بنجر العلف من محاصيل الأعلاف الشتوية الذى يستخدم فى تغذية الحيوانات سواء كانت الجذور أو الأوراق فى الصورة الخضراء أو تدخل فى عمل السيلاج، حيث يعطى المحصول من ٨٠ - ١٠٠ طن جذوراً ومن ١٠- ١٢ طنا أوراقا، وهناك أعلاف نجيلة شتوية علفية تتحمل الملوحة مثل التريتكال والشعير ويتم زراعتها منفردة أو مخلوطة مع الأعلاف الشتوية البقولية لتحقيق محصول علف متوازن عالى القيمة الغذائية من بروتين وكربوهيدرات.
وأضافت شيرين النحراوى أننا نعمل على برامج تربية لاستنباط أصناف جديدة عالية التحمل للملوحة، حيث تؤثر الملوحة على النباتات وتؤدى إلى تقزمها أو بطء نموها ويزداد تركيز الملوحة وشدتها فى فصل الصيف للمحاصيل الصيفية، حيث تتم من خلال زيادة نسبة البخر مما يؤدى إلى تركيز الأملاح فى منطقة الجذور، لذلك لا بد من إجراء عملية غسيل للتربة واستخدام محسنات لها مثل إضافة الجبس والكبريت الزراعى أو بعض الأحماض مثل الماغنيسيوم والاهتمام بالتغذية الورقية وإضافة البوتاسيوم والكالسيوم السائل للتقليل من آثار الإجهاد الملحى على النباتات.
تطوير نظم الزراعة
أما الدكتور حسن الشاعر، مدير مركز التميز المصرى للزراعة الملحية التابع لمركز بحوث الصحراء، فيقول نظراً لتأثر كميات هائلة من الأراضى الزراعية القديمة بالملوحة (حوالى مليونى فدان) بالإضافة الى أن معظم الأراضى الهامشية ( ذات قيمة زراعية قليلة) فى جميع الأقاليم البيئية الزراعية بمصر 94% من مساحة مصر بالغة الحساسية فى مواجهة تأثير التغيرات المناخية، أدى ذلك الى تدنى الإنتاج الزراعى وبالتالى انخفاض القدرة على زيادة الغذاء، لذلك فإنه لا بد من تطوير أنظمة الإنتاج الزراعى وإيجاد نظم بديلة ملائمة للإمكانات المائية المتاحة ومتماشية مع التغيرات المناخية.

وأضاف الشاعر أن «الزراعة الملحية « تعد بمنزلة الأمل فى تحقيق الأمن الغذائي، خاصة فى الأراضى الهامشية والمالحة كأحد الحلول المتاحة لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية ولابد من الاستغلال الأمثل لجميع الموارد الطبيعية المتاحة من التربة والمياه، لما لها من آثار اقتصادية عظيمة تتمثل فى الاستفادة من مساحات هائلة من الأراضى المتأثرة بالملوحة والمياه المالحة فى زيادة الإنتاجية الزراعية وتوفير المياه العذبة، مضيفا أن الحكومة اتخذت قرارات من خارج الصندوق واتجهت لاستخدام سياسة زراعية بديلة غير تقليدية لتطبيق تقنيات الزراعة الملحية، خاصة فى مجال إنتاج الغذاء والأعلاف الملحية ومحاصيل الزيوت وتوفير المياه العذبة من الاستنزاف، وتحسين الظروف البيئية ورفع كفاءة استخدام الأراضى الزراعية المتأثرة بالأملاح لزيادة دخل المزارع ومربى الثروة الحيوانية.
وأشار الدكتور حسن الشاعر، إلى قيام مركز التميز المصرى للزراعة الملحية التابع لمركز بحوث الصحراء، بتنفيذ عدة مشروعات رئيسية بدعم من عدة جهات دولية وعربية متخصصة فى هذا المجال، وبالتعاون مع المركز الدولى للزراعة الملحية (ICBA) حيث تعتمد هذه المشروعات على إنتاج الغذاء والأعلاف وتكامل نظم الإنتاج الحيوانى مع الأعلاف الملحية والتى تؤدى إلى زيادة إنتاجية الأراضي، بالإضافة إلى أنها تتصف بمرونتها فى التخفيف من حدة تأثير التغيرات المناخية التى تعانى منها الزراعة، مضيفاً أنه تم إدخال العديد من المحاصيل النباتية التى تتحمل الملوحة والجفاف وتستخدم فى العديد من الأغراض كغذاء للإنسان والحيوان وتعد مصدراً للزيوت والألياف والطاقة الحيوية. ويؤكد الشاعر أهمية تطبيق نظم الزراعة الملحية فى مناطق الاستصلاح الحديثة وكذلك الأراضى المتأثرة بالملوحة مثل إقليم شمال الدلتا وذلك لضرورة الاستغلال الأمثل لموارد الأراضى والمياه، وزيادة مساحات جديدة من الأراضى الزراعية وزيادة العائد الاقتصادى من الاراضي.
رابط دائم: