رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأفروسنتريك والهوية المصرية

الأفروسنتريك هى حركة ظهرت فى أمريكا عام 1928، وهى حركة عنصرية متعصبة للجنس الزنجي. وكلمة زنجى كلمة من اللغة السواحيلى تطلق على الإفريقى صاحب البشرة السمراء. وتدعى هذه الحركة بأن الزنوج هم أصل حضارة مصر بل وشمال إفريقيا أيضاً، وأنهم من صنعوا الحضارة المصرية القديمة وجلسوا على عرشها، ويدللون على ذلك بأن الكوشيين حكموا مصر وهم سكان أرض النوبة والسودان وغرب إثيوبيا.

والتاريخ يذكر أن هذه الأراضى كانت تحت حكم الملوك المصريين لأن منها ينبع النيل الذى كان موضع اهتمام كل الملوك وحتى لا يسيطر عليه أى شعب آخر.

وفى إحدى فترات الضعف؛ حكم الكوشيون مصر تحت رقم الأسرة الخامسة والعشرين عام 720ق.م ولم يستمروا فى الحكم أكثر من مائة عام. فقد استغل كاشتا ملك كوش أحوال مصر التى كان يحكمها القبائل الليبية منذ الأسرة الثانية والعشرين بعدما زحفوا فى فترة ضعف مصر وصراع ولاة أقاليم الوجه البحرى على السلطة والمال فسكنت قبائل المشواش هذه المنطقة وسيطروا عليها ووصل نفوذهم إلى أسيوط وانتهى الأمر بجلوس شيشنق على العرش عام 945ق.م وظلوا يحكمون مصر حتى عصر أوسركون الثالث عام 865ق.م الذى أدخل مصر فى حالة من الفوضى والضعف والفقر فأعلنت النوبة انفصالها عن مصر وكان لهم نفس العقائد المصرية نظراً لخضوعهم آلاف السنين لحكم مصر. ثم بعد الانفصال صارت مملكة كوش لها جيش كبير.

وهناك دليل قوى على أنهم كانوا تحت التأثير المصرى وليس العكس ما هو مكتوب فى لوحة جبل برقل التى تحكى عن انتصاراتهم وخضوع الأمراء المصريين لهم. وتصور اللوحة بعنخى ملكهم أمام آمون إله المصريين يقدم له القرابين، وفى أسفل اللوحة مكتوب تعليمات للجنود الكوشيين: عندما تصلون إلى الكرنك انزلوا إلى الماء وطهروا أنفسكم فى النهر بملابس كتان نظيفة، وشدوا القوس، وارموا السهام، ولا تفتخروا بأنكم أرباب القوة لأنه بدون الإله لا يكون لشجاع قوة، اغسلوا أنفسكم بماء قربانه وقبلوا الأرض أمام وجهه.

ومن التاريخ نرى أن كل احتلال عبر على مصر كان يقع أسيراً لحضارتها حتى إنه كان ينسى هويته ويذوب فى هوية مصر.فالهكسوس تركوا هويتهم وحاولوا أن يكونوا مصريين، وكذلك الليبيون والكوشيون حتى الإسكندر الأكبر الذى كان يعتز بأنه ابن فيليب المقدونى حين دخل إلى معبد آمون فى الواحات جثا على ركبيته وقال لرئيس كهنة معبد آمون أريد أن أكون ابن آمون وخرج وهو يرتدى زى الملوك المصريين، ولم يكن هذا زيفاً أو تملقاً للمصريين، لأنه أوصى بأن يدفن فى مصر كملك مصرى.

والهوية المصرية تغلغلت فى الموروث الشعبى رغم اختلاف الأديان فامتزجت تقاليد مصرية قديمة بالاحتفالات المسيحية حين دخلت مصر، وبدلاً من الاحتفالات الخاصة بالنيل كان الاحتفال بعيد الغطاس بصورة مشابهة.

وكانت الرهبنة المصرية حسب توثيق عالم المصريات إيفيلن هوايت فى كتابه تاريخ الأديرة المصرية إنها تطور لحركات مصرية قديمة فى العصر البطلمى لجماعة اسمها كاتوخى. كما كان فى الصعيد جماعة أخرى تسمى الجمنوسوفست اعتزلوا فى مكان بالقرب من النيل وعاشوا حياة تأملية مشتركة، كما كانت فى الإسكندرية جماعة الثراببيوتى أيضاً. ولكن حين أسس الأنبا أنطونيوس الرهبنة كان قد تأثر بفكرة العبور نحو الخلود بتقديم الحياة للـه وانتشرت هذه الطريقة إلى العالم كله. فمن إيطاليا جاء جيروم وروفينوس، ومن آسيا الصغرى جاء بلاديوس، ويوحنا كاسيان من فرنسا، وباسيليوس الكبير من اليونان. كما أسس سبعة رهبان من دير المحرق المسيحية والرهبنة فى إيرلندا. والهوية المصرية قد صبغت أيضاً الإسلام فى مصر فقد كانت أول مئذنة فى العمارة الإسلامية للجوامع هى مستوحاة من العمارة المصرية فكتب المقريزى فى كتابه النجوم الزاهرة أن أول مئذنة بُنيت هى مئذنة جامع عمرو بن العاص.

ومن تأثير الحضارة المصرية أيضاً ما يسمى الآن الموالد وهى تطور من احتفالات المصريين القدماء بالمواسم الدينية بصورة شعبية. وفى المسيحية صارت أعياد القديسين لها نفس الصورة. وبعد دخول الإسلام انفردت مصر باحتفالات إسلامية تسمى الموالد.

والهوية المصرية الحضارية هى التى غرست التعايش المسالم بين الشعب وقبول الآخر وحرية العقيدة رغم تطرف بعض الولاة، ومحاولة البعض غرس خنجر التطرف فى جسد مصر. وهناك حادثة مهمة فى عصر هارون الرشيد الخليفة العباسى عام 786م وكان والى مصر هو على بن سليمان وكان قد هدم كنائس كثيرة تحت قناعة أن هذا من التدين وكان متطرفاً. وحسب ما كتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوى فى كتابه الأئمة التسعة صفحة (113): أن الفقيه الإسلامى المصرى الليث بن سعد ـــ الذى كان وقت الإمام أبو حنيفة النعمان والإمام مالك بن أنس ــ أرسل إلى الخليفة الذى كان يقدر رأيه فى الفقه الإسلامى وطالبه أن يعزل الوالى لأنه مبتدع، وأشار عليه بأن يولى آخر يأمر ببناء الكنائس التى هدمت ويسمح بطلب الأقباط بناء كنائس. وحين اعترض البعض قام ووعظ فيهم وقدم فكراً مستنيراً يوثق العلاقة بين المسلمين والأقباط، وإنه قائم على المودة وحرية العبادة والمساواة. وقد أشار هارون الرشيد ألا يتصرف أى والى فى مصر فى شيء إلا بعد موافقة الفقيه الليث بن سعد.

إنها هوية مصر التى تحكم وتعلم وتسود فى كل العصور، ويقول مؤرخ إنجليزى اسمه جورج جيمس عام 1860م فى كتاب الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة: إن كهنة مصر وأساتذتها هم الذين نقلوا العلم إلى اليونان، وإن برديات الحكماء المصريين هى المصدر الأصلى لأى فكر وحضارة عالمية.


لمزيد من مقالات القمص ـ أنجيلوس جرجس

رابط دائم: