رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

موقع روسيا على طريق التسوية السورية ـ التركية

اتفق على أن يشهد شهر أبريل؛ اجتماعا رباعيا لنواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران، فى العاصمة موسكو. المشاورات الرباعية ترى الخارجية الروسية ضرورة أن تشمل بندا واحدا رئيسيا، هو الإعداد لاجتماع على مستوى الوزراء يُحدد له موعد لا يتجاوز أسابيع قادمة، على طريق تهدف روسيا فيه أن تكون محطة الوصول إلى لقاء يجمع قادة البلدين، سوريا وتركيا. إيذانا بتجاوز القطيعة الممتدة منذ عام 2011، والدخول إلى مستوى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

الطموح الروسى، يسعى عبر الوساطة الدبلوماسية إلى تفكيك معضلات وإشكاليات العلاقة بين العاصمتين، فى أكثر ساحات التوتر تعقيدا ربما على المستوى الدولى. فبالنظر إلى عمرها الزمنى، وإلى حجم المتداخلين فيها من الدول ومن الفاعلين من غير الدول ومن عديد التصنيفات واللافتات، تبدو الصورة أبعد قليلا عن واقعية تحقيق نتيجة ما. على سبيل المثال هناك إحدى اللافتات مازالت محتفظة بمسماها التاريخى «التحالف الدولى» لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهى المظلة التى تتمترس تحتها على الأراضى السورية القوات الأمريكية وبعض من المشاركات الرمزية لدول غربية. قوس الفاعلين من غير الدول؛ ربما لن نصل إلى منتهاه إذا بدأنا فى سرد مسمياتهم وتبعيتهم، فضلا عن حجم تسليحهم وقواهم البشرية الموجودة أيضا على الجغرافيا السورية.

فى حال استدعاء النموذج المشابه لما يجرى من وساطة روسية تقدم باعتبارها جديدة؛ تبرز آلية اجتماعات «آستانا» التى تسمى ذات الدول (روسيا، وتركيا، وإيران) بالدول الضامنة، فيما شهدت جولتها «التاسعة عشرة» التى عقدت نوفمبر 2022، نفس الخطاب المطاط الذى لم يحمل جديدا طوال جولاتها السابقة، الممتدة لخمسة أعوام من عمر الأزمة. إلا ربما بعض الأحاديث عن وحدة الأراضى السورية وسيادة النظام الحالى على كامل الأراضى، وتأكيد ـ وهذا ظل الأهم ـ مزيد من الانخراط فى الاستحواذ على مستقبل سوريا، دونما السماح لآخرين بالدخول على خط هذا المستقبل الغائم.السياسة كما فى أحد تعريفاتها هى «فن الممكن»، لكن غير الممكن تصوره أن تعترف أو ترى الدول الثلاث أنها مجتمعة ركن أصيل من أركان الأزمة السورية، والحيثيات الخاصة بكل منها فرادى أو مجتمعين أطول بكثير مما يمكن سرده فى تلك المساحة. لكن يمكن استبدال ذلك بخط أقل طولا؛ فى حال طرح التساؤل الخاص بما يمكن أن يكون فى جعبة روسيا هذه المرة. لاسيما والجديد الوحيد حتى الآن هو السماح لصاحب الأمر «سوريا» بالحضور والاحتفاء، بعد تسعة عشرة جولة من التغييب القسرى له، وتغيير اسم اللافتة من مستقبل سوريا إلى أخرى تساير «الموضة» الأحدث فى الإقليم، «وساطة» روسية تدفع للتطبيع بين سوريا وتركيا !

هناك اجابات حاضرة بالطبع على هذه اللوغاريتمات الروسية، وعن مدى تماهى الأطراف الثلاثة الأخرى مع موسكو فيما تذهب إليه، على الأقل فيما يمكن أن يحدث اختراق فعلى جاد على طرق التسوية المراوغة. روسيا تنطلق من حالة عزلة دبلوماسية تحاول أن تبدو أمامها، مازالت تمتلك مساحات حركة فى قضايا تتجاوز المستنقع الأوكرانى الخانق. على ذات استقامة هذا الخط؛ تحتاج موسكو فى إدارتها للحرب فى أوكرانيا وتبعاتها، أن تحتفظ بعلاقات استثنائية مع أنقرة. فالأخيرة اتضحت أهميتها كثيرا بعد نجاح الرئيس أردوغان فى تشكيل تموضع نموذجى، يخدم المصالح الروسية ولا يمكنها الاستغناء عن تلك العلاقة بأى حال، بل تذهب موسكو عبر طرحها الجديد على طريق حمايتها وتعزيزها بمساندة الرئيس التركى فى الانتخابات القادمة. فالتقدم باتجاه تطبيع علاقاته مع دمشق؛ يقدم له حلولا لملفات عالقة بدأت تواجهه فى السباق الانتخابى وبات يحتاج ولو إلى «آفاق» قد تفلح أو حتى تلحق بسابقاتها. لكنها تبقى فى كل الأحوال قادرة على إعطاء أردوغان مساحة لتسويقها داخليا، وتقديمها للناخب التركى باعتبارها قيد البحث والتشكل على مائدة تضم روسيا وإيران ودمشق للمرة الأولى، وهى أوزان تخدم أردوغان على صعيد ملفات ضاغطة بطبيعتها الأمنية والاقتصادية والسياسية.

الملفات التى تواجه الرئيس التركي؛ فى مقدمتها عبء اللاجئين السوريين وتحصين حدود تركيا الجنوبية من جهة،فى مقابل ضمانة لسوريا بانسحاب تركى يغير من صيغة الاحتلال التركى المباشر لأجزاء من الشمال والشمال الغربى، كذلك التباحث على وضع الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، التى تصفها الحكومة السورية بـ«الإرهابية». لم تتوصل الاجتماعات الأمنية السابقة التى جرت بين مسئولين من تركيا وسوريا إلى حل القضايا الخلافية، أو حتى وضع تصور يمكن البناء عليه ما يتيح الانتقال للمستوى السياسى، هذا تحديدا ما تأمل روسيا فى إنجازه خلال هذه الفترة عبر طرح فكرة الوساطة البراقة. لذلك فبمجرد إمساكها بخيط عدم ممانعة أنقرة من تحديد جدول زمنى، لخروج القوات الركية من الأراضى السورية، حتى لاحت أمامها إمكانية بحث ضمانات مقابلة تعطيها دمشق لأنقرة تتعلق بأمن الحدود التركية، والتحكم فى أى موجات لجوء محتملة إلى الأراضى التركية. هذه الصيغة توفر لموسكو استعادة الثقل الدبلوماسى، فى حال القدرة على إتمامها بشكل سريع وتكفلها بتذليل أى عقبات قد تطرأ على الجانبين. المصادر الروسية تؤكد أن الرئيس بوتين خلال استقباله مؤخرا الرئيس بشار الأسد فى موسكو، وضع ثقله بالكامل خلف هذه الوساطة، وبدا وكأنه يستثمر ما قدمه لسوريا طوال سنوات مضت. هذا ما عبر عنه الكرملين بشكل بارز؛ وهو يؤكد فى مقدمة بياناته عن الزيارة أن العلاقات بين تركيا وسوريا ستتأثر إيجابيا بالتأكيد بعد لقاء الرئيس الروسى بالرئيس الأسد.

موسكو تتحرك وعينها على الإنجاز الصينى بين السعودية وإيران، وتأمل أن تحقق اختراقا على نفس الوزن الجيو سياسى الذى يدعمها الآن بقوة، ويظهر قدرتها على دعم وتقديم الحلول لأصدقائها فى هذه اللحظة الحرجة، لكنها من وجهة نظرها تبدو مواتية بشكل أو آخر. ويبقى على الجانب المقابل الولايات المتحدة والمكون الكردى فى ذات الشمال محل التباحث، هل سيمرران تسوية من هذا النوع ولكل منهما قوات مسلحة وسيطرة نافذة على الأرض وعلى آخرين من البشر ؟


لمزيد من مقالات خالد عكاشة

رابط دائم: