رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بدوى.. إنجاز غير مسبوق

الفلسفة فى ثقافتنا العربية هى فى آن قديمة وحديثة. وبين الفترتين انقطاع طويل. فقد ظهرت فى القرن الثالث الهجرى حتى القرن السابع، ومنذ بداية الفلسفة فى الفترة الأولى مع الكندى وحتى نهايتها مع ابن رشد لم يكف الفقهاء عن اتهام الفلاسفة بالزندقة وتحريم قراءتها والاشتغال بها. ورغم ذلك استمرت الفلسفة وازدهرت وانتشرت النسخ المخطوطة لرسائل الفارابى وابن سينا فى شرق البلاد وغربها. حتى تبنى السلاطين أحكام الفقهاء وصار العمل فى مجال المنطق والفلسفة، وكذلك العلوم محفوفاً بالمخاطر فتوارت الفلسفة واختفت من قاعات الدرس ومن التأليف الفكرى.

رفاعة الطهطاوى ابن الأزهر بدا فى أول الأمر قلقاً من جهة الفلسفة، ربما من كثرة الفتاوى التى تعلمها فى دراسته والتى تدين الاشتغال بها. لكنه كان شديد الإعجاب بالعلم وعبر عن موقفه هذا ببيت من الشعر، فهو يقول فى وصف المعرفة فى بلاد الفرنجة: شموس العلم فيها لا تغيب / وليل الكفر ليس له نهار. باختصار العلم نور والفلسفة ظلام.تغير موقف الطهطاوى مع تعمقه فى المعرفة الغربية. فنراه يتحدث عن مواطن أعجبته فى القاموس الفلسفى لفولتير، كما بدأ فى ترجمة روح الشرائع لمونتسكيو وترجم كذلك كتاباً للتعريف بأهم الفلاسفة بعنوان قلائد الفلاسفة، كما نهل من كتاب إيميل لجان جاك روسو عند تأليفه كتاب المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين.

مع ظهور الصحافة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وردت أسماء الكثير من الفلاسفة فى مقالات عابرة وبدأ عدد من كبار المثقفين ينحاز لفكر هذا الفيلسوف أو ذاك، فترجم الشيخ محمد عبده كتاباً لهربرت سبنسر، وكتب سلامة موسى كتاب مقدمة السوبرمان يجمع فيه بين نيتشه وماركس وألف محمد حسين هيكل كتاب جان جاك روسو حياته وأفكاره.

رغم ذلك لا يمكننا أن نقول إن الفلسفة عادت إلى ثقافتنا المعاصرة وارتبطت بها.فلا يمكن أن نتحدث عن عودة للفلسفة فى ثقافتنا العربية المعاصرة إلا بجهد تأسيسى يمكننا تحديده فى ثلاث لحظات مهمة: الأولى هى إنشاء قسم الفلسفة فى الجامعة الأهلية عام ١٩٠٨، والثانية هى ترجمات أحمد لطفى السيد للأعمال الكبرى لأرسطو على مدى عقدين من الزمان، والثالثة يمثلها عبدالرحمن بدوى وحده بإنتاجه الغزير.

استقدمت الجامعة الأهلية فلاسفة كبارا أجانب للتدريس مثل لالاند وكواريه. وبدأ جيل من معلمى الفلسفة المؤسسين مثل يوسف كرم وإبراهيم بيومى مدكور ومصطفى عبدالرازق، وترك كل منهم فى تخصصه كتباً مهمة معدودة. إلى أن جاء عبدالرحمن بدوى ليترك لنا ما يقرب من مائتى كتاب ما بين تأليف وترجمة وتحقيق. لم يكن فى تأليفه أسيراً لتخصصه الذى تحدده رسالته للدكتوراه وهو الفلسفة المعاصرة بل غطى تاريخ الفلسفة كله منذ بدايتها، كما قدم إسهامات فى فروع الفلسفة مثل المنطق والأخلاق وعلم الجمال، وكتباً كثيرة للتعريف بأعلام الفلاسفة وخصوصاً الألمان منهم. ودراسته للفلسفة الإسلامية متنوعة وخصبة، وتناول جميع فروعها وهى الفلسفة والتصوف وعلم الكلام وقدم دراسات وتحقيقات عن كيفية انتقال الفكر اليونانى إلى العالم العربى.

فضلاً عن أنه أنجز وحده موسوعة شاملة عن الفلاسفة والمذاهب والمفاهيم فى ثلاثة مجلدات. وبهذا نستطيع أن نقول إنه زود البحث العلمى فى مجال الفلسفة فى مصر والعالم العربى بالبنية التحتية المعرفية اللازمة. 

لم يتح بدوى مراجع مهمة للباحثين فحسب، ولكن كان يقدم بانتاجه نموذجا فى كيفية البحث. فهو ينظر إلى الفكر الفلسفى على أنه تاريخ متكامل تمثل الفلسفة العربية فيه إحدى حلقاته، ولم يسع كما حاول البعض إلى البحث عن فلسفة عربية خاصة لا تدين بشىء للفلسفة اليونانية يجدونها فى علم أصول الفقه أوأصول الدين! ولم يكرس لثنائية الشرق والغرب.

كان بدوى فيلسوفاً إلى جانب كونه معلما للفلسفة. مذهبه الفلسفى الخاص لا يناطح به الفلسفة الغربية بل بالعكس يدرجه فى قلب التيار الوجودى المعاصر.ويقربأن أكثر الفلاسفة تأثيراً عليه هما هيدجر ونيتشه. ويحدد الملامح الخاصة لمذهبه الفلسفى فى أنه يعطى الأولوية للفعل على الفكر على عكس باقى الوجوديين، ويعطى المكان الأكبر للوجدان الذى نتعرف به على الذات على حساب العقل الذى نتعرف به على الموضوعات الخارجية.

عندما نعى بضرورة الفلسفة للانتقال إلى مجتمع حديث ندرك الفضل الكبير لعبدالرحمن بدوى ليس على دارسى الفلسفة فحسب، ولكن على أمتنا العربية بأسرها.


لمزيد من مقالات ◀ د. أنور مغيث

رابط دائم: