هل ثمة علاقة بين الدين والأخلاق، هل تقوم الأخلاق على الدين، أم أن المسألة تحتاج إلى كثير من التعمق والفهم والاستبصار، وإعمال العقل بعيدا عن العاطفة والوجدان القلبى والوازع الدينى.
لو أخذنا الموضوع مولين وجوهنا نحو العاطفة والوجدان، وعرضنا الأمر على علماء الدين، فإننا سنجد ردا يخالف ردود الفلاسفة العقلانيين، فعلماء الدين بالضرورة سيقولون لنا لا يمكن بحال من الأحوال أن تنفصل الأخلاق عن الدين، بل الدين هو منبع الأخلاق ومنظم القيم وموضحا مفهوم الخير والشر، ومفهوم السعادة، وكيفية تحقيق الفضائل، بل وسيستشدون بالأحاديث والآيات القرآنية إن كانوا مسلمين، وبالحكم والمواعظ من الأناجيل.
حتى فى حديثهم عن الوسطية والاعتدال سيعرضونها على صحيح المنقول، وهذا بالضرورة والحتمية المنطقية سيروق للمنسوبين للأديان بل وسيطبقونه طاعة لله وخوفا من العذاب وطمعا فى رضاه والجنة.
أما إذا عرضنا الأمر على العقول وخصوصا الفلاسفة الذين بحثوا هذه المسألة بحثا مستفيضا. فمن ناحية الحكم الأخلاقى، فهناك أفعال تدخل تحت دائرة الحكم الأخلاقى والعكس أفعال لا نستطيع أن نحكم عليها أنها أخلاقية أو لا أخلاقية، أو أكثر أخلاقية أو أكثر لا أخلاقية، وهناك على الجانب الآخر أفعال لا تدخل ضمن هذه الدائرة، كأفعال الملائكة لا يمكننا أن نقول عن أفعالهم إنها أخلاقية أو لا أخلاقية، لماذا ؟!، لأنهم مأمورون يفعلون ما يؤمرون.
وكذلك هناك طائفة من الأفعال عقلا لا يدخل فعلهم تحت هذه الدائرة، كالأطفال أو فاقدى الوعى والإدراك العقلى (المجانين)، أيضا هناك مجموعة محايدة خلقيا لا يمتد أثرها إلى الآخر، كأن يذهب فلان إلى الامتحان أو لا يذهب. أو كأن يستقل زيد القطار فى سفره، أو يستقل عمرو السيارة، فعلهم لا يمتد أثره للآخر، وإنما يلزم صاحبه.
وبالعقل والمنطق، الأفعال تكون أخلاقية أو لا أخلاقية إذا امتد أثرها إلى الآخرين، أى تترك أثرا سلبيا أو ايجابيا، فالفعل الخلقى فعل متعد لا يلزم صاحبه وإن كنت أرى أنه من الممكن أن يلزم صاحبه سلبيا كأن يقوم شخص مثلا بقتل نفسه. ثم هناك طائفة تخرج من دائرة الحكم الأخلاقى مطلقا، كأنواع معينة من الأطعمة والأشربة مثلا، لكن نحكم عليها بأن نقول عنها إنها حرام أو حلال، وهنا تأتى المفارقة العقلية، فلو أدرجناها تحت دائرة الحكم الأخلاقى ستكون الأخلاق نسبية فهناك مجتمعات غربية تبيح شرب الخمور، وأكل أنواع معينة من الأطعمة، فى حين أنها تكون محرمة فى ديانات أخرى كتحريم الفيثاغورية أكل الفول الذى جعلته من الموبقات وهنا سيحدث التفاوت والنسبية.
السؤال هل من سيخالف تعاليم الدين أحكم عليه أنه أخلاقى أو لا أخلاقى.؟!
لذلك رأى فلاسفة الأخلاق العقلانيون إخراج الدين من دائرة الأخلاق.
وهنا نطرح سؤالا، ما الضير والضرر الذى سيقع على الأخلاق إذا ما أقمناها على الدين، أليس الدين يدعونا إلى الفضيلة، والابتعاد عن الرذيلة، أليس الدين يدعونا إلى الوسطية والاعتدال ،فلنعرض هذه الوسطية على العقل, ألم يجمع الإنسان بداخله بين جانبين، مادى وروحى من الذى يضبط هذين الجانبين، العقل، ومن الذى وهب العقل هذه القدرة على السيطرة، الدين ،إذن لا غنى لأحدهما عن الآخر.
فالإنسان قد تقوده شهوته إلى الهاوية لكن الذى يكبح جماحها الدين الوازع الدينى الذى بداخله وإذا لم يحركه الدين، فالعقل يقول له لو ارتكبت رذيلة الزنا ستحاكم بالقانون الوضعى، فيجد نفسه بين شقى رحى، ولكن الذى سيحسم الأمر ضميره الفردى الذى بداخله، والذى يمثل الضمير الجمعى الذى من خلاله يمارس سلوكياته وممارساته سلبيا وايجابيا، فضيلة ورذيلة. ثم إذا ما نظرنا إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. جاءه رجل قال أوصنى يا رسول الله، قال لا تغضب وكررها ثلاثا وفى الأخيرة قال له او لا تفقه أى تدرك أى تعقل.
لابد أن نعرض المشكلة عرضا موضوعيا حتى لا نحيد عن الجادة وعن الصواب ونصل إلى غاية المرام من مقالتنا هذه. فلا غنى للأخلاق عن الدين، ولا غنى للدين عن الأخلاق فالدين هو الذى يهذب سلوكياتنا وهو الرقيب على أفعالنا.
ومن خلال هذا الانضباط الخلقى -الذى هو دعوة كل الأنبياء الذين بعثوا ليتمموا مكارم الأخلاق- نسمو ونرقى وتتحقق ثلاثية الحق والخير والجمال التى طالما حلمنا بها من أجل واقع أفضل ومستقبل أسمى.
> أستاذ الفلسفة الإسلامية آداب حلوان
لمزيد من مقالات ◀ د. عادل القليعى رابط دائم: