رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«مركزية الإنسان» رافعة للتقدم

يظل الواقع فى الدول العربية كاشفا عن الحاجة الماسة إلى معادلة جديدة على جميع الأصعدة، تركيبة توفيقية تصالح بين الإسلام والحداثة، بمعنى أن ننقذ العلم والايمان فى حركة واحدة، ولا نضحى بأحدهما لمصلحة الآخر. فلماذا يسيطر علينا كل هذا الخوف عند تلمس الطريق المغاير. أظن أن السبب يكمن فى أن التخلص من التأويل القديم، لاسيما الموروث منذ عصور الانحطاط والجمود الفكرى، لا يمكن أن يتم بدون نزيف داخلى، بدون زلزلة نفسية، أو زعزعة كيانية؛ من أتباع «الإسلام السياسي» أو الأنظمة الاستبدادية، فى عموم بلاد العرب والمسلمين، وبالتالى لاتزال المعضلة قائمة، وتحتاج إلى جهود حثيثة خلّاقة لتجاوزها، هنا تأتى قيمة وجدارة المشروع التجديدى للعلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى أبوظبى للسلم، إذ ينطوى مشروعه فى الفكر الدينى، على دعوة للتجديد الشامل، فى كل المجالات، لاسيما سياسيا.

هنا لابد من الالتفات إلى نقطتين: الأولى هى الضرر الذى توقعه عمليات التجديد المسيسة من جانب الأنظمة، على مسيرة التجديد وقدرتها على الوصول إلى أهدافها. الثانية: عدم النظر إلى «التجديد» بوصفه مجرد رغبة جامحة نحو التغيير، وإنما هو نتاج لرؤية منهجية تستوعب شروط التغيير، وتراعى البُنْيَة النفسية والثقافية للمجتمعات. هذا يعنى أن صحة المضمون الفكرى للتجديد الدينى، لا تكفى وحدها؛ لإحداث التغيير دون مراعاة الشروط الموضوعيّة للمجتمع.

وأعتقد أن أهم عنصر لنجاح إصلاح أو تجديد فى الفكر الدينى - أو الاقتصادى أو السياسى.. إلخ - هو أن يضع فى صدارة أولوياته تعزيز مركزية الإنسان، على المستويين: الحقوقى والمعرفى، مع السعى إلى نقل مركز الثقل الدينى، من «اللاهوت» إلى «الناسوت»، فمن لا يفقه الإنسان الذى يراه، لا يمكنه، حقا، أن يفقه الله الذى لا يراه، فقد جاء الإسلام - وغيره من الديانات - لسعادة الإنسان، فى الدارين.

وظلت أكبر العقبات أمام تحقيق ذلك، طيلة مائتى عام، أن النهضة العربية الحديثة، على الأصعدة الفكرية والاجتماعية والسياسية، بدأت بتجاوز المنهج الفقهى الذى يكرر القول بـ(حلول السلف) بطريقة آلية، والذى يرفض استحداث قيم جديدة تبدع الإجابات من خلال تفاعلها مع حركية المجتمع. ما كان سببا فى خروج أصوات تحريضية ترى فى الخطاب التجديدى خطرا على الإسلام، بوصفه صِيغة مشبوهة تسعى لتحوير الدين وتحريف معانيه والخروج منه استِرضاء للغرب - بالطبع هناك عقبات أخرى لا تقل خطورة سياسية وثقافية واقتصادية - وفى هذا الشأن تضع مدونة بن بيه الفقهية نقطة فى نهاية سطر لمثل تلك الادعاءات التحريضية؛ مستعيدا ريادة الفقيه التى أفلت طويلا فى الساحة الفكرية والعملية.

يحتفل الإمام المجدد عبدالله بن بيه بالحياة الإنسانية وقيمتها ودور الإنسان المستخلف من الله فى بث العمران، فهو فقيه ومصلح، مفكر وسياسى، عرك الحياة والنفس البشرية، يستولد من «أسطورة الأمل» انتصارَ الحاضر والمستقبل معا، ويختصر الفعل السياسى فى إرادة الإنسان المقاتلة، ضد الشرور والأدواء.

ولعل هذه «الفلسفة» القائمة على ثنائيّة الشر المهزوم/ والخير المنتصر، هى التى أقنعتْه بالإيمان بدور المصلحين المجددين، لمصلحة الإنسانية كلها، إنه كيان متشبع بالخير والجمال. بعيدا عن الحسابات الضيقة، قومية أو دينية. هناك رأى فلسفى يقول إن اندفاع الإنسان وراء الجميل يجعله جميلا بدوره، لذا يراهن بن بيه على انتصار الخير والتعايش والتسامح والتعاون بين البشر، ويكافح من أجله؛ باعتبار أنّ الذى يراهن- مقاتلا- على انتصار قضيّته ينتصر فى النهاية أو بعد حين؛ من ثمّ يخوض «حربا» نضالية، بكل معنى الكلمة، «على الحرب»، على العنف، على القبح، على الشر بجميع صوره، أى على كل ما يهدد السلم والتعايش بين العرب والمسلمين وبينهم وبين إخوتهم فى الإنسانية، دون أن يمسخ شخصيتهم الدينية والحضارية.

ومن خلال هذه الرؤى والآليات، يقدم عبدالله بن بيه تصورا إجماليا، من بوابة الفقه، لسبل إنهاء حالة الانحطاط التى سقطت فيها أمتنا، على مدى عقود، بل قرون، تلك الحالة التى ترفع درجات القلق والتوتر والعنف فى حياتنا، على المستويات كافة. وهو لا يتغاضى عن حقيقة الخلاف القائم بين التيارين الإسلامى والعلمانى فى المجتمعات العربية، كأحد أسباب التخلف، بل يزيح جانبا من أسبابه؛ أى يفك الاشتباك بين التيارين ويوقف الحرب بينهما بحذق وبصيرة؛ حتى يتفرغ الجميع لخدمة القضايا الكبرى للأمة، بدلا من استنزاف طاقتها.

ولا يغيب عن بال العلّامة بن بيه فكرة خلود الإسلام وعالميته، فحيث كان الإسلام عالميا خالدا عنى ذلك أنّه من الضرورى أن يلحظ التغيّرات الموجودة بين الشعوب والأمم والأوضاع والظروف، لأنه إذا لم يتكيّف الإسلام مع الواقع وتحولاته، ولم يواكب الصيرورة الطبيعية والاستثنائية للزمن، فسوف يتجمد ويتلاشى، إذن تعد ممارسة التجديد حماية للدين من الزوال وحفظا لعالميته.

يدرك الإمام المجدد أنه لا يمكن إنتاج فكر إستراتيجى يرتقى بالأمة نهضويا فى جميع المجالات، إلا فى غمرة تغيير وتجديد جذريين، ولا تنوير للعقل إلا عبر معركة تحديث الواقع، فلا تجاوز للتبعية والتخلف بكل صوره إلا بالنقد العقلانى والرؤية التاريخية لجذور التخلف والتبعية فى فكرنا وواقعنا على حد سواء.

يقول سبحانه وتعالى: «وما كان ربك لیهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون».

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: