رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الصمت

يقال صمت بالفتحة على كل من الصاد والميم والتاء، أى سكت. ويقال صمت يصمت صمتا، فهو صامت. ويقال صمت الشخص، أى سكت ولم ينطق. ويقال خرج عن صمته أى تكلم ونطق. ويقال فى الأدبيات الفلكلورية: سكت دهرا ونطق كفرا، أى دلالة على الكلام المخل ليس له جدوى فيما بعد فترة سكون وصمت، وكان من المفترض أن يكون ذا دلالة وقيمة ومعنى.. وهذا دلالة على أن الصمت والسكوت لم يكن الغرض منه قول قول مهم أو ذكى. فالكلام جاء مخلا لا يتناسب مع فترات الصمت، وجاء مخيبا للامال.

ويقال صمتت المرأة رضيعها، أى اعطته الصمتة لتسكته بها. ويقال قطع عليه حبل الصمت، اى قطع هدوءه. و يقال فى العلوم الطبية، فقدان الصوت نتيجة خلل اومرض ما، او اصابة فى الاحبال الصوتية او نتيجة لاسباب نفسية متعددة، فيقال صمت عن الاكل اى صام عن الأكل، ويقال صام عن، اى امسك عن، اى ترك. كما يقال الصمت الاختيارى، وهو شكل معقد من القلق فى مرحلة الطفولة ويتميز بعدم قدرة الطفل على التواصل فى مواقف اجتماعية محددة.

ويقال المشهد الصامت، ويستخدم هذا المصطلح فى الفنون والاعمال الفنية، فيقال طبيعة صامتة، اى لا حياة فيها وتستخدم فى فنون الرسم والتشكيل.

ويقال شخص فقد القدرة عن الكلام وراح للصمت وطال صمته دون أى اسباب وهنا يخشى الاطباء من هذا النوع.. لانه بعد ذلك يتجه الشخص نحو الصراخ الكبير المدوى، بعد فترات طويلة من الصمت.

فى المجتمعات - كما فى العلاقات الإنسانية - عندما تطول فترات الصمت عن الانجاز والتطور والإبداع، تخرج صرخات مدوية للبحث عن الجمال وقيمه.. المجتمعات الصحية المتطورة هى التى تصمت وقت الحاجة الى الصمت بغرض العمل والإبداع.. وتصرخ حينما تحتاج للصراخ.

المجتمع العصرى يصمت حين يجل ويقدر الصمت الإيجابى الذى يحث على تقدير قيم الجمال واحترام عناصر الترقى والذوق العام، ويصرخ عندما تستبدل قيم الترفع والسماحة والسلام الى قبح وعنف وترد وخلل عام..

لقد ارتبط وجود الإنسان بالجمال، حيث قدس الكائن البشرى كل ما هو جميل وبحث عنه حتى فى تلك الأشياء المدنسة والقبيحة. لقد ادرك الانسان بحدسه البريء الفطرى ان هناك اشياء تحمل فى جوهرها مسحة جمالية..

هناك مصطلح ينصح باستخدامه فى علوم الادارة وهو الصمت الاستراتيجى 'strategic silence’ هو ليس فقط الامتناع عن الرد المتسرع فحسب، وانما هو اعمق من ذلك، ويقصد به تجميع الأفكار حتى تحين اللحظة المناسبة لطرحها، فى اكثر الافكار التى يتم تجاهلها او تسفيهها لأنها طرحت فى التوقيت الخطأ.

والصمت الاستراتيجى كما يعرفه قاموس اوكسفورد هو تعمد تجاهل الرد لهدف استراتيجى، وهو ليس صمتا بسبب تقاعس او كسل.

والمجتمات الحية العصرية تتسم بالصمت الاستراتيجى، الصمت الذى يعقبه عمل وانجاز، فيقال العمل فى صمت، وهى دلالة على الدقة والتأنى والتميز فى الانجاز.

المجتمعات الصحية تصرخ صرخات مدوية ضد الكسل والقبح .. تصرخ فى وجه الفساد أينما حل، وتصرخ فى عيون القبح حينما توجد، وتصرخ فى وجوه المفسدين المنحرفين الذين يسيئون لمجتمعاتهم من خلال أفعالهم او أفكارهم او قسوتهم،سواء اكانوا سياسيين أو اقتصاديين أو حتى يتعاطون الأفكار والمذاهب.

المجتمعات العفية هى من يتوافر لديها الإرادة والقدرة على الصراخ ضد الجهالة والماضوية ومكافحة القبح بكل اشكاله وألوانه، قبح التدين الشكلى، وقبح السفسطة الايديولوجية، وقبح التردى فى السلوك العام، وقبح الانحطاط الاخلاقى الذى صار سمة شبه أساسية فى الكون الاجتماعى فى مجتمعنا.. الصراخ ضد قبح انهيار القيم التعليمية والفنية.. الصراخ ضد اعتياد الجهالة والتسفل باعتبارها قيما اصيلة وعادية… لقد صمتت مصر كثيرا فى مراحل متعددة من تاريخنا الطويل، وكان صمتا منجزا عبقريا، استطاعت ان تنجز حضارة وثقافة رفيعة الشأن . صمت حينما كان الصمت مبدعا منجزا لكل قيم التحضر والجمال. وصرخت ايضا حينما وجدت سطوة الجهالة تتفشى وتنمو بين ثنايا المجتمع.

مصر تنتفض حينما يحل التردى محل الترقى، تنتفض وتصرخ صرخات مدوية، فلنحيى صمت النبل وصمت الانجاز وصمت الحفاظ على مقدراتنا وهويتنا.. فلنقدر صمت الانجاز والعمل الدءوب.. ولندع لاحترام صمت الابداع والبحث عن حلول ابتكارية لمشكلات مزمنة اجتماعية كانت أو اقتصادية أو سياسية أو فكرية.

دعونا نحترم صمتنا لايجاد مخارج لمشكلاتنا.. نصمت حينما يكون الصمت راجيا مفيدا.. ونصرخ ضد الفوضى والاهمال واليأس. نصرخ ضد مروجى الفتنة والاحباط.

نصمت لنبنى.. ونصرخ لطرد الأرواح الشريرة من ثنايا مجتمعنا..

نصمت من اجل بناء مجتمع عصرى حر ينتمى لعصور الفرز الاول و مقدرا لقيم الشياكة الاجتماعية.. نصمت احتراما واجلالا لقيم الجمال. ونصرخ صرخة مدوية صاخبة ضد القبح الذى ساد مجتمعنا وصار شكلا ومضمونا وهدفا. فلنصرخ ضد القبح بكل أشكاله وصوره.


لمزيد من مقالات صبرى سعيد

رابط دائم: