رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العاصمة الإدارية الجديدة

تأخرت كثيرا حتى وصلت إلى العاصمة الادارية لزيارتها قبل وصول أول افواج الموظفين اليها. وسبب تأخيرى كان مزيجا من تأثيرات المرض والتقدم فى السن. فى الماضى عندما كنت اصغر سنا لم يكن يفتنى حدث أو مكان فى مصر كلها إلا وعرفته أو زرته. ولكن الآن باتت حركتى محدودة وانتظر دائما من يمد لى يد المساعدة. وقبل ذهابى اليها كنت قد سمعت الكثير عنها من زائريها الذين ذهبوا اليها لحضور المؤتمرات أو الحفلات الموسيقية أو الاحتفالات الدينية. كنت قد سمعت انها بنيت على مساحة، فى حالة امتدادها، تربط بين النهر والبحر شرقا. كما انها تسمح بتعمير هذه المساحة وامتداداتها بالسكان والنشاط الاقتصادى. لذا كانت معلوماتى عنها من زائريها وليس من الحكومة مما ادى بى إلى رسم صورة فى خيالى تشبه إلى حد ما القاهرة، مدينتى، ولكن بعدد أقل من السكان. وقد قادنى اليها مهندس هو زوج ابنتى ودخلنا سويا من بوابة هائلة لم اصادف مثلها من قبل ولا بوابات القاهرة القديمة إلى ساحات العاصمة الجديدة دون أن يمنعنا أحد أو ندفع مليما، على عكس ما قيل فى الشائعات التى قرأت عنها أو سمعتها.. وشاهدت مبانيها الكبيرة الجزء الحكومى وخلفه الجزء النيابى مجلسى الشورى والنواب, البرلمان, ثم الجزء المالى الذى يضم كل مقار البنوك وفى المقدمة البنك المركزى وأخيرا الجزء الفنى. ولكن ملاحظتى الاساسية كانت فى ذلك العدد المهول من الشقق السكنية والفيلات والتجمعات المسماة بـ «الكومباوندز». عمارات بها شقق اشكال وألوان وتقسيمات انتهى بناؤها وتشطيب جزء منها ولا تزال العشرات الأخرى فى مراحل البناء.

ثم ذلك الاخضرار الذى غطى رمال الصحراء والذى احاط بالأجزاء المذكورة وامتلأت بالورد وباتت النافورات جزءا مهما من أبهة المكان إلى أن اقتربنا من اعلى سارى فى العالم كما قيل لى والذى سيحمل علم مصر. فى زيارتى لم يكن يحمل العلم لكنه كان مرفوعا فى اليوم السابق وكان السابع من يناير، عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام. ويمتد اللون الاخضر، ولكن بدرجة اقل، حتى نصل إلى حديقة واسعة وكبيرة تستوعب آلاف الزوار من داخل المدينة وخارجها. ولا تزال الحديقة فى حالة اخضرار وازدهار بطيئين.

كل شيء فيها كبير مثل السارى الذى ذكرته ثم البرج الافريقى، أعلى برج فى إفريقيا، ثم مقر مجلس الوزراء واكبر جامع ومعه ستة جوامع آخرى أصغر بعض الشيء وكاتدرائية كبيرة نشهد داخلها فى قداس الميلاد مع البث التليفزيونى، ومعها كنيسة كبيرة اخرى تحت الانشاء. شوارعها واسعة تفصل بينها ممرات بها متسع للتنزه وممارسة رياضة المشى مليئة بالخضرة والزهور كما أن بها خاصة فى الجانب الإدارى أبنية متعددة ولكن متشابهة فى البناء والتنظيم، قيل لى إنها مخصصة لانتظار الجمهور ولتناول المرطبات ومعروضة للإيجار ولم يذكر الثمن.

الخلاصة أننا تجولنا فى العاصمة الادارية الجديدة دون أن يمنعنا أحد أو يتقدم منا شرطى ليسألنا عن هويتنا وفى النهاية اتجهنا للخروج إلى ذات البوابة العريقة التى دخلنا منها.

والذى نسيت أن أذكره فى البداية أننى ابنة للطبقة البورجوازية الصغيرة المصرية التى تضم صغار التجار والمزارعين والموظفين. كنت أولى بنات عائلتى اللآتى يلتحقن بالجامعة ليتخرجن فيها ثم يمارسن العمل المهنى. كنت ولا أزال أحمل تراث وثقافة وطموحات هذه الطبقة مثلى مثل الملايين من بنات ونساء مصر. فنحن بنات هذه الطبقة الحاكمة لمصر بعد أن أزاحت الثورة عام 1952 طبقة بقايا كبار مالكى الارض الزراعية واصحاب الاموال، أى ممثلى نسبة الـ2% من سكان مصر حينذاك. ولأنى لم انشط اقتصاديا إلا فى مهنتى ومؤسستى «الأهرام» ولم انشط نقابيا الا فى نقابتى أو سياسيا الا فى حزب التجمع فلم انسلخ من طبقتى أو ثقافتها أو تراثها الفكرى. لذلك أعجبتنى هندسة وتخطيط العاصمة الادارية. ايضا اعجبت بفكرتها الرامية الى الربط المعمارى والبشرى والاقتصادى بين القاهرة, مدينتي, شرقا والبحر الأحمر. وربما أستطيع القول بأنى فهمت هدفها الاساسى الواضح والذى ربما لم يلمحه غيرى. وقد تذكرت عند زيارتى هذه، مدينة واشنطن العاصمة الامريكية. فيهما ملمح متشابه. هناك كان مبنى الكونجرس هو المركز الواقع على اعلى هضبة فى المدينة ويطل امامه على مكتبة الكونجرس الشهيرة، ثم يحيطه الجهاز الادارى للدولة من جانب ثم من الجانب الآخر الجهاز القضائى. وعلى مسافة من الكونجرس يقع البيت الابيض.

ولكن فى العاصمة الإدارية الجديدة تقع رئاسة الوزراء فى الوسط والمقدمة وتحيطها الوزارات بينما أبنية السلطة التشريعية لسان حال الشعب تقع على الجانب. فنحن فى العاصمة الإدارية المصرية عاصمة اقدم جهاز ادارى فى العالم. أما واشنطن العاصمة الفيدرالية للولايات المتحدة, فقد بنيت عام 1790 ميلادية. كانت هذه هى العاصمة الادارية كما استطعت أن أراها فى ساعة ونصف ساعة لا أكثر. وكما قلت أعجبنى التخطيط كما أعجبت بالفكرة لكنى أحسست بأنها تسبقنى بنحو نصف قرن من الزمان. فهى أنيقة جدا ومنسقة جدا. شيء متأنق للغاية ومكلف، بالرغم من أنى علمت انه لم يسحب من ميزانية الدولة مليما. وأعرف أن تكلفة العاصمة الادارية جاءت من بيع الاراضى التى بنيت عليها. أى من الارض التى يملكها الشعب المصرى. هذا رايى وليس رأى الجيل الجديد الذى لم يرتبط بشوارع وحوارى القلعة والدرب الأحمر والجمالية.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: