رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أقنعة الغرب تسقط فى المونديال

قبل استقبال قطر العرس الكروي لكأس العالم، استوقفتني الحملة ضدها, فالحملة لم تكن ضد قطر وحدها، بل كانت تعكس نظرة الغرب المتعالية على شعوب منطقتنا، وربما مناطق أخرى في العالم، فهناك أصوات في الغرب منغلقة على ذاتها، وتعتقد أنها النموذج الذي على العالم أن يتبعه، ويسير مغمض العينين خلفه، ويتخلى عن تاريخه وجذوره وهويته، ويلتحق بذيل الغرب المتعالي، الذي يظن أنه مركز العالم، ونهاية الحضارة والتاريخ، وهذا يحتاج لدراسة الحالة الغربية، وكيف وصلت إلى هذا القدر من التعالي، وتناقضها في أقوالها التي تدعي أنها تقبل الآخر المختلف، لكنها لا تقبل إلا من يكون مسخا مشوها منها، أما الدعوة إلى قبول الآخر فموجهة لنا فقط، لكي نقبل ما نراه مختلفا عنا فيما يمارسه الغرب، وأن نسعى إلى تقليده.

لكن هل يدرك هذا الغرب المتعالي ماذا فعل خلال تاريخه الاستعماري القريب والبعيد؟ هل يعلم كيف كانت الشركات الأوروبية والأمريكية تصطاد البشر وتبيعهم في أسواق العبيد، وكيف أن ازدهار الولايات المتحدة الأول وتراكم ثروتها جاء من عرق ودماء هؤلاء العبيد، الذين كانوا يعملون ليل نهار تحت سياطهم، بدون أي أجر، وبدون مقابل سوى كسرات خبز، لكي يستمروا أحياء حتى يعملوا أكثر، ويحققوا أرباحا أكثر لمستعبديهم؟

هل فكروا في الملايين الذين قتلوهم في مستعمرات الجزائر والهند الصينية والكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا؟ ومازالوا يتنافسون على الاستئثار بثروات تلك البلدان بطرق مختلفة، ليبنوا صناعاتهم المتقدمة، ويحققوا الرخاء على حساب بؤس آلاف الملايين في أنحاء العالم.

هل نسي هؤلاء أنهم أشعلوا حربين عالميتين بسبب هذا التنافس بينهم على المستعمرات لتحقيق المزيد من الثروة على حساب بؤس الآخرين؟

لقد استوقفتني وأسعدتني كثيرا كلمة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو عندما فند بعض الانتقادات الموجهة لقطر، مثل استغلال العمالة الآسيوية في بناء الملاعب الرياضية، ومنع المشروبات الكحولية في الملاعب وإقامة البطولة في الشتاء.

وأعجبني أكثر قول إنفانتينو إن على الأوروبيين أن يعتذروا لهذه الشعوب عما اقترفوه من مظالم طوال ثلاثة آلاف عام، وأن يواصلوا الاعتذار لثلاثة آلاف عام قادمة، فهم ليسوا مؤهلين لانتقاد غيرهم وإعطاء الدروس، وهم الذين اقترفوا الكثير من الجرائم في حق الشعوب، وتساءل إنفانتينو «هل يستطيع الفيفا إملاء الشروط على بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا مثلما يطالب هؤلاء بفرض شروطهم على قطر؟ ووصف ذلك بالنفاق وازدواجية المعايير.


وبيت القصيد الذي أود الحديث عنه هنا هو رؤية الغرب لنا، وتصرفه وكأنه مركز العالم، وصاحب الكلمة الوحيدة فيه، وأن من حقه التدخل في شئون كل الدول، وليس للآخرين حق انتقاده، فالمسألة المتعلقة بحقوق «المثليين جنسيا»، والتي ارتفعت نبرتها في العقود الأخيرة، ويحاول فرضها على العالم، وكأنها معيار التقدم في مجال حقوق الإنسان، ويصنف الدول حسب درجة تقبلها وتشريعها المثلية الجنسية، وفي الحقيقة أن قطاعات ليست قليلة في الغرب نفسه لا تتقبل تلك الأفكار، ولا تسمح بزواج المثليين، وليس من حقهم فرض سلوكهم وتصوراتهم على بلدان العالم، يمكنهم أن يفعلوا ما شاءوا داخل حدود بلدانهم، لكن فرضها على باقي الشعوب شىء غير مقبول، فالقرار يرجع إلى تلك الشعوب نفسها، وليس إلى معايير الغرب.

إن تاريخ الغرب وحاضره مليئان بالسقطات والأخطاء، سواء في الحروب الدينية أو الحروب الاستعمارية داخل أوروبا وخارجها، ثم الهيمنة الناعمة عن طريق السيطرة على الإعلام والمؤسسات الأممية وامتلاك المال والسلاح الذي يفرض الشروط المجحفة على باقي بلدان العالم، ولا يتحدث مثلا عما يعانيه السود واللاتينيون والآسيويون في الولايات المتحدة وأوروبا من تمييز، ولا يسلطون الضوء عن الانتهاكات التي تحدث في بلدانهم، بل يستغلون الفجوة الاقتصادية بينهم وبين الدول النامية في تكريس الهيمنة، وتلك الفجوة تحققت لهم بفضل استغلال الشعوب ونهب الثروات لقرون طويلة، وليست من ناتج عملهم أو خيرات أراضيهم، وعليهم أن يسددوا ما نهبوه قبل أن يتعالوا على الشعوب التي كان لها الفضل فيما يتمتعون به من ازدهار وتفوق، والآن يعيبون علينا تأخرنا في مجال ما، وهم سبب هذا التأخر، ويفرضون علينا أولوياتهم وليست أولوياتنا.

إننا كشعوب نعاني الجوع وتدهور البنية التحتية للتعليم والصحة والصناعة والكثير من المجالات، ويتحدثون إلينا عن حقوق الإنسان من منظورهم الخاص والضيق وفي الصدارة منها المثلية وتحرر المرأة ، وعلينا أن نعرف الهدف من هذا المنظور الغربي، فهم يريدون نشر جماعات موالية للغرب تحت اسم حقوق الإنسان، وتحصل منهم على المال، لتنشر أفكار الغرب وتدافع عن مصالحه، وتكون شوكة في ظهر البلدان النامية، يبتزونها بها من أجل أن تنصاع للغرب وتنفذ شروطه، وتحقق لهم المكاسب، لهذا نجد أن الحملات موسمية، يستخدمونها حينا، ويوقفونها أحيانا حسب الظروف التي تحقق الأهداف، ولو كانت مبدئية ما خضعت للظروف، ولكانت مستمرة ومتسقة ومستخدمة في كل البلدان وفي كل الأوقات، وليس فقط ضد الدول التي يختلفون معها.

إنها إذن الانتقائية وازدواجية المعايير التي تحقق للغرب مصالحه ، لا المبادئ ولا القيم التي يدعونها، فكم أسقطوا من حكومات منتخبة، وارتكبوا اغتيالات لقيادات وطنية، فهل هذا من شيم الديمقراطية؟

لقد انتقدوا منع قطر للخمور في الملاعب، ورأوا أنه يمس حقوق الإنسان السكران، لكن ألم تمنع الولايات المتحدة بيع وتناول الخمور 13 عاما من عام 1920 إلى عام 1933؟ ألا توجد في الولايات المتحدة وأوروبا جماعات ترفض المثلية والإجهاض؟ ألا توجد جماعات عنصرية ومسلحة؟ ألم يساند الغرب جماعات إرهابية تتبنى العنف في منطقتنا؟

إنني أضم صوتي إلى صوت جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» وأقول لهم اهتموا بشئونكم، ودعونا نهتم ببلادنا وشئوننا وأولوياتنا المختلفة عن أولوياتكم، ولا داعي لأن تتصوروا أنكم مركز الكون ومنبع الحضارة، فلقد كانت حضارتنا أكثر تطورا منكم، وأخذتم عنها ما يلائمكم، وسبقناكم في الكثير من الحقوق التي تتشدقون بها، ولم نُعَيِّرْكم بتخلفكم حينها، ولم نفرض عليكم ما نراه، ولم ننشر الفتن في بلدانكم، ولم نجند العملاء من مواطنيكم لنشر الفوضى، وإننا لم نتدخل في شئونكم ولم نتعالَ عليكم، وأتمنى أن تحترموا ما تسمونه المجتمع الدولي الذي تسيطرون على مؤسساته، فلا تفرضوا عقوبات إلا بإذن الأمم المتحدة، ولا تنشروا قوات إلا برضا الدول التي تستقبلها، وبقرار أممي، ولا تصدروا تقييما لسياسات الدول الأخرى إلا من خلال الأمم المتحدة، فلا يحق لكم أن تمنحوا أنفسكم حق تقييم الدول وفق معاييركم الخاصة، بل عليكم أن تعترفوا بسيادة البلدان وحقها في التمايز عنكم، وتعترفوا بأن لها قيما قد تختلف أو تتفق معكم، فلا تحتكروا القيم، ولا تعتبروا قيمكم أرفع من قيمنا، فمن بلداننا نشأت الحضارات والديانات والقيم الإنسانية النبيلة، التي تدعو للمساواة بين الناس، ولا تفرق بين الناس إلا بالتقوى، أي بالأعمال النبيلة، فاكتفوا بتقديم نموذج للعدالة والمساواة والقيم النبيلة لتجعلوا الناس تصدقكم وتجاريكم فيما تحققونه من عمل نبيل يفيد البشرية، ولا يحتكر القوة والثروة والدعاية من أجل مصالح خاصة وضيقة، عندها ستحققون العدالة على الأرض.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: